آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
أحمد عبد الباسط الرجوب
عن الكاتب :
كاتب بصحيفة رأي اليوم

هل سقطت صفقة القرن؟… هل تداعيات قتل جمال خاشقجي وعدم ضمان السعودية الشريك الفلسطيني للصفقة؟

 

أحمد عبد الباسط الرجوب

سعت إدارة ” ترامب ” منذ اليوم الأول بعد تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة إلى طرح خطة السلام في الشرق الأوسط والتي تأجلت كثيرا، هذه الخطة وبحسب ما تم تسريبه عن محتواها وهو ما يعني التبادل للمنافع، مما يستتبعه إيحاءات مشفوعة بتسريبات تتعلق بتبادل لأراضي وتعديل لخرائط الحقوق التاريخية؛ إلا أن اقتران الصفقة بـ”القرن” أو “العصر” في بعض الترجمات، يجزم بأن الأمر يتعلق بتغيير تاريخي كبير في مجرى الصراع وجوهره وأطرافه التي ارتبطت بالقرن أو العصر الذي نعيشه، وأن المراد هو استبداله بصراع من نوع جديد لقرن وعصر جديدين…

فاغتصاب الصهاينة للحقوق العربية والفلسطينية والذي شكل صراعا وجوديا بين الصهاينة والعرب والمسلمين والذي اتسم به القرن الماضي والذي يشكل مركزية القضية وجوهرها، يراد له بأن يستبدل في القرن الجديد بصراع عصري يكون الصهاينة وبعض العرب والمسلمين فيه طرفا واحدا في مقابل طرف أخر يتمسك بالمقاومة وبجوهر صراع العصر الذي يراد له أن يكون بائدا!

ومن هنا وقبل أي إعلان لتفاصيل الصفقة المزعومة، كان الهدف فيما يبدو هو محاصرة المقاومة وعزلها وتشويهها وحصارها والقضاء على بؤرها في فلسطين ولبنان ، وكذلك استهداف الجيوش الوطنية وإجهادها وتفتيتها، حتى تصبح الأمة فريسة هامدة يعلن على ضريحها إعلان الصفقة ويحتفل على رفاتها بالانتصار الصهيو – أمريكي!

كان من الواضح، من سياق الحديث المستمر والتقارير الغربية التي كشفت وروجت إلى ملامح ما يخطط له ” ترامب ” ، بارتباط هذه الصفقة المزعومة بالتوصل لتسوية نهائية للقضية الفلسطينية، باعتبارها هي – دون غيرها – “قضية القرن” – … لكن تعبير “صفقة القرن” صار هو الأداة التفسيرية لكل ما يجري في المنطقة … فمن خلال مئات المقالات والمناقشات، أصبحت “صفقة القرن” المزعومة مخططا مستمرا وشاملا، ربما منذ عقود، يقف وراء كل شيء يجري في المنطقة: مخطط الشرق الأوسط الكبير، الحروب في سوريا واليمن وليبيا، خلع الرئيس المصري المنتخب، محاولة الانقلاب في تركيا، صعود الدور الإقليمي للسعودية والإمارات، حصار قطر، تنظيم (داعش)، عمليات الجيش المصري في سيناء،… إلخ.

حاولت إدارة ” ترامب ” إقناع الأطراف العربية باستثمار مئات الملايين من الدولارات في مشاريع اقتصادية في قطاع غزة باعتبارها طائعة تلقائياً كجهاز الصراف الآلي ATM ولم يدركا واجب إشعار المتبرع بقيمته واحترامه، عندما يطلب منه المساعدة وذلك في محاولة لتهدئة الوضع الأمني هناك وتوليد زخم قبل أن يعرض البيت الأبيض خطة سلام الشرق الأوسط التي من المفترض ” على زعم إدارة ترامب ” أن تنهي الكثير من الآمال العربية حول القضية الفلسطينية…

على ما تقدم فإن القاعدة التي يمكن استنتاجها، هو أن الماضين وراء ترامب لتنفيذه هذه الصفقة أو بالأحرى وراء انتهاك كافة الأعراف وكافة القوانين الدولية، هم المرتهنة إرادتهم إما بضعف أحوالهم الاقتصادية وليس لديهم قوات عسكرية وطنية تحمي بلادهم، أو لأن واشنطن تدعم سلطتهم الغير شرعية والمعادية لشعوبهم…

وفي ذات السياق المتعلق بصفقة القرن فإن آثار قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، تلقي بظلالها على خطة الرئيس الأمريكي ترامب للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين فيما يتعلق بصفقة القرن، وفي رأينا بأن أحد أسباب التأخير في الكشف عن خطة ترامب، صعوبة الوضع السعودي الذي تأثر بانشغاله بترميم تداعيات قضية الخاشقجي ومواجهة الارتدادات السياسية الدولية الغاضبة تجاه السعودية وهو ما اضعف الدور السعودي في خلق الغلاف العربي الذي ستحتاجه والشريك الفلسطيني لتسويق وتنفيذ هذه الصفقة …كما أن الأطراف المعنية بها لم تكن على رضا بالأفكار المطروحة وعملت على مقاومتها مثل الأردن والسلطة الفلسطينية، وهو الأمر الذي انعكس أيضا على القوة الدافعة لدى البيت الأبيض واوجد صعوبة جديدة في الاستعانة بالمملكة السعودية بهذا الخصوص وذلك على اعتبار أن السعودية تؤدي دورا مركزيا في السياقات السياسية في المنطقة… وعليه يمكن الاستنتاج في هذا الخصوص بأن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تواجه أزمة حقيقية سواء في كيفية الانتهاء من صياغة هذه الصفقة القرن وتجميع تناقضاتها بعضها ببعض، أو ما يتعلق بإخراجها إلى النور والكشف عنها للأطراف المعنية، وهو ما تكشف عنه التسريبات التي تصدر عن فريق ترامب الذي يتولى افتعال الضجيج عليها…  ونخلص للقول بأن اغتيال خاشقجي عاد بشكل سلبي على خطط الإدارة الأمريكية لتمرير مشاريع تصفية القضية الفلسطينية عبر البوابة السعودية…

أما فيما يتعلق بالجانب الفلسطيني (وهو الشريك المفترض لمن يقف خلف صناعة هذه الصفقة ) وحسب ما يمكن استنتاجه على ضوء معطيات الرفض الفلسطيني لهذه الصفقة سواء من السلطة الوطنية الفلسطينية  (في رام الله) كقوة سياسية أو الأجنحة الفلسطينية المقاومة وتحديدا في قطاع غزة ، حيث أن صمود المقاومة في جبهاتها عرقل ولا يزال يعرقل إتمام الصفقة المشؤومة ، ورغم أن الكيان الصهيوني يحارب على جميع الجبهات، إلا أن جبهة الداخل الفلسطيني هي الفيصل في القضية الفلسطينية وليست الفيصل في الصراع الوجودي، لأنها لو سلمت واستسلمت، فلن تستسلم المقاومة… ونعيد ونقول إن صمود السلطة الفلسطينية في رام الله واعتماد الكفاح المسلح وسيلة للتحرير هو القضاء التام على أوهام صفقة قرن ينفذها الكيان الصهيوني بشكل مسرحي لأنه لا يستطيع تنفيذها بشكل عملي بفضل صمود المقاومة… وقد كانت المراهنة على نزع سلاح المقاومة المسلحة وحصارها ، ولكن عندما تنطلق صواريخ المقاومة على التجمعات الاستيطانية في ردها على العربدة الصهيونية واعتداءاتها على غزة المقاومة، … وكما قلناه سابقا في مقال خاص عن صمود المقاومة في هذا الموقع الأغر، فإن الصواريخ تطلق أولا على صفقة القرن وتجهض عمودا رئيسيا من أعمدتها وهو الكيان الغاصب…

وعلى صعيد إدارة الرئيس ترامب وبعد الإخفاقات المتتالية التي حلت بها في الشرق الأوسط وتحديدا بعد سقوط صفقة القرن، وسيطرة الرئيس السوري على 80% من البلاد وتعاظم مكانة روسيا وحتى صمود إيران حتى الآن تحت وطأة العقوبات الأمريكية (تخلي إدارة ترامب عن الاتفاق النووي) ودخول العقوبات الأمريكية على تصديرها للنفط ، ويبدو بأن السيد ترامب الباحث عن تسويات النصف الثاني لولاياته ووقف الحرب في اليمن كوسيلة للتخفيف عن السعودية بسبب عدم ظهور أية بوادر لإنهاء هذه الحرب بعد دخولها السنة الرابعة وما خلفته من وضع أنساني بائس على الشعب اليمني وفي رأينا بأن إيران ستكون الرابح والمستفيد الأكبر فيما لو وضعت الحرب على اليمن أوزارها ،… فهل نرى تحرك إدارة ترامب في المستقبل القريب لتقاسم ما تمثله سياسياً واقتصادياً مع شركاء جدد منهم روسيا وتركيا وإيران من جهة … وعلى النقيض من ذلك فهل ستقوم إدارة ترامب على التصعيد في أوكرانيا وسورية بإشارات مخابراتية متزامنة وواضحة حتى تبقي المنطقة على صفيح ساخن من الإرهاصات والفوضى التي تبقي على الوجود الأمريكي على مسرح عمليات الشرق الأوسط وبالدرجة الأولى ضمان وجود الكيان الصهيوني والإطراف العربية الداعمة لها وكما صرح به ترامب مؤخرا (المهم وجود إسرائيل!)… لننتظر قادم الأيام!

ختاما …غزة تحتاج إلى مطار … غزة تحتاج إلى مياه نظيفة ومحطات تحلية مياه ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي  …غزة تحتاج إلى مناطق صناعية … إلا أنها لن ولم تقايض على شبر من أراضي فلسطين أو تتصالح على دماء الشهداء والقدس لصالح ” خرافة القرن ” ومهما كانت القوى الدافعة أو المحركة لها بالقوة العارضة أو المال الابتزازي..غزة تحتاج لعرب حقيقيين صوتهم من رأسهم يا قوم!.
السلام عليكم،،،

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/12/02

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد