آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
مأمون كيوان
عن الكاتب :
باحث سوري في الشؤون الإسرائيلية

القوة العظمى خرافة جديدة يدحضها الإسرائيليون أنفسهم

 

مأمون كيوان

 

انهيار أو تفكيك الأساطير المؤسسة لصورة إسرائيل وقوتها المضخمة ينبغي ألا يقود إلى نتائج خاطئة تضع إسرائيل في منزلة "نمر من ورق"، بل إلى حقيقة تفيد بأن للقوة الإسرائيلية حدودا

 

ثمة أساطير وخرافات وأكاذيب أسست لصورة غير حقيقية للمشهد الإسرائيلي ولموقع ودور إسرائيل في المحيطين: الإقليمي والعالمي، منها: أسطورة "واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط"، وأسطورة "شعب الله المختار"، وأسطورة "طهارة السلاح الإسرائيلي"، وأسطورة "الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر".

 

وفي بيئة يصدق فيها الكذاب كذبة أو أكاذيب روجها بنفسه، تفاخر رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في 29 فبراير المنصرم باستطلاع "الدولة الأفضل في العالم" الذي أجرته كلية الأعمال "فيرتون" في بنسلفانيا الأميركية لتصنيف أبرز 60 دولة في العالم في يناير 2016، وبحسبه تحتل إسرائيل المركز الثامن في العالم من ناحية "القوة" - وهي فئة تتضمن القوة العسكرية، التحالفات الدولية، التأثير الاقتصادي، والنفوذ السياسي.

 

واستند التصنيف إلى عدة خصائص في مجال دفع التجارة، السياحة والاستثمار، والتأثير على الاقتصاد المحلي. وتم تحديد 56 صفة يمكنها أن تصف نجاح دولة حديثة، وتم عرض هذه الصفات على أكثر من 16 ألفا من المستطلَعة آراؤهم في جميع أرجاء العالم، وطُلب منهم أن ينسبوا لكل دولة الخصائص المناسبة لها بحسب رأيهم.

 

وتم جمع الخصائص الـ65 جميعها في 9 تصنيفات فرعية: سياحة المغامرة، المواطَنة، التأثير الثقافي، ريادة الأعمال، التراث، التميّز والديناميكية، الانفتاح على الأعمال، والقوة وجودة الحياة.

 

وأغفل نتنياهو معطيات أخرى مهمة غير "القوة" التي كانت مجرد فئة من عدة فئات منها: المواطَنة، جودة الحياة، التعليم، الانفتاح على الأعمال، ريادة الأعمال وغيرها. احتلت وفقها إسرائيل المراكز التالية:

 

المركز الـ53 في فئة السياحة المغامرة، والمركز الـ52 في فئة الانفتاح على الأعمال، والمركز الـ35 في فئة التأثير الثقافي، والمركز الـ34 في فئة جودة الحياة، وفي المركز الـ28 في فئة الدول الأفضل للاستثمار، والمركز الـ26 في فئة الدول الأفضل لتربية الأولاد، والمركز الـ24 في فئتي: الدول الأفضل للنساء؛ والمواطَنة التي تتضمن: المساواة بين الجنسين، توزيع القوة السياسية، الحرص على حقوق الإنسان، الحرية الدينية والحرص على البيئة. والمركز الـ21 في فئة ريادة الأعمال، والمركز الـ21 في فئة التعليم، والمركز الـ18 في فئة الشفافية.

 

إجمالا، صنفت إسرائيل فقط في المركز الـ25 من بين دول أخرى بعد روسيا التي حصلت على المركز الـ24، والبرتغال التي حصلت على المركز الـ23، والهند التي حصلت على المركز الـ22، وتايلاند التي حصلت على المركز الـ21، والبرازيل التي حصلت على المركز الـ20، وكوريا الجنوبية التي حصلت على المركز الـ19، وأيرلندا التي حصلت على المركز الـ18 من بين 60 دولة.

 

وفي سياق نقده مبالغة وتفاخر نتنياهو، أشار تامي أراد المحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى أن هذه القوة العظمى "لا تنجح في وقف موجة السكاكين والبلطات"، وعندما "تنهار السلطة الفلسطينية فان القوة العظمى الثامنة في العالم ستضطر لأن تتصدى لمشكلة نحو مليوني مواطن فلسطيني فقير ومحبط، سيتنافسون مع فقراء إسرائيل على سلة الخدمات الاجتماعية المقلصة". و"طريقة حكومة نتنياهو لمواجهة موجة العنف هي الخطابية الحماسية والقوانين المناهضة للديمقراطية".

 

أما أودي ديكِل وعومر عيناف، الباحثان في معهد دراسات الأمن القومي، فلخصا نتائج نقاشات وتوصيات المؤتمر السنوي لمعهد دراسات الأمن القومي الذي عُقـد فـي 17 - 19 يناير 2016، تجاه عدة مسائل إستراتيجية - داخلية، وإقليمية وعالمية. القاسم المشترك بينها هو ارتباطها المباشر بإسرائيل وبأمنها.

 

ومن أبرز النتائج ذات الدلالة وتكشف حدود القوة الإسرائيلية، النتائج التالية: "استمرار عملية تفكك المنظومة الدولية القديمة في منطقة الشرق الأوسط، دون وجهة تطور واضح ويمكن إدارته.

 

إسرائيل لا تمتلك رافعات تأثير تستطيع بواسطتها تشكيل منظومة جديدة تتيح تحقيق مزيد من الاستقرار، وتقليص تأثير العناصر الراديكالية، وتمنح اللاعبين المسؤولين مزيدا من القوة وتأثيرا أكبر في المنطقة.

 

الموضوع الفلسطيني هو التحدي الإستراتيجي الرئيس الماثل أمام إسرائيل.

التحدي الكبير بالنسبة إلى إسرائيل يكمن في تحديد نقاط تكسبها أفضلية إستراتيجية مثلى، من خلال بلورة خيارات سياسية - أمنية جديدة.

 

يوجد لإسرائيل عمليا عدد من عتبات قفز تشكل أرضية لمبادرات متنوعة، تستطيع بواسطتها تحسين مكانتها واعتماد أجندة تخدم مصالحها، وهي التالية:

 

عتبة قفز أولى - تشمل الساحة الداخلية في إسرائيل: حيث يجب في هذا السياق إعطاء الأولوية لتقليص الفجوات بين السكان العرب والسكان اليهود. وإن إيجاد شراكة عميقة وراسخة، غير مبنية على مصالح ضيقة، من شأنه تعزيز المناعة الوطنية للمجتمع، وتخفيف الاستقطاب المتزايد بين أجزائه المختلفة. ووحدها الشراكة الحقيقية التي تتجلى بتكافؤ الفرص الاقتصادية والاجتماعية، تمكن إسرائيل من مواجهة تحديات الوقت الحاضر في الداخل.

 

عتبة قفز ثانية تشمل المسألة الفلسطينية: من المرجح جدا أن يكون تغيير الوضع في ساحة النزاع "مغيّرا لقواعد اللعبة" بالنسبة لإسرائيل.

 

عتبة قفز ثالثة، تتمثل في تعزيز التعاون بين إسرائيل ودول عربية. وتستطيع إسرائيل المساعدة في النهوض بمشاريع مدنية - اقتصادية، على سبيل المثال في مجالات التكنولوجيا، والمياه، والزراعة والطاقة.

 

عتبة قفز رابعة على مستوى القوى الكبرى: "إذ إن الهدف الأول الفوري والحيوي أكثر من أي هدف آخر هو إعادة العلاقات الخاصة لإسرائيل مع الولايات المتحدة إلى سابق عهدها".

 

ويمكن القول إن انهيار أو تفكيك الأساطير المؤسسة لصورة إسرائيل وقوتها المضخمة ينبغي ألا يقود إلى نتائج خاطئة تضع إسرائيل في منزلة "نمر من ورق"، بل إلى حقيقة تفيد بأن للقوة الإسرائيلية حدودا وثمة عوائق تحد من استخدامها على خلفية محدودية النتائج السياسية السابقة لتحرك الآلة العسكرية الإسرائيلية خلال العقد الأخير من الزمن، على أقل تقدير. 

 

صحيفة أون لاين

أضيف بتاريخ :2016/03/06

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد