آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قاسم حسين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

وفاة مخترع الإيميل العظيم


قاسم حسين

تناقلت وكالات الأنباء أمس خبر وفاة مخترع البريد الإلكتروني (الايميل) راي توملينسون، الأحد الماضي (6 مارس/ آذار)، عن عمر يناهز 74 عاماً، بعد إصابته بنوبة قلبية.

قصة هذا الاختراع العظيم يوجز لنا المسافات الضوئية التي بات يقطعها العالم المعاصر في مجال اختزال المسافات، بسرعة لم تكن تخطر على بال كتاب الخيال العلمي قبل بضعة عقود.

قصة البريد الالكتروني تختصر مسيرة البشرية نحو التقدم، الذي ابتدأته القبائل البدائية في العصور الغابرة باستخدام الدخان لإعلان الحرب أو التعرّض للخطر، وتدرج لاستخدام الحمام الزاجل، في المراسلة بين البلدان، حتى تأسست شبكات اتصالات قوية ومحكمة أيام الدولة العباسية، تستخدم عشرات الآلاف من الخيول والفرسان للتواصل بين أنحاء الإمبراطورية المترامية الأطراف، ولتزويد العاصمة بغداد بآخر الأخبار وأدق التقارير.

الغربيون اخترعوا البرق والفاكس والهاتف، وطوّروا وارتقوا بالحضارة الإنسانية، بينما بقينا نحن نجتر علومنا القديمة ونتغنّى بأمجادنا الغابرة أيام الفارابي وابن سينا.

جيلنا نحن بالذات، ربما كان هو آخر الأجيال الذي تعامل مع البريد، وكنا حتى مطلع الثمانينات نستخدمه للمراسلة مع الأصدقاء في الدول العربية ومع المجلات الرياضية والثقافية. وقبل أسابيع اصطحبت ابنتي، طالبة المدرسة الثانوية، إلى البريد لإرسال رسالة بريدية، واكتشفتْ لأول مرةٍ كيف يعمل «نظام البريد»، ولاشك أنها استهجنت هذه الطريقة التي بدت متخلفةً جدّاً في نظرها: تشتري قطعاً ورقيةً صغيرة اسمها طوابع وتلصقها على الظرف، ثم ترميها في صندوق البريد الذي يشبه مدخنة في أحد الأفلام الأميركية القديمة.

«الايميل» أطاح بهذه الطريقة القديمة جدّاً، وأحالها إلى التقاعد، وحوّل مراسلاتنا إلى الشاشات. لم نعد نحتاج إلى ظروفٍ وطوابعَ وذهابٍ إلى مكاتب البريد ساعات الدوام الرسمي، وكلّ ما تحتاج إليه هو إدخال عنوان من سطر واحد وكتابة ما تريد، ثم إرساله بضغطة زرٍ إلى الطرف الآخر، ولو كان في أبعد بلاد الدنيا، خلال ثوانٍ معدودات.

هذا المخترع العظيم، الذي وُلد في العام 1941، غيّر طرق التواصل في العالم وإلى الأبد، واختصر المسافات، وذلّل صعاب المراسلات، عندما أضاءت في عقله فكرة تبادل الرسائل إلكترونيّاً عبر الشبكات، وذلك في العام 1971، باستخدام حرف رمزي هو (@) في العناوين. وهو الذي بعث بأول رسالة الكترونية في التاريخ، فتحت الباب أمام هذا السيل التكنولوجي الجارف في مجال تبادل المعلومات. ولفت نظري ما كتبته عنه الشركة الأميركية للدفاع (ريتيون) التي كان يعمل فيها مبرمجاً، وهي تؤبّنه: «إنه رائد حقيقي في مجال التكنولوجيا... وعلى رغم كل هذه النجاحات بقي متواضعاً ولطيفاً وسخيّاً في منح وقته ومهاراته». وهذه من صفات العلماء الحقيقيين.

مثل هذا الرجل لم نسمع عنه إلا بعد رحيله، على رغم ما تمتعنا به من نتاج عبقريته، كما لم نسمع عن مواطنه المبدع ستيف جونز، مخترع الآيباد والآيفون، إلا بعد رحيله. ونقرأ كل يوم عن جديد ما تنتجه وتخترعه الأقوام الأخرى لتسهيل الحياة، من الأميركان والأوروبيين إلى الصينيين والهنود والتايوانيين والاستراليين... بينما نحن مازلنا نتجادل في قضايا المذاهب والأديان، ونعارض حرية الشعوب واحترام كرامة البشر، ونصرُّ على انتهاك حقوق الإنسان، وتشويه سمعة خصومنا السياسيين، وتخوينهم وسبّهم ليل نهار في «تويتر» و»فيسبوك»، وتكفير بعضنا بعضاً، كما كان يفعل الأوروبيون في قرون الظلام.

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/03/08

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد