آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. بهيج سكاكيني
عن الكاتب :
صحفي

فنزويلا.. كيف نفهم جوهر الصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية


الدكتور بهيج سكاكيني

ما يدور في فنزويلا وحالة الصرع الأمريكي والإصرار على محاولة إسقاط النظام فيها لا يمكن فهمه إلا من خلال اعتباره مفصل رئيسي آخر للصراع الدائر على الساحة الدولية لإحداث تغيير جوهري في النظام العالمي من أحادي القطب إلى نظام متعدد الأقطاب وذلك للتخلص من الهيمنة والتسلط الأمريكي وطوي صفحة أحادية القطب الذي فرضته أمريكا على العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك جمهورياته في مطلع تسعينات القرن الماضي والتي أعطت الفرصة الذهبية لأمريكا لتصول وتجول في الكون وتغزو دولا سيادية دون أن تجد من يقف ليردعها عن العربدة السياسية والعسكرية التي اتخذتها كوسيلة لبناء الإمبراطورية الكونية الأمريكية وتحقيق حلم المحافظين الجدد. وبدأ التحول الفعلي مع ظهور دول وتكتلات إقتصادية وسياسية على الساحة الدولية تترأسها روسيا والصين والتي بدأت تجد لها موطئ قدم على الساحة الدولية تلجم فيها الرعونة الأمريكية وتضع حدا لها إلى درجة لا يستهان بها. 
وربما ما جرى ويجري في سوريا كان من أكبر وأوضح الأمثلة على يجري على الساحة الدولية من صراع.

وبعد الخيبة التي منيت بها الولايات المتحدة والفشل الذريع لمشروعها في تقسيم سوريا والدور الروسي المميز الذي لعبه بوتين ووزير خارجيته لافروف إلى جانب القيادة العسكرية في دعم الدولة السورية والجيش السوري والشعب السوري إلى جانب إيران والمقاومة اللبنانية نرى الإدارة الأمريكية تصعد من عدوانيتها على فنزويلا التي لم تنقطع للحظة واحدة منذ نجاح الرئيس شافيز في الانتخابات الرئاسية في نهاية تسعينات القرن الماضي. أمريكا تريد قطع الطريق على روسيا والصين في أمريكا اللاتينية ولم يكن مصادفة إرسال الطائرات الروسية الإستراتيجية إلى فنزويلا والاتفاق على إجراء مناورات عسكرية مشتركة مع الجيش الفنزويلي. ولم يكن مصادفة الاتفاقية المبرمة مع روسيا على إقامة قاعدة بحرية روسية في إحدى الجزر الفنزويلية. ولم يكن مصادفة أيضا توقيع اتفاقيات إقتصادية وتجارية بين فنزويلا والصين بمليارات الدولارات خلال زيارة الرئيس مداورو إلى بكين العام الماضي.

 نعم فنزويلا لديها أكبر احتياطي بترول في العالم لغاية الآن وقد يعزو البعض هذا العداء الأمريكي لفنزويلا إلى رغبة أمريكا في السيطرة على هذه السلعة الإستراتيجية. لا ننكر أهمية ذلك ولكن جوهر الصراع يبقى محاولة الحفاظ على أحادية القطب الأمريكي سواء في الشرق الأوسط أو أمريكا اللاتينية أو أفريقيا أو جنوب شرقي آسيا وخاصة بعد بروز قوى أخرى وتكتلات إقتصادية عالمية أصبحت تهدد الهيمنة والتسلط على الدول التي تمتعت بها أمريكا لأكثر من ربع قرن تقريبا. ويكفي أن نشير إلى ما قاله بولتون مستشار الأمن القومي للرئيس ترامب في الكونغرس مؤخرا من أن روسيا والصين تشكلان أعداء أمريكا في القارة الإفريقية مدينا المساعدات المالية التي تقدمها روسيا والصين للدول القارة وكذلك تمدد تأثيرهما السياسي هناك. ونستحضر هنا أيضا ما قاله وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001 والذي حدد من خلالها حاجة البنتاغون للسيطرة على حقل المعركة على نطاق كوني بأكمله ( هيمنة الطيف الكامل) من أجل الحفاظ على أحادية القطب في العالم. هذا هو بالضبط ما تحاول الولايات المتحدة فعله اليوم. وإحباط المشروع الأمريكي مؤخرا في مجلس الأمن بشأن فنزويلا ورئيسها الشرعي المنتخب مادورو بفيتو روسي صيني مزدوج ما هو إلا دليل إضافي على هذا الصراع على الساحة الدولية لكسر النظام العالمي القائم أحادية القطب.

 فنزويلا تشكل شوكة في حلق الإستراتيجية الأمريكية في أمريكا اللاتينية وتقف في وجه عربدة أمريكا ومحافظيها الجدد ومشروعهم الأمريكي الكوني ومن هنا نقول أنها مفصل رئيسي آخر للصراع الذي تخوضه أمريكا للإبقاء على أحادية القطب بعد دخوله في مرحلة التآكل.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/03/03

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد