آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قاسم حسين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

سقوطنا الأخلاقي من العراق إلى تركيا

 

قاسم حسين


من الصور المؤثرة جداً، تلك التي نشرتها الصحيفة برفقة خبر التفجير الإرهابي الأخير في تركيا يوم الأحد الماضي، وأودى بحياة 37 شخصاً، وأوقع 120 جريحاً، 15 منهم في حال حرجة.

الصورة لسيدة تركية في بداية العقد الخامس من عمرها، وهي تبكي بحرقةٍ أمام تابوتٍ يضم جسد أحد أقاربها، تفجُّعاً على من خسرته في هذا العمل الإجرامي، ربما يكون زوجاً أو ابناً أو أخاً عزيزاً. وهي بالمناسبة من أخفّ الصور إيلاماً، لتجنّبنا نشر الصور التي تحتوي على الدماء والأشلاء، والتي باتت مألوفةً في السنوات الأخيرة، بفعل المخاض الذي تتعرّض له المنطقة من أحداث وفتن وحروب.

الألم الإنساني واحد، وطعم الفقد المرّ واحدٌ أيضاً، على مختلف الألسن والشفاه. وقد شاهدنا مئات الصور الشبيهة بصورة هذه السيدة التركية المفجوعة وأكثر منها إيلاماً، لنساء ثاكلات، وكانت أكثر الصور تأتي من العراق. فهذا البلد العربي دفع ضريبة الحكم الدكتاتوري تشرداً وسجناً وقتلاً لأبنائه، وعاد ليدفع الضريبة مضاعفةً بعد الاحتلال الأميركي الذي أشاع البؤس وعمّق الفتن والانقسامات، واستقطب العناصر المتشددة من شذّاذ الشعوب والآفاق، تحت ذريعة مقاومة الاحتلال، فقتلوا وجرحوا من العراقيين عشرات الأضعاف ممن قتلوا وجرحوا من الأميركان.

طوال 13 عاماً، لم يُترك العراق ليستقر ويداوي جراحه، ويعيد بناء نفسه، واستمر الإرهاب يضرب ضرباته، ويحصد أرواح الأبرياء يومياً بمعدل خمسين شهيداً، وضعف ذلك من الجرحى الذين يموت بعضهم، ويتشافى بعضهم، بينما يعاني أكثرهم من الإعاقات التي تلازمهم بقية الحياة. ولم ينتهِ العراق من فتنة القاعدة والزرقاوي، حتى ابتلي بفتنة «داعش»، بفضل وجود حاضنة شعبية مختطفة الوعي، في بعض المناطق، وبسبب وجود حكومةٍ مترددةٍ متهالكة، يتصارع أقطابها، شيعةً وسنةً وأكراداً، على حصص أكبر من الغنائم والامتيازات.

المحزن والمخزي في الموضوع العراقي، أننا ونحن أقرب الناس إليه، وقفنا نتفرج على المذابح اليومية التي يتعرّض لها العراقيون يوميّاً، فتزهق أرواح الأبرياء في التفجيرات التي تضرب الأسواق والمطاعم والمساجد والكنائس، وفق استراتيجية دموية تتلذّذ بسفك أكبر قدرٍ من الدماء والأشلاء. والأسوأ حين وقفنا لنغطّي فتنة «داعش» وجرائمها تحت تسمية ثورة «العشائر العربية». كان سقوطاً أخلاقياً كبيراً، أعقبته هذه الفوضى السياسية التي تعصف بأمن دول المنطقة، سواءً المجاورة أو البعيدة عن العراق.

في ليبيا اليوم، وفي سورية وتونس ومصر وسواها، يراد استنساخ التجربة العراقية، بعد أن تمدّدت التنظيمات الارهابية، ورحّلت مقاتليها إلى هناك، وحتى الآن لا ندري كيف تمت هذه العملية التي تجرب في الظلام، جواً أو براً أو بحراً، ومن هي الدول أو الأجهزة التي تسهل انتقال آلاف المقاتلين المسلحين، من بلدٍ إلى بلد، ومن قارة إلى قارة، دون أن تعترض سبيلهم الجيوش وقوى الأمن. والهدف تعميم تجارب الاحتراب الداخلي، الذي يحرق البلدان، ويسحق آمال الشعوب بحياة حرة كريمة، ويهدم الأوطان.

السقوط الأخلاقي الأكبر الذي وقعنا فيه، يوم رحنا نشمت بقتلى الآخرين، ونرقص على جراحهم، ونتلذّذ بعذاباتهم، ونسينا ما يربطنا بهم من روابط الدم والوطن، واللغة والدين... والإنسانية. لقد تحوّلنا في دواخلنا إلى وحوشٍ ضوارٍ عوارٍ، في لحظة سقوط حضاري، لا تسترنا فيها أوراق توت.


صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/03/16

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد