آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. عبد الحي زلوم
عن الكاتب :
مستشار بارز لشؤون البترول منذ أكثر من 45 سنة. أنهى دراسته الجامعية الاولى والعليا في الهندسة والادارة من جامعات تكساس، لويزيانا، كاليفورنيا، و هارفرد في الولايات المتحدة بعد انهاء دراسته الثانوية في القدس. عمل في الولايات المتحدة واوروبا. كما ساهم في الاعمال التأسيسية للعديد من شركات البترول الوطنية العربية في الخليج والعراق وافريقيا،

هل هناك ترابط بين الصراع الصهيوأميركي ضد إيران اليوم وبين مشروع تصفية القضية الفلسطينية؟

 

 د. عبد الحي زلوم

كان القرن العشرون قرناً ثورياً زادت فيه سرعة ووتيرة كل شيء، فبعد الحصان والقطار والسيارة جاءت الطائرة المروحية ثم النفاثة والصاروخ ووصل الإنسان إلى القمر وانتقل العالم من العصر الصناعي إلى عصر المعلومات وركيزته الحاسوب ومعه (الذكاء الاصطناعي) الذي غير كل شيء فأصبحنا في عالم افتراضي وصار هذا العالم الافتراضي هو عالمنا الحقيقي اليوم. كان هناك أيضاً ثورة الاتصالات في العالم الافتراضي. أصبح بالإمكان أن يكون مكتب الإنسان في جيبه في هاتفه . وأصبح بإمكان دولة بحجم حارة أن تصبح إمبراطورية افتراضية. نشأ الاقتصاد المالي الامتصاصي الافتراضي فبدأ وول ستريت بإصدار الأدوات المالية بدل الحكومات مثل junk bonds والتي سببت في الانهيار الاقتصادي في ثمانينات القرن الماضي . ثم أصدروا أدوات المشتقات (derivatives ) والتي سببت في انهيار النظام الأمريكي والعالمي المالي سنة 2008 . أصدرت بنوك وول ستريت من هذه الأدوات الفاسدة ما يساوي حوالي 600 تريليون (اكرر تريليون دولار ) أي 50 مرة أكثر من حجم الاقتصاد الأمريكي الكلي (GNP) لسنة 2008 أو أكثر من 12 ضعف الاقتصاد العالمي الكلي لتلك السنة دون حسيب أو رقيب. حلت الولايات المتحدة تلك الأزمة بطباعة الدولارات وبدون أي تغطية ما زاد من مديونيتها إلى أرقام غير مسبوقة. كادت هذه الأزمة الإطاحة بالنظام الرأسمالي برمته وأصاب الخلل العولمة واقتصادها . لم تتعافى الولايات المتحدة من أثار تلك الأزمة وقد تنفجر مرة أخرى وستكون هي القاضية . وهي اليوم تماماً كما كان الاتحاد السوفياتي قبل انهياره بالرغم من ترسانته النووية وآلته العسكرية.

ولعل ذلك لن يكون بعيداً.
***
صادف بداية هذه التغييرات الثورية في العلوم والتكنولوجيا بداية تفتيت الوطن العربي وخلق دولهِ ودويلاته التي تُشكِّل النظام الرسمي العربي اليوم و الذي كان وما زال نظاما وظائفيا لخدمة أهداف من صنعوه لا لمصلحة الشعوب، مما جعل التناقض بين الشعوب والأنظمة تناقضًا أزليًا ما دام الوصف الوظيفي نفسه باقياً . جرت عدة محاولاتٍ لتغيير الدور الوظيفي للدول في مصر أيام عبد الناصر وفي العراق أيام صدام حسين وقد قام كلاهما بإنجازات كبيرة إلا أن القوى المضادة ، إضافة إلى أخطائهم الناتجة عن شمولية الحكم ،ساعدت القوى المضادة بإسقاط الكثير من تلك الانجازات .

***

إمبراطوريات العصور القديمة كانت تعيش مئات السنين ،وبعد تسارع التغيير في القرن العشرين انهارت إمبراطورية الاتحاد السوفياتي خلال 70 سنة . بعد ذلك الانهيار أعلنت الولايات المتحدة أنها أصبحت الإمبراطورية الوحيدة في العالم حتـى نهاية التاريخ، بل ولن تسمح ببروز أي قوة منافسة لها أبدا. كافة الدلائل تشير إلى أن أحاديتها قد أصبحت من الماضي وان عمر إمبراطوريتها ستُعَمر اقل مما عمر الاتحاد السوفييتي.
***
كانت خطط الصهيوأمريكيون المحافظون الجدد في إدارة جورج دبليو بوش صريحة في اشهار أحاديتهم علـى العالم وأنهم سيطهروه من الأشرار. والأشرار هم من عصوا لهم أمرا , فصنفوا سوريا والعراق وإيران وكوريا كمحور الشر وقالوا صراحة أننا سنغير هذه الأنظمة بالتوافق مع الأمم المتحدة إن أمكن أو بدونها إذا ارتئينا ذلك كما كان الحال في غزو العراق أو الحروب عن طريق الوكلاء كما في سوريا أو كما يُراد تحقيقه اليوم مع إيران.
***
بينما كان علماء الغرب يخترعون الحواسيب التي أنتجت ثورة المعلومات و الذكاء الاصطناعي ما أوصلهم إلى الفضاء والقمر، كان (علماء) النظام الرسمي الذي أنشأه الاستعمار منشغلين في إصدار الفتاوى لتجهيل شعوب البلدان العربية الوليدة ، وبالتعاون مع ( العملاء) المحليين تم منهجة طمس حضارة الأمة التي أخرجتها من الجهالة وطمس هويتها الرئيسية واستبدالهما بهويات فرعية طائفية واثنية وعرقية لتثبيت الفرقة والحدود التي رسمها الاستعمار لتحقيق مصالحه بعيداً عن مصالح الأمة. كما كانت تلك التقسيمات بعيدةً عن أي أسس تاريخية أو جغرافيةً أو جيوسياسية بل كانت في غالبها أسس جيولوجية لامتصاص ثروات تلك البلدان.

 لمدة مئة سنة عمل تآلف علماءُ السلاطين و عملاء الاستعمار المحليين لنصل إلى مرحلة الانحطاط و السقوط العربي الراهن .

 كما أن ثورة المعلومات قد أنتجت في الغرب ذكاءً فوق ذكاء بما اسموه بالذكاء الاصطناعي فإن طاقة ثورة المعلومات التي سُمح لطبقة العملاء والعلماء باستخدامها أضافت إلى تلك الشعوب والدول غباءً فوق غباء. واسمحوا لي أن اُدخل إلى قاموس لغتنا مصطلح (الغباء الاصطناعي) فشعوبنا ذكية بطبيعتها.

أول استخدام لي للكمبيوتر كان جهاز IBM وذلك حينما كنت مديراً للعمليات في إحدى شركات النفط بالخليج سنة 1970 وكان أول ما شرحه فريق IBM معادلة )ادخل للكمبيوتر معلومات زبالة تعطيك أجوبة زبالة (Garbage in Garbage out ). والنتيجة أن تم تحويل مصادرنا الطبيعية كالنفط وكذلك مواردنا البشرية من نعمة إلى نقمة وأصبحنا نخرب بيوتنا وأوطاننا بأيدينا وبترودولاراتنا .


وجد الصهيوأمريكيون أن فرصتهم لتحقيق أهدافهم هي الآن الآن وليس غداً فجاؤوا لمشاريع تصفية القضية الفلسطينية والمقاومة مرة واحدة. لكن حالة السقوط العربي الحالي لن تدوم .
***
في عصر المعلومات والتكنولوجيا والعولمة تبين للولايات المتحدة أن لغرور القوة حدود, ففشلت في أكثر ما ذهبت إليه من حروب ومشاريع هيمنة.

كان من نتيجة برامج العولمة الاقتصادية انتقال الصناعة إلى الدول ذات العمالة الرخيصة وذات الأسواق النامية مما أثر سلباً على طبقات واسعة من الأمريكيين. كذلك استثمر شارع المال وول ستريت وشركاته خارج الولايات المتحدة وأهمل الاستثمار في البنية التحتية داخل الولايات المتحدة لان عائد الاستثمار في الخارج فاق عائده في الداخل . ثار المهمشون ضد العولمة وضد وول ستريت وأنشأوا حركة الاحتجاج )احتلوا وول ستريت) . أظهرت العولمة أن فوائدها تم تجييرها بالكامل لفئة الواحد بالمئة من أصحاب رؤس الأموال الأمريكيين وهم في الغالبية من الصهاينة الذين يسيطرون على الدولة العميقة وهي السلطة الدائمة التي تأتي بالإدارات الأميركية وتمول وتسوق وتنفذ برامجها بواسطتهم.

كانت حملة أوباما الانتخابية تحت عنوان كلمة واحدة (التغيير) لكن كانت فترته هي فترة إخماد الحرائق داخل الولايات المتحدة وخارجها . في انتخابات سنة 2016 جاء رجل يعمل في العقارات وكازينوهات القمار وتحالف مع الدولة العميقة الدائمة الصهيونية في الولايات المتحدة وتم جمع تألف من غلاة الصهاينة وغلاة العنصريين وغلاة الإسلامفوبيين وكان مايسترو الاوركسترا لهذا التحالف بنيامين نتنياهو .بعد ثمان سنوات عجاف بين نتنياهو و أوباما وجد الصهاينة الأمريكيون أن الفرصة الآن لتحقيق كافة أهداف الكيان المحتل هي اليوم، وتم إنشاء الإدارة من العنصريين الكاذبين كجون بولتون والعنصريين أمثال الأهوج الصهيوني المسيحي مايك بمبيو ، وأوصلوا الأزمة مع إيران إلى ما هي عليه اليوم . وليس من قبيل الصدفة أن خطوات تصفية القضية الفلسطينية مثل رفع الدعم عن الانروا وإغلاق مكتب السلطة الفلسطينية في واشنطن وتقليص المساعدات لها وإعطاء القدس وكأنها عقار من عقارات ترامب وكوشنر الى نتنياهو بل ومخالفة قرارات الأمم المتحدة بعدم جواز ضم الأراضي نتيجة الاحتلال والقوة العسكرية وذلك بضم الجولان لسيادة الكيان المحتل . والآن بدأ الإفصاح ومحاولة تنفيذ المراحل الأخيرة من صفقة التصفية هذه .

الهدف في كل ما يحدث اليوم مترابط ويمكن تلخيصه بعبارة واحدة: المطلوب هو رأس المقاومة تحت هذا المسمى أو ذاك!
***
بينا أعلاه أن الولايات المتحدة منقسمة على نفسها بالداخل بين مؤيد للعولمة ومعارض لها وأنها لم تتخلص من أزمتها الاقتصادية سنة 2008 لأنها لم تكن أزمة عابرة وإنما كانت أزمة نظام بأكمله. فهي اليوم تتخبط بتناقض نفسها ولم يبقى بلدٌ يسلمُ من أذاها الاقتصادي ليس فقط إيران بل قبلها روسيا والصين بل وحتى دول الاتحاد الأوروبي التي تضررت شركاته نتيجة فرض الرسوم على بضائعها والتي حُرمت من المشاركة في أعمال الاستثمار في الكثير من البلدان بما فيهم إيران. إذن يمكن أن نقول أن وضع الولايات المتحدة هي كالثور المذبوح وهي تتخبط في سياسات متناقضة يكفيها ضعفاً أن يقودها رجلٌ كترامب والذي يقوده كوشنر والذي يقوده نتنياهو . إذن هذا الوضع لن يدوم .
***
البيت الأبيض يعلن من سيشارك في البحرين والمطلوب تحضير دفاتر شيكات دول النفط لتمويل صفقة لم يتم الإعلان عن تفاصيلها بعد!هل هناك احتقار أكثر من هذا لحلفائها!

عندما أعلنت الولايات المتحدة قبل أن تعلن 3 دول عربية بمشاركتها في ورشة البحرين حاول احد دبلوماسي تلك الدول أن يبرر الحرج بقوله أن دولته لم تتخذ قراراً بالمشاركة بعد وأنها ستعلن قرارها بعد استكمال جدوى الحضور أو عدمه.

دعنا من هذا يا هذا! أخبرنا كيف تستطيع أن تُقيّم مشروعاً إذا تم فرض جزء كبير منه كأمر واقع ويتم إخفاء القسم السياسي الأهم من المشروع وإبقاءه سرياً إلى ما بعد ورشة البحرين ؟ لكن الجواب جاء من تل أبيب حيثُ جاء في تحقيق صحفي في القناة 12 الإسرائيلية نقلاً عن المصادر واسعة الاطلاع في تل أبيب، “أنّ إقناع الدول العربيّة بالمُشاركة في ورشة البحرين جاء بعد ضغوطاتٍ شديدةٍ و”تهديداتٍ” مُكثّفةٍ من قبل الإدارة الأمريكيّة على حُكّام هذه الدول، حيثُ أوضحوا لهم في جلساتٍ مُغلقةٍ بأنّ عدم مُشاركتهم في الورشة المذكورة ستُكلّفهم ثمنًا غاليًا من الناحية الاقتصاديّة، مُشدّدّةً على أنّ الأمريكيين قالوا لهم بصريح العبارة إنّه في إدارة الرئيس الحاليّ، دونالد ترامب، هناك أثمانًا اقتصاديّة وسياسيّة سيُجبَرون على دفعها في حال رفضهم الطلب الأمريكيّ بالمُشاركة في منتدى البحرين”. يبدو أن رسالة التهديد هذه حملها جاريد كوشنر في زيارته الأخيرة لتلك الدول هذا الشهر ! أليس الأسلوب هذا هو أسلوب عصابات المافيا بالتمام والكمال؟

الخلاصة

ـ الخلل الرئيسي في حساب الصفقات أنها تقوم على حسابات مادية فقط ولا تستطيع أن تُقيّم العوامل اللامادية كالمشاعر الدينية والقومية والوطنية.

ـ من المعلوم في علوم الكيمياء أنه في حالة اندماج عنصرين ينتج عن مثل هذا الاندماج طاقة تختلف بين مادة وأخرى.

ـ الأمر نفسه يحدث حتى في عالم المال والأعمال . تبين أن الاندماج بين شركتين متكاملتين يكون ناتج الاندماج أكبر من مجموع ناتج الشركتين كل على حده. هذه الطاقة الفائضة تسمى الطاقة الاصطناعية.
 (Synthetic energy واختصارا synergy).

ـ لم يستطع الذكاء الاصطناعي وحواسيبه قياس الطاقة الهائلة الناتجة عن اندماج العوامل المادية مع العوامل اللامادية الدينية والقومية والوطنية. وفي عالم السياسة فإن اندماج عناصر المقاومة العقائدية كما في لبنان وغزة بل وإيران والقوة الناتجة عن الاندماج هي أفضل مثال على ذلك.
ـ ذلك فشلت أعتى قوة في التاريخ أي الولايات المتحدة أمام أكثر قوة بدائية في التاريخ الحديث في أفغانستان لمدة 18 سنه. وفشلت في العراق وسوريا ولم تستطع أن تحقق أهدافها المرسومة.
ـ بل فشلت اكبر قوه عسكرية في الشرق الأوسط ومدعومة من أعتى قوة في التاريخ بل هزمت أمام فئة قليلة مؤمنة في لبنان، بل وفشلت أمام فئة قليلة مؤمنة محاصرة من العدو وذوي القربى في غزة.

ـ وستفشل صفقة القرن ولكن ثواني التاريخ هي سنيين وعقود.

والعاقبة للمقاومين . وسيرى المتآمرون أي منقلب سينقلبون.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/06/19

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد