آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
روزانا رمّال
عن الكاتب :
صحافية لبنانية

في عيد الجيش مجاملات لا تقدّم ولا تؤخر...

 

روزانا رمّال 
يبدأ صباح عيد الجيش اللبناني في كل سنة من أول آب بسيل من التهاني والتبريكات للشعب اللبناني والمؤسسة العسكرية يفتتحها أركان الدولة بالرئاسات الثلاث ونواب الأمة الحاليون والسابقون ووزراؤها وكبار شخصيات الدولة ورموزها المرموقة والتي تعطي لهذه المؤسسة العسكرية طابعاً «وحدوياً» جامعاً كآخر ملاذ للمؤمنين بالتعايش في هذا الوطن، فتتجاهل أغلب القوى المهنئة واقع المؤسسة ودورها الحذر محلياً في منطقة تعيش أكثر لحظاتها دقة ما يجعل الجيش اللبناني عرضة لكافة أنواع المخاطر وهو الذي لا يسلم عند كل مناسبة من الإرهاب وذيوله إضافة الى تحديات داخلية «مكلفة» على مدار السنة.

ليس طبيعياً مرور عيد الجيش اللبناني وحصره بالشكليات بدون الأخذ بعين الاعتبار ضرورة القيام بجردة حساب ووضع خطة استراتيجية «أمنية سياسية» موسّعة لا تقلّ أهمية عن الموازنة التي أخذت على عاتقها هي الأخرى الغوص في مستحقات هذه المؤسسة وهمومها وشجونها وغيرها من المؤسسات الأمنية الأخرى بين اقتراحات تخفيف التطوع الى تخفيض الترقيات وغيرها مما أخذ ما يكفي من التجاذبات.

واقع الجيش اللبناني ليس «وردياً» ولا يشبه هذه الخطابات التي تحمل الكثير من المجاملات المرفوعة لدرجة الفولكلور الوطني. السؤال الاساسي الذي يطرح على مدى عقود: ماذا حققت المؤسسة من تطور عسكري على مدار عمر الصراع العربي الإسرائيلي لجهة استقدام سلاح قادر على تحقيق حد أدنى من الدفاع عن سلامة الاراضي اللبنانية؟

هذا الجيش الباسل المدرّب والذي يحمل عقيدة وطنية لا تمسها شائبة لا يمتلك حداً أدنى مما يجعله صامدا بوجه اي تحدٍّ إسرائيلي، لا بل هو أكثر من يقدم في كل حرب كانت تشنها «إسرائيل» أكان لجهة النقاط العسكرية او استهداف مراكزه وعناصره.. الجيش اللبناني لم يسلم من عمليات اغتيال لكبار ضباطه من بينهم الشهيد فرانسوا الحاج واليد الإسرائيلية العابثة لا تغيب عن هذه الوقائع كلها..

حتى اللحظة يعتمد الجيش اللبناني اعتماداً كبيراً على المساعدات الأميركية الضرورية ويعتمد أيضاً على الاستفادة مما توفره واشنطن من دورات تدريبية عالية الجودة، لكن هذا كله لا يجعله جيشاً بسلاح كاسر للتوازن ولا يجعل منه جيشاً قادراً على أن يفرض معادلته في الداخل أي سحب ذريعة وجود قوى مقاتلة مسلحة غيره على الأراضي اللبنانية من بينها المقاومة منذ نشوئها وصولاً لحزب الله.

صحيح أن التعاون بينهما موجود ومثمر، وصحيح ان أحداً لا يختلف على منطق المقاومة حتى من أشد خصومها في حالة الاعتداء الاسرائيلي على الارض اللبنانية الا ان هذا لا يعني ان اللبناني لا يطمح يوماً ليرى جيشه جيشاً قوياً نافذاً و»وحيداً» يبسط سلطته على كامل الأراضي اللبنانية. وهذا ما يضع اسئلة كثيرة حول تحالفات الدولة بشكل عام وسياساتها الخارجية بشكل خاص.

صلب الموضوع يتجسد باستراتيجية البلدان وتحالفاتها العسكرية والأساسي عند الجيش اللبناني هو الحفاظ على علاقة جيدة مع الولايات المتحدة الأميركية التي تتفرد بصورة تتطغى على المؤسسة كداعم «مجاني» أول. بالتأكيد ليست واشنطن وحدها ففرنسا وغيرها دأبت على ذلك، لكن القاسم الذي يجمع أكثر الدول التي تمدّ يد العون الى الجيش هي ميلها للسياسات الغربية حتى أن العروض والهبات او حتى الاقتراحات الخليجية والعربية «المقبولة» من الحكومة، فيما لو أتت، فهي تصبّ بالاصطفاف السياسي نفسه. الأمر الذي يعيد كل شيْ الى خانة السياسة والحكومة ومصالحها ويحرم الجيش أي نوع من أنواع المساعدات التي يجب ان لا تكون مشروطة.

بعيداً عن إيران التي تشكل إحراجاً واضحاً للحكومة والتي عرضت سلاحاً مجانياً على الجيش اللبناني. وهذا الإحراج مفهوم بطبيعة الحال. فإن السؤال الأساسي يتوجّه نحو إمكانية توفير أرضية سياسية معينة وتوفير أموال ليتسلح الجيش اللبناني من روسيا او من غيرها من البلدان التي لا تمانع ربما بتسليمه سلاحاً كاسراً للتوازن لم تتقدّم واشنطن حتى اللحظة بعرضه عليه والسبب الأساسي بديهي وهو منعاً لأي استفزاز لـ»الحليف» الاساسي لها في تل ابيب.

وعلى هذا الأساس ومنعاً لأي صبغة او اصطفاف في هذه المؤسسة من الأجدى أن تسلك الحكومة اللبنانية خطوات نحو تعزيز قدرات الجيش أياً كانت «الجهات المانحة» بدل حصرها بجهة واحدة، فيما يشبه شروطاً موضوعة سلفاً على لبنان وإلا فلتخفت الأصوات المطالبة بسحب سلاح حزب الله حتى إشعار آخر، لأنه وبهذه السياسات العاجزة عن تأمين سلاح فاعل ومتطور للجيش اللبناني من المستحيل التوصل الى صيغة تفرض الجيش كمعادلة مسلحة «وحيدة» في البلاد. فمرجوع كل شيء يبقى رهن «القرار السياسي» الذي لم يفتح الفرص بعد أمام الجيش اللبناني بأي صيغة تطوير.

على أبواب صفقة القرن مهمة الجيش أدق محلياً.

فعند كل مشكلة او استحقاق لا يزال هو المستهدف وفي كل لحظة اشتباك سياسي عبثي تنزل القوى المسلحة بالجيش الى الشارع، بدلاً من ـن تكون مهماته محصورة عند الحدود والمعابر غير الشرعية وعند اي اعتداء اسرائيلي سافر على لبنان.. عند كل اشتباك أيضاً بين الفلسطينيين وعند أي تطور في المخيمات وخارجها الامر نفسه… وعند أي احتفال او عيد او حدث وطني يتمركز الجيش في مقدّمة القوى الأمنية المتأهبة.. كل هذا يرهق كاهله ويشتت توزيع منافذ القوة لديه بدل حصرها.

أغلب الذين باركوا للجيش في عيده هم أنفسهم من يحاصرون إمكانية تقدمه. وهو الذي قدم أعظم بطولات وسطر أجملها في معاركه ضد الارهاب في السنوات الماضية. فليفسح أهل السياسة للجيش طريقاً للتطور بدل إشغاله بمشاكل واشتباكات سياسية و»عاماتية» لا طائل منها. فهذا ليس دور الجيش..

بدل المجاملات والخطابات فلترفع السياسة «ثقلها» عن هذه المؤسسة فحسب… هذا فقط ما يحتاجه الجيش في عيده!

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2019/08/02

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد