آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
ساعود جمال ساعود
عن الكاتب :
كاتب

ماذا جنت المخابرات الأميركية من اغتيال قاسم سليماني؟


ساعود جمال ساعود
تمتّع سليماني بمؤهّلاتٍ قيادية استثنائية، قلّ ونَذر أن تتواجد في شخصٍ آخر، من حيث الذكاء العالي والخبرة وبُعد النظر، علاوة على نشاطاته التي شكَّلت مصدر رُعب عند أعداء محور المقاومة.
إنّ سؤالاً كهذا، يستهدف الوقوف على المكاسب التي حقّقتها المخابرات الأميركية من عملية اغتيال قائد "قوة القدس" الفريق قاسم سليماني؛ الذي اعتبره الأميركيون تهديداً مباشراً لمصالحهم وحلفائهم في منطقة الشرق الأوسط بما كان يمتلكه من مؤهّلاتٍ شخصية قيادية استثنائية، قلّ ونَذر أن تتواجد في شخصٍ آخر، من حيث التمتّع بالذكاء العالي والخبرة وبُعد النظر، علاوة على نشاطاته التي شكَّلت مصدر رُعب عند أعداء محور المقاومة، وقيمته في النفوس لدى التابعين والمُخالطين له، ورتبته العسكرية الخطيرة التي أهَّلته لمستوى الجلوس مع رؤساء دول على طاولة واحدة، ومكانته لدى القادة الكبار الإيرانيين.
فقد كان مديراً ناجحاً للأزمات، ومُخطّطاً عسكرياً بارِعاً، وخبيراً بالعمل الاستخباراتي، ويعرف من أين تؤكَل الكتف، مُتعمِّقاً بالتخطيط الاستراتيجي، والكمائن الاستراتيجية في الأزمات السياسية، ومديراً مُتقناً للمُناورات والحروب النفسية ضد أعداء محور المقاومة لا سيما العدو الإسرائيلي والأميركي وأدواتهما، وتواجده في كل مكان وزمان اقتضى وجوده، لذا كان الفريق قاسم سليماني رحمه الله مصدر رُعب حقيقي لأعداء دول محور المقاومة.
ومن هنا نشأ التفكير بإزالة هذا التهديد عند المخابرات الأميركية والإسرائيلية القابِعة في الظلّ لا لشيء إلا لخوفهم منه ومن القوة التي كان يقودها، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل زال الخطر عن مصالح بني صهيون وحلفائهم باغتيالهم للقائد سليماني؟ وجوابي لا لم ولن يزول، وذلك للأسباب الآتية الذكِر:
أولاً: إنّ الروح الثورية مُتأصّلة في اللاشعور الجَمْعي للشعب الإيراني، وهذا بمثابة ظاهِرة وليست حالة فردية، فعلى سبيل المحاكمة المنطقية، هل سليماني إلا نسخة عن الإمام الخُميني أو نسخة عن مرتضى مطهري أو نسخة عن الثائِر محمّد مصدّق أو.. أو إلخ.
ثانياً: إنّ المرتكز الإيديولوجي يتميَّز بالثبات والرسوخ، فهو ماثلٌ في طبيعة النظام السياسي الإيراني مُتمثّلاً برؤية الإمام الخُميني ومُنظّري الثورة الإسلامية له، وماثلٌ في تركيبة مؤسَّسات الدولة الإيرانية، ولا حاجة للأمثلة وللتدليل، وماثلٌ في العقلية الإيرانية؛ الأمر الذي تجلَّى بالشخصيات الحاكِمة وتلك التي تُدير مؤسَّسات الدولة الإيرانية.
ثالثاً: الشخصيات الموثوقة صاحبة الولاء المَحْض لمشروع الثورة الإسلامية ولولاية الفقيه، وهم أغلبهم نُسَخ عن قاسم سليماني ومثله.
رابعاً: مبادئ الثورة ثابتة لا تتغيَّر، منها دعم المُستضعَفين حتى خارج نِطاق الحدود الإيرانية، إنّ هذا مشروع مُضمَّن دستورياً لا يظهر بظهور شخص ما ولا يختفي باختفائه، بل إنّه نهجٌ مستمر.
خامساً: إنّ مؤسَّسة الحرس الثوري الإيراني مليئة بالشخصيات الثورية والعسكرية القوية والمُحنَّكة، فمنهم مثلاً أحمد وحيدي القائد السابق لفيلق القدس الذي اشتهر بالحِنكة والمهارات القيادية أيضاً.
سادساً: إنّ القضية الفلسطينية التي أنشئت لأجلها "قوة القدس" ذات أهمية محورية في السياسية الإيرانية من الأدبيات والنظرية إلى المُمارسات العملية، لذا إنّ هذه القوة مستمرٌة في وجودها ونشاطها، وتحظى بالدعم اللازم.
سابعاً: إنّ السياسة العامة لإيران داخلاً وخارجاً ترتسم من قِبَل المُرشد الأعلى يعاونه مجمع تشخيص مصلحة النظام، وهذا نصّ دستوري أي لا يُقرِّرها شخص بعينه مهما كان قوياً وذكياً كالجنرال سليماني مثلاً.
ثامناً: إنّ المسائل الهامّة والسرّية المُعقَّدة في نطاق المسائل الخارجية يُعالجها مجلس الأمن القومي الإيراني، وهذا المجلس مُختصّ ويتابع المسائل الدقيقة والهامّة كالملف النووي، لذلك إن الخطط تولَد من هنا جمعاً، وبالنسبة إلى التنفيذ، فإنّ فَقْدَ مُنفِّذ، سيتواجد الكثير من المُنفِّذين بدلاً منه.
تاسعاً: استهدفت المخابرات الأميركية شخصية عسكرية محورية، ولكنها لا تستطيع إلغاء النهج الثوري لإيران، ولا الإيديولوجيا الخُمينية، ولن تلغي الخطط الكفيلة بحماية الأمن القومي في وسط توتّرات مع الأميركي في منطقةٍ ساخٍنة، وجميع الاحتمالات السيّئة، ومفتوحة عند الطرف الإيراني.
عاشراً: إن محور المقاومة ودوله بدءاً من إيران إلى سوريا إلى العراق إلى لبنان ممثّلاً بحزب الله يقوم على: (إيديولوجيا- وفكر وروح ثورية- مشروع وأدوات مُتعدِّدة- أماكن وأزمنة مُتعدِّدة)، لذا إنّ استشهاد سليماني لن يُلغي مقاومة دول محور المقاومة، ولا ننسى أنّ "إسرائيل" مرعوبة من حزب الله الذي سبق أن خسر قائداً محورياً ألا وهو عماد مغنية، فظهرت بدلاً منه آلاف مؤلّفة.

إذاً بعد هذه النُقاط العشر يمكننا الاستنتاج بأنّ الاغتيال الأميركي للجنرال قاسم سليماني قد أثّر على المعنويات فقط، أما العزيمة والإيديولوجية الثورية الإيرانية ومُقارَعة الأميركي والإسرائيلي وحلفائهم في منطقة الشرق الأوسط، فإنّها مستمرّة وبوتيرةٍ أشد، وبنهجٍ ثابت.


لصالح موقع الميادين نت

أضيف بتاريخ :2020/01/10