آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الله راقدي
عن الكاتب :
أستاذ العلاقات الدولية جامعة الجزائر

قراءة في خارطة انتشار كورونا.. قطب مخفيّة

 

عبد الله راقدي

يمكن تصنيف النقاشات المتعلقة بأسباب انتشار الوباء ضمن اتجاهين رئيسيين؛ الاتجاه الأول هو التقارير الغربية أو الموالية لها، والتي ترى في الحيوانات مصدراً للفيروس. أما الاتجاه الثاني، فيمثله من يرى أن ما يجري هو مظهر من مظاهر الحروب البيولوجية.

  الصين استغلَّت هذا الغياب، فقدمت مساعدات للحكومة الإيطالية، من خبراء ومعدات طبيّة وأدوية 
أثارت الطريقة الفعالة التي أدارت بها الصين وباء فيروس كورونا Coronavirus (couvid-19)، الذي امتدّت تأثيراته إلى الكثير من بلدان العالم، وعبرها إلى معظم القطاعات الحيوية الحياتية، الكثير من النقاش والجدل حول توقيت ظهوره، والمناطق التي استهدفها، وتداعيات ذلك على بنية وأطراف النظام الدولي الذي يجري التأسيس له. 
وفي هذا السّياق، سأحاول الإجابة على أسئلة من قبيل: كيف تعاملت الصين مع وباء فيروس كورونا؟ ولماذا استهدف دولاً معينة بدرجة أكبر وأكثر خطورة، على غرار إيطاليا وإيران؟ وهل سيساهم نجاح النظام الصيني بمحاصرة الوباء (فضلاً عن النجاح الاقتصادي) في توسيع دائرة الشعوب والبلدان المهتمة بتبنّي نموذجه في الحكم؟ وهل يعزّز ذلك مكانة الصين في نظام عالمي يُراد له أن يكون متعدّد الأقطاب؟ وهل يمكن القول إن الانتشار الواسع للوباء في ظلّ عجز الدول منفردة عن مواجهته، سيدعم مواقف أنصار العولمة على حساب خصومها، على غرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب؟ 
هذه الأسئلة سيحاول المقال الإجابة عليها، لكن قبل ذلك دعونا نقرأ خارطة انتشاره والدول المستهدفة بشكل أكبر. 
عموماً، يمكن تصنيف النقاشات المتعلقة بأسباب انتشار الوباء ضمن اتجاهين رئيسيين؛ الاتجاه الأول هو التقارير الغربية أو الموالية لها، والتي ترى في الحيوانات مصدراً للفيروس. أما الاتجاه الثاني، فيمثله من يرى أن ما يجري هو مظهر من مظاهر الحروب البيولوجية، وبالتالي فإن الفيروس لا يعدو كونه منتجاً في مختبرات غربية، كما يذهب إلى ذلك الخبير العسكري إيغور نيكولين، العضو السابق في لجنة الأمم المتحدة للأسلحة البيولوجية، وليجان زاهو ، نائب رئيس إدارة المعلومات في وزارة الخارجية الصينية، الذي لفت في تغريدة له إلى احتمال أن يكون الجيش الأميركي جاء بفيروس كورونا الجديد "كوفيد-19" إلى منطقة ووهان في الصين.  
إضافةً إلى هذا الجدل، ثمة سؤال آخر يجدر طرحه: لماذا استهدف الفيروس بهذه الحدة كلاً من الصين وإيران وإيطاليا؟
رعب وباء كورونا ظهر في مدينة ووهان الصينيّة – تمتلك الصين ثاني اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة الأميركية بـ13 تريليوناً – وهي مركز الصين الصناعي والتجاري، ومنفذها الرئيسي في التجارة الدولية. وبعد توقف الأنشطة الاقتصادية، امتد تأثير أزمة كورونا إلى الاقتصادات الكبرى والأسواق المالية العالمية.
بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية، فقد تضرر الكثير من شركاتها العاملة في الصين (أكثر من 200 شركة كبرى، من مثل Amazone Apple وsony). ولإنتاج شركتي apple وBowing في الصين تأثير قوي في الاقتصاد الأميركي.
يشير الخبير طلال أبو غزالة إلى حصول أزمة ندرة في سوق الهواتف النقالة والحواسيب، لافتاً إلى أن كل الشركات ستكون خاسرة، وستحصل أزمة في سوق المال. ولأول مرة منذ أزمة العام 2008، أعلنت البورصة في 28 شباط/فبراير انهياراً في قيمة الأسهم الأميركية إلى أدنى مستوى لها .
أما في إيران، فيبدو أن انتشار الفيروس أُريد له أن يضاعف حجم متاعب النظام الإيراني، الذي ظل يواجه طيلة أربعين عاماً (منذ قيام نظام الجمهورية الإسلامية في العام 1979) حصاراً أميركياً، وازدادت حدته مع إدارة الرئيس دونالد ترامب، بمعنى توسيع دائرة الناقمين على أداء النظام، في انتظار أن تسهم هذه الأزمة (كما يرغب خصومها) إما في تغيير سلوك النظام بما يتوافق مع الرؤية الأميركية، وإما تغييره جذرياً.
وفي ما يتعلّق بمتاعب الحكومة الإيطالية اليمينية التوجّه، القومية النزعة، المناهضة لتطلّعات المناصرين لاتحاد أوروبي موحّد وموسّع وقوي، والتي تواجه الوباء منفردة، من دون دعم ومساعدة من مؤسسات الاتحاد الأوروبي، فأقدر أن مرد ذلك يعود إلى ترك الحكومة اليمينية تواجه مصيرها بنفسها إلى حين إدراكها مخاطر تبنّيها سياسات مناهضة للاتحاد.
 ويبدو أن الصين استغلَّت هذا الغياب، فقدمت مساعدات للحكومة الإيطالية، من خبراء ومعدات طبيّة وأدوية، لمساعدتها في مواجهة الأزمة، فضلاً عن الحكومة الإيرانية، فهل يساهم نجاح الصّين في مواجهة الوباء ومساعدتها إيران والحكومة الإيطالية في تأكيد دورها المحوري في النظام العالمي الذي يجري التأسيس له؟ هل شرعنت الصين عبر مكافحة وباء كورونا دورها العالمي؟

أخذت الحكومة الصينية على عاتقها منذ البداية حماية الأرواح ضمن أولى أولوياتها، وهو الأمر الذي ترجمته ببناء مستشفى يتّسع لـ2600 سرير في عشرة أيام، مجهّز بأحدث المعدات والوسائل الطبية، فضلاً عن الأطباء وطواقم التمريض، معتمدة في ذلك على نظامها السياسي والاجتماعي القائم على الهرمية والولاء والطاعة وهدوء الإنسان الصيني. وفي كل ذلك، كان الحزب الشيوعي المرجع الداخلي لإدارة الخلافات بين المواطنين، في ظل التعاون والتنسيق مع مختلف المؤسسات الأمنية .
 وفي السياق نفسه، ومن أجل احتواء الوباء في المناطق الّتي ظهر فها، عملت الصين على تقييد تنقّلات مواطنيها، من خلال منع حركة وسائل النقل (السّيارات والمطارات والموانئ)، وحجرهم في المدن لمدة أسبوعين .ولا شكَّ في أنَّ خصوصية الإنسان الصيني الهادئ المنضبط سهّلت أداء السلطات الصينية.
يبدو أنَّ نجاحها الباهر في إدارة رعب الوباء، رغم أنَّ الغرب يرفض الاعتراف لها بهذه الإنجازات، لم يمنع أن تظهر أصوات تعترف بهذا الإنجاز، على غرار ما كتبه آستن غلوسبي (Austan Goolsbee) في جريدة "نيورك تايمز" (new york times) بتاريخ 6 آذار/مارس 2020: "هناك عدّة عوامل ضد الولايات المتحدة، والحكومة الاستبدادية في الصين قادرة على عزل مدن كاملة أو فرض النظام على الناس خارج الشوارع على النحو الذي يصعب تخيّله في أميركا".
أيضاً ، كتب جافيار سي هيرننداز (Javier C. Hernández) في الجريدة نفسها، بتاريخ 28 شباط/فبراير 2020: "أشاد المؤثرون في شبكة الإنترنت باستخدام الصين للضوابط الاجتماعية، على غرار الماوية، لاحتواء الوباء والتحكّم به. إن الطريقة الصينية هي الطريقة الوحيدة التي أثبتت نجاحها".  
لا شكَّ في أن تجربة الصين الناجحة في محاربة الوباء، فضلاً عن المخاطر ذات الامتدادات العالمية التي يمكن أن تحدثها أيّ أزمة يتعرّض لها اقتصادها، ستمكّنها من فرض قواعد لعبة عالمية تكون فيها طرفاً رئيسياً. وأخلص:
- إلى أن وباء كورونا رفع أسهم أنصار العولمة، في ظلّ عجز الدول منفردة عن الحد من انتشاره والتحكّم به.
- منهج الصين في مواجهة الوباء أكد دورها المحوري في النظام العالمي القادم، إضافةً إلى أحقّية الشعوب والبلدان في أن تستلهم منها مبادئ الحكم والنظام.
- فضلاً عن أزمة الكساد التي سيقع فيها الاقتصاد العالمي (الأميركي أساساً)، سيكون الرئيس دونالد ترامب أكبر المتضررين من كورونا، على اعتبار أن ضمان عهد رئاسي ثانٍ مرهون بمدى نجاحه الاقتصادي.
- مواجهة الحكومة الإيطالية للوباء منفردة من دون دعم مؤسَّسات الاتحاد الأوروبي ومساعدتها، يبدو كأنه رسالة ضمنية من الاتحاد، مفادها أنَّ النزعة القومية لم تعد تنفع في عالم يواجه ظواهر عابرة للحدود.

لصالح موقع الميادين نت

أضيف بتاريخ :2020/03/26

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد