آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عرفات الرميمة
عن الكاتب :
كاتب وأكاديمي من اليمن

قصف العقول.. عن mbc وضرّاتها

 

عرفات الرميمة
ما تقوم به قناة mbc اليوم من بثّ مسلسلات التطبيع هو نوع من تنافس الضرائر كي تظهر أن السعودية أشّد ولاء وأكثر خدمة للكيان الغاصِب من قطر.

الإعلام سلاح ذو حدّين، وغالباً ما يُستخدَم لقصف العقول وتزييف الوعي والتلاعُب بالحقائق، وتلك هي المهمة التي أنشئت من أجلها وسائل الإعلام.

هناك مَن يرى أن دور الإعلام الرئيسي هو التلاعُب بالعقول، كما صرّح بذلك هربرت. أ. شيللر في كتابه الذي يحمل عنوان (المتلاعبون بالعقول) وهناك من يرى أن مهمة الإعلام هي قصف العقول أولاً وملئها بما يُريد مالكو وسائل الإعلام لتسهّل عليهم بعدها السيطرة على الشعوب كما قال فيليب تايلور في كتابه (قصف العقول).

لقد عملت وسائل الإعلام المختلفة ـ وأهمّها التلفزيون ـ على سَلْب إنسانية الإنسان، باعتباره ذاتاً مُفكّرة حرّة، من خلال استعدادها الدائم في كل الأوقات بالتفكيرـ بالأصالة عن مالكي تلك الوسائل ـ وبالنيابة عن الإنسان في مختلف الموضوعات التي تهمّه في جميع مجالات حياته المُعاشة.

وبحسب ما ذكره هربرت. أ. شيللر غدا كل "ما يشاهده الناس وما يقرأونه أو ما يستمعون إليه وما يرتدونه وما يأكلونه والأماكن التي يذهبون اليها وما يتصوّرون أنهم يفعلونه، كل ذلك أصبح وظائف يمارسها جهاز إعلامي يُقرّر الأذواق والقِيَم التي تتّفق مع معاييره الخاصة التي تفرضها وتعزّزها مُقتضيات السوق". 

إن وسائل الإعلام أصبحت هي الحاكِمة والمُسيطرة والموجِّهة لسلوك الإنسان المُعاصِر "وإذا كان من السهل حكم الشعب الجاهل فما أسهل ذلك عن طريق التلفزيون" كما صرّح بذلك الفيلسوف روجيه جارودي في كتابه (حفّارو القبور).

لقد أثبت علم النفس الاجتماعي أنه يمكن التأثير على الناس من خلال التكرار المُلحّ لإقناعهم بخُرافات لا علاقة لها بالواقع، وتنظر سيكولوجية وسائل الإعلام الجماهيرية إلى التلفزيون خصوصاً باعتباره وسيلة ـ ليس لإخضاع الجانب الواعِي في الإنسان فحسب ـ بل لإخضاع الجوانب الغريزية والعاطفية بحيث تخلق فيه الشعور بأن الآراء المفروضة عليه هي آراؤه الخاصة، وبمرور الوقت أصبح التلفزيون يشكّل تهديداً للحرية الإنسانية أكثر خطراً من التهديد الذي يشكّله البوليس والسجون ومعسكرات الاعتقال السياسي (انظر: علي عزت بيجوفتش.الإسلاميين الشرق والغرب. ص 108).

إن وسائل الإعلام المختلفة ـ خصوصاً التلفزيون ـ لا تعرض الحقائق كما هي في ذاتها وإنما تعرض ما يُراد له أن يكون حقيقة من وجهة نظر مُعدّ البرنامج ومُقدّمه ومالك القناة. لقد أصبحت الحقيقة سلعة تُباع وتُشترى ويتمّ تكييفها طبقاً للهدف المطلوب.

إن الخطر الذي تشكلّه الدراما التلفزيونية أنها تستخدم الصورة والمؤثرات البصرية لمُخاطبة العواطف والغرائز ـ والعقل اللاواعي لدى الإنسان ـ وليس العقل الواعي الذي يستطيع أن يُميّز بين الحقيقية والأيديولوجيا، وهذا هو مكمن الخطورة في ما تبثّه قنوات التطبيع الخليجي التي تدخل جميع البيوت وتخاطب جميع الشرائح الاجتماعية بمستوياتها الثقافية المختلفة بخطابِ ظاهره التسليّة وباطنه الاستلاب والتطبيع.

وموضوع التطبيع الاجتماعي من خلال الدراما ـ التي تولّت كِبرَه مجموعة mbc لتبثّ سموم التطبيع من خلال عسل الدراما الرمضانية ـ لم يبدأ مع "أمّ هارون" أو "مَخرج 7"، لكنه الحلقة الأخيرة في مسلسل التطبيع الخليجي والتي تتكشّف فيها جميع الحقائق.

لقد بدأ التطبيع الإعلامي في قناة الجزيرة القطرية عندما بدأت تستضيف مُحلّلين صهاينة في نشراتها وبرامجها الحوارية وتوّجت تطبيعها باستضافتها الرئيس الصهيوني شيمون بيريز في استديوهات القناة في الدوحة وأجلسته على نفس الكرسي الذي كان يجلس عليه الشيخ يوسف القرضاوي في برنامج الشريعة والحياة.

والجزيرة القطرية هي مَن روَّجت من خلال برامجها الحوارية المختلفة لمفاهيم زائِفة منها على سبيل المثال: إن العمالة للخارج هي رأي آخر يجب احترامه وخيانة الأوطان هي وجهة نظر تختلف باختلاف الزمان والمكان، واعتبرت التطبيع الثقافي مع العدو الصهيوني ـ من وجهة نظر مالكيها ـ اتجاهاً معاكساً ورأياً آخر يجب احترامه.

وما تقوم به قناة mbc اليوم من بثّ مسلسلات التطبيع هو نوع من تنافس الضرائر كي تظهر أن السعودية أشّد ولاء وأكثر خدمة للكيان الغاصِب من قطر، وهذا هو الدور الذي حاول ابن سلمان استلامه من قطر خصوصاً بعد فشل الأخيرة في الملف السوري.

ويمكن القول إن ما يُعرَض الآن من مسلسل التطبيع السعودي الصهيوني ما هو إلا الجزء الأخير في مسلسل ممتد منذ قيام الكيانين الوظيفيين على يد بريطانيا.

وتتكامل وسائل الإعلام السعودية في مسلسل التطبيع المجاني مع الكيان الغاصِب من خلال المقالات التي تنشرها الصحف والمواقع الإلكترونية السعودية، وعلى سبيل المثال لا الحصر  المقال الذي كتبته سهام القحطاني في صحيفة "الجزيرة" السعودية عن غولدا مائير ـ باعتبارها النموذج والقدوة لها ولأخواتها في غيّ التطبيع ـ ورصدت الكاتبة فصولاً من حياتها واعتبرتها شخصية مُكافِحة، وسلّط المقال، الضوء على جو من التعاطف مع مائير لافتاً إلى أن "الصهيونية جعلت منها أشهر امرأة يهودية في تاريخ (إسرائيل) الحديث، فتفّوقت قوّتها وتأثيرها على أجمل جميلات العالم" حسب وصف المقال. وقد تغافلت الكاتبة المُطبّعة عن الجرائم المختلفة التي ارتكبتها مائير ليس أقلّها إحراق المسجد الأقصى الشريف الذي تم في عهد رئاستها لحكومة الكيان الغاصِب.

لقد أراد محمّد بن سلمان أن يهرب من أزماته الداخلية وهزيمته المدوّية في اليمن فاختار "أمّ هارون" لتدلّه على "مَخرج 7".. لكن أمر هروبه ستكشفه "أمّ عطا" وسيقبض عليه حتماً "حارس القدس" مُتلبّساً بجرم التطبيع والخيانة.

الميادين نت
 

أضيف بتاريخ :2020/05/17