آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
طارق طويل
عن الكاتب :
باحث في الشؤون الدولية ومتخصص بالعمل الإنساني وحقوق الإنسانrnrn

فلسطين باعتبارها معركة حقوق الإنسان والقانون الدولي

 

  طارق طويل  

القضية الفلسطينية ليست قضية العرب فقط، كما أنها ليست قضية ذات دافع ديني فقط، بل هي قضية عالمية تمثل صراع سلطة وعدالة القانون الدولي مع خبث السياسة ومصالح الدول.

في ظلّ التدهور المستمر في الشرق الأوسط، وفي أغلب البلدان العربية، على المستويين الداخلي والخارجي، أصبح الهمّ الأول لدول المنطقة هو صراع البقاء في السلطة ووحدة الأرض والسيادة الوطنية.
القضيّة الفلسطينيّة التي كانت في حقبةٍ من الزمن محور سياسات الحكومات العربية، ودافعاً للقوى الإسلامية الدولية للانخراط في الشرق الأوسط، لم تعد للأسف محط الاهتمام الأول، نتيجة سياسات ممنهجة من تيار دولي داعم للكيان الصهيوني، وفساد حكومات عربية عَفا عليها الزمن، ومستعدة لتقبل خطط شيطانية مقابل البقاء في السلطة. 
إنَّ القومية العربية لمتابعة النضال على مختلف المستويات، لاسترجاع الحق المسلوب في فلسطين، لم تعد الدافع الأساسي، بل أصبحت أداة خطاب سياسي تستخدم عند الضرورة لتبرير مواقف داخلية مشبوهة من قبل حكومات الدول المجاورة. 
ولكن القضية الفلسطينية ليست قضية العرب فقط، كما أنها ليست قضية ذات دافع ديني فقط، بل هي قضية عالمية تمثل صراع سلطة وعدالة القانون الدولي مع خبث السياسة ومصالح الدول. 
قضيّة فلسطين هي معركة للانتصار لحقوق الإنسان قاطبةً، ولإثبات سلطة القانون الدولي في إنهاء الاحتلال الصهيوني، وإيقاف الانتهاكات والجرائم بحق الشعب الفلسطيني ومحاسبتها. القضية الفلسطينية هي معركة جميع مناصري حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والمدافعين عن العدالة الدولية.
لذلك، سيتمّ في هذا المقال عرض ومناقشة بعض القرارات والتقارير والشهادات الدولية المهمة التي تؤكد عالمية القضية الفلسطينية وأهميتها لانتصار القانون الدولي على لعبة السياسة.
القضية الفلسطينية والمحكمة الجنائية الدولية
في العام 2015، قامت الحكومة الفلسطينية بإعلان قبول السلطة القضائية للمحكمة الجنائية الدولية، وتم تحويل الوضع في فلسطين المحتلة والضفة الغربية، مطالبة بفتح تحقيق في جرائم مرتكبة من قبل الاحتلال الإسرائيلي منذ الثالث عشر من شهر تموز/يوليو في 2014.
في العام 2019، بعد انتهاء المدعي العام من الفحص والمعاينة الأولية والقبول المبدئي، تم تحويل الوضع إلى الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية لتحديد المناطق الجغرافية تحت السلطة القضائية للمحكمة.
لاحقاً، في بداية هذا العام، قامت السّلطة الفلسطينية بالمصادقة على نظام روما الأساسي، لتصبح بالتالي طرفاً في هذا النظام وخاضعة بشكل كلي لسلطة المحكمة الجنائية الدولية. ومن المتوقع أن يتم اتخاذ قرار نهائي هذا العام بشأن فتح تحقيقات في الجرائم المرتبكة في الأراضي المحتلة[1]. 
مهمة المحكمة الجنائية الدولية صعبة، وهي تتحدى الاحتلال الإسرائيلي وداعمه الأكبر الولايات المتحدة الأميركية، علماً أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض عقوبات على المدعي العام ومسؤولين آخرين في المحكمة الجنائية، كرد فعل على فتح تحقيقات في جرائم الحرب المرتكبة من قبل القوات الأميركية في أفغانستان، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب المرتكبة في فلسطين المحتلة من قبل الكيان الصّهيوني[2].
تختصّ السلطة القضائية للمحكمة الجنائية الدولية بملاحقة أفراد مسؤولين عن ارتكاب الجرائم الموصوفة في نظام روما الأساسي، وهي جريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان[3]، ما يعني أنَّ مسؤولي القرار السياسي والعسكري من الكيان الصهيوني سوف يخضعون يوماً ما لسلطة القانون الجنائيّ الدولي. 
إن المضي قدماً من قبل المدعي العام في الإجراءات لفتح تحقيقات، رغم كل الضغوطات من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وحلفائهم ضد المحكمة الجنائية الدولية، هو خطوة جريئة، ولها دلالة سياسية ومبدئية في إعلاء سلطة القانون الدولي والانتصار لحقوق الضحايا. 
كما أنّ قبول فلسطين بنظام روما الأساسي هو دليل آخر على الاعتراف بمشروعية السلطة الفلسطينية، وقيام الدولة الفلسطينية، ورفض الخطط الاستيطانية والتوسعية من قبل الاحتلال الإسرائيليّ.
مواقف رسمية دولية لتوثيق جرائم الكيان الصهيوني
الطريق لإعلاء سلطة القانون الدولي وتجريم عناصر الكيان الصهيوني، لم تبدأ فقط مع انضمام فلسطين إلى نظام روما الأساسي، حيث إنَّ عشرات التقارير الأممية على مختلف الأصعدة، وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، مهَّدت الطريق لذلك. 
في العام 2009، أكَّد المبعوث الأممي السابق لحقوق الإنسان في فلسطين ما بين العامين 2008 و2014، البروفيسور ريتشارد فالك، من خلال تقريره عن الحرب والحصار على قطاع غزة، جرائم الكيان الصهيوني ضد الإنسانية، وانتهاكات القانون الدولي الإنساني، في ظل حملة غير مبررة عسكرياً[4].

وفي تعليق آخر للبروفيسور جون دَغارد، الّذي شَغلَ المنصب السابق نفسه بين العامين 2000 و2006، وعقب قبول فلسطين بسلطة المحكمة الجنائية الدولية في العام 2015، أكّد جريمة الفصل العنصري[5] الممنهجة من قبل الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني[6]. 
مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أكد الانتهاكات المختلفة من ناحية الشدة والطابع من قبل الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، وما زال يركّز عليها في تقاريره الدورية والاستثنائية. وفي آخر تقرير صادر في آذار/مارس 2019، كرر المبعوث الأممي الخاص بالشأن الفلسطيني تأكيد انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي للعديد من الأعراف والقوانين الدولية.
كما أنه طالب الكيان الصهيوني بإنهاء الاحتلال، والالتزام بقرارات مجلس الأمن الخاصة بإقامة المستوطنات، وإنهاء حصار غزة، وإيقاف إزالة وتدمير الممتلكات الخاصة للشعب الفلسطيني بهدف بناء المستوطنات الإسرائيلية، ومنح الشعب الفلسطيني حقه الكامل من الموارد الطبيعية في الأراضي المحتلة، بما فيها الاستفادة منها وإدارتها بشكل كامل[7]، في حين هناك توافق دولي من قبل منظمات الدولية، موثق بالشهادات والتقارير، حول جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، وتحديداً جريمة الفصل العنصري. والقضية قيد الدراسة في المحكمة الجنائية الدولية بهذا الخصوص، وهذا يعطي الدول مسؤولية التعاون لإنهاء هذه الجرائم وإيقاف اضطهاد الشعب الفلسطيني. 
المسؤولية ليست مبنية على أساس أخلاقي فقط، بل على أساس قانوني أيضاً. في العام 2001، قامت لجنة القانون الدولي المنشأة والناشطة تحت مظلة الجمعية العامة للأمم المتحدة، بإنهاء دليلها القانوني حول مسؤولية الدول عن الخروقات في علاقاتها الدولية. في المواد رقم 40 و41، تضع اللجنة مسؤولية الدول في إنهاء خروقات دولية وجرائم تتعارض مع قواعد قطعية[8] في القانون الدولي، كما هو الحال في ارتكاب جريمة الفصل العنصري في فلسطين[9].
نظرياً، الدول العربية لا تمتلك فقط الأسباب والذرائع من منطلق قومي عروبي لتدعم القضية الفلسطينية وحق استرجاع الأرض، بل تمتلك أسباباً أخرى، بناءً على القانون الدولي، لتتخذ موقفاً حاسماً في مقاطعة كل ما يمت بصلة إلى سياسات الاحتلال الإسرائيلي، ولكن الخيار من قبل العديد من الحكومات العربية كان بمقايضة القضية الفلسطينية، وغض البصر عن الانتهاكات والجرائم اليومية من قبل الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، وذلك في مقابل البقاء في السلطة، وتسيير منظومة فساد داخلي، من خلال إرضاء القوى العالمية. 
في النهاية، في حال نجحت "إسرائيل" وداعموها مرة أخرى من خلال ما يسمى بـ"صفقة القرن"، ماذا سيكون مصير هذه الحكومات العربية التي وافقت عليها في السنين القادمة، وذلك على مستويين، مستوى دولي، بحيث سوف تفقد ورقة المفاوضة على فلسطين نهائياً، وسوف تنتقل مجابهة خطط الكيان الصهيوني التوسعية إلى دول عربية أخرى، ومستوى داخلي من قبل الشعب العربي، الذي ما يزال يؤمن بالقومية العربية والقضية الفلسطينية كدافع موحد للأمة؟!
على صعيد آخر، في حال استمرار موجة التطبيع وإضعاف الانتماء القومي العربي، هل يجب التركيز على تثقيف الشعوب العربية بحقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي، لتكون الدافع الأساسي لمتابعة النضال في سبيل تحرير الشعب الفلسطيني من براثن مرتكبي الجرائم الدولية؟ كيف سينعكس ذلك على علاقة الحكومات العربية مع شعوبها، في ظل فسادها وعدم احترامها للعديد من حقوق شعوبها؟

 



[1] Palestine. (n.d.). Retrieved July 10, 2020, from https://www.icc-cpi.int/palestine
[2] Trump imposes sanctions on ICC as probe into US, Israel war crimes nears – Middle East Monitor. (n.d.). Retrieved July 10, 2020, from https://www.middleeastmonitor.com/20200612-trump-imposes-sanction-on-icc-as-probe-into-us-israel-war-crimes-nears/ 
[3] See article 5 of the Rome Statute. https://www.icc-cpi.int/NR/rdonlyres/ADD16852-AEE9-4757-ABE7-9CDC7CF02886/284265/RomeStatuteAra.pdf 
[4] Israel’s war crimes, by Richard Falk (Le Monde diplomatique - English edition, March 2009). (n.d.). Retrieved July 10, 2020, from https://mondediplo.com/2009/03/03warcrimes 
[5] Nations, U., & Nations, U. (2006). International Convention on the Suppression and Punishment of the Crime of “‘Apartheid.’” http://www.unhchr.ch/html/menu3/b/11.htm 
[6] Ex-U.N. Official John Dugard: Israel’s Crimes are “Infinitely Worse” Than in Apartheid South Africa | Democracy Now! (n.d.). Retrieved July 10, 2020, from https://www.democracynow.org/2015/5/6/ex_un_official_john_dugard_israel
[7] Report of the Special Rapporteur on the situation of human rights in the Palestinian territories occupied since 1967 (A/HRC/40/73) (Advance unedited version) - occupied Palestinian territory | Relief Web. (n.d.). Retrieved July 10, 2020, from https://reliefweb.int/report/occupied-palestinian-territory/report-special-rapporteur-situation-human-rights-14 
[8] Jus cogens norms definition, article 53, Vienna Convention on the Law of Treaties. (n.d.). Retrieved July 22, 2020, from https://www.oas.org/dil/Vienna_Convention_on_the_Law_of_Treaties.pdf 
[9] Responsibility of States for Internationally Wrongful Acts (2001). (n.d.).

لصالح موقع الميادين نت

أضيف بتاريخ :2020/07/30

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد