آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
ناصر أبو عون
عن الكاتب :
باحث بمركز الدراسات والبحوث – مسقط

ماذا تريد السعوديّة من مصر؟ ولماذا “تيران وصنافير”؟!

 

 ناصر أبو عون ..

 

يبدو أن (القُبلات الماليّة) التي منحتها السعودية والدول الخليجيّة لم تُجدِ نفعًا مع (نظام مصر/ السيسي) الذي يحتضر منذ قفزه على شرعيّة أول رئيس منتخب لم يتمكَّن من الجلوس على (كرسيّ السلطة في المحروسة) طيلة عشرة أشهر بالتمام والكمال، ومع خطفه والإطاحة بأركان حكمه الهشّ تمّ وأد (أول تجربة لتداول السلطة منذ فجر الأسرة الفرعونيّة الأولى قبل خمسة آلاف سنة ونيّف) في مهدها وكانت نُذر الإطاحة بمن جاءت بهم صناديق الاقتراع 5 مرات متتالية تلوح في سماء (أم الدنيا) خاصةً بعد انتقال (ملف مصر) من حوزة وزارة الخارجيّة الأمريكيّة إلى مكتب وزير الدفاع الأمريكيّ) وفي الوقت الذي أمسى فيه هذا الحديث شيئًا من الماضي تأتي زيارة العاهل السعوديّ إلى مصر على رأس أكبر وفد سياسي وأميريّ وتوقيع أكبر كم من (الاتفاقيات الاقتصادية والسياسيّة) مع (مصر/السيسي) ليعيد ما كشفت عنه وثائق ويكليكس الأخيرة والمسربة على مواقع الشبكة الدولية للإنترنت إلى الواجهة والتي توضّح (كيف تمسك السعوديّة بقبضة من حديد على “أوصال مصر ثقافيا، وسياسيا، وإعلاميا، واقتصاديا، وعسكريا. إنّ هذا الكم من الاتفاقيات التي أبرمتها السعوديّة مع (مصر الكنز البشري الثمين) تقف وراءها العديد من الدوافع الإستراتيجية يمكننا أن نسرد بعضها هنا:

 

أولا – لقد أصبحت المملكة السعودية قلقة من انتهاء (ثمانين عامًا من الصداقة مع الأمريكيين) بجرة قلم، وخاصةً بعد حديث الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته «باراك أوباما» لمجلة «ذى اتلانتيك» موجها إليها أصابع الاتهام وبطريقة فظّة مشددًا على “أن المنافسة بين إيران والسعودية أدت لحروب بالوكالة والفوضى من سوريا إلى العراق واليمن”. كما إنّ المملكة لديها “مخاوف من تحولات السياسة الأمريكية”، ويسيطر عليها هاجس (شطبها من خانة الحلفاء الإقليميين)، وسوف تكون الضربة مؤلمة إذا ما أعرض الأمريكيون بوجههم عنها، وأداروا دفة (سفينة المصالح) صوب شواطئ (إيران) التي تضع يديها الآن وبكل ثقة في (أربع عواصم عربيّة)، بينما خرج السعوديون صفر الأيادي.

 

ثانيًا – تقف أمام السعوديّة (أحجار عثرة) عديدة في تحقيق (أحلامها التوسعيّة)، والتمدد خارج حدودها عسكريًا وفكريًا ومن ثمّ ارتأت في استخدام (نفوذها الاقتصادي) عبر (البوابة المصريّة التي يشرف اقتصادها على الانهيار)  في تحقيق أهدافها الاستراتيجية وبأقل نسبة من الخسائر وهو تصوّر قال به الصحفي المصري أسامة الدليل في تعقيبه على زيارة السعوديين للقاهرة وتوقيع أكبر حزمة من الاتفاقيات الاقتصادية بين البلدين منذ نشأة الدولة السعودية وحتى الآن مؤكدًا: أن السعودية تستخدم الكثير من مواردها من أجل التمدد والنفوذ السياسي وليس فقط الاقتصادي”. بيد أنها تستخدم كل مواردها في لحظة صعبة تقوم فيها بدور “القوة الإقليمية العظمى بشكل منفرد. وهي تنظر إلى نفسها كقوة سنية إقليمية ضخمة”.

 

ثالثًا – بعد أن عجزت السعوديّة في محاصرة القوة الإيرانية الصاعدة وبقوة في المجتمع الدوليّ وخاصةً بعد توقيع اتفاقها مع مجموعة (5+1) والإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة، ومع فشل تحالفها في تحقيق نصر سريع وحاسم في اليمن، وبقاء نظام الأسد في سدّة الحكم ارتأى السعوديون الإمساك بمصادرة القرار استخدام مصر (كمخلب قط) تخمش به القوى الإيرانيّة المناوئة وإن اقتضى الأمر جرّها من عقالها إلى الصراع المسلح، والمواجهة المباشرة في (سوريا واليمن والعراق) تحت عنوان (الصراع السنيّ الشيعي). ويدعم هذا التصوّر ما صرّح به الباحث أنور عشقي مدير مركز “الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية بأنّ “هناك بعض المسائل الحساسة بين البلدين، فالمملكة كانت تراهن على تدخل مصري أكبر في حرب اليمن، كما كانت تنتظر موقفًا أكثر حسمًا ضد إيران، والحقيقة أن كلام القيادة المصرية كان رمزيًا وسياسيًا أكثر منه متحققًا على الأرض”. وهي الفكرة ذاتها التي قال بها الكاتب السعودي جمال خاشقجي المقرّب من القيادة السعوديّة قائلا: “كمراقب أرى أن مصر بحجمها وثقلها، تتمنى السعودية لو كان لها دور أكبر”

 

رابعًا – يأتي تمتين العلاقات بين السعوديّة ومصر في هذه الأوقات العصيبة ليعطي قبلة الحياة لنظام (مصر/ السيسي) ويقضي على أيّ حلم بعودة الثورة المصريّة، وعودة الإخوان المسلمين إلى الواجهة مرة أخرى بعد أن اكتشف المصريون (والعلمانيون والليبراليون والاشتراكيون قبل الإسلاميين) أنهم وقعوا في فخ كبير نصبته لهم قوى داخلية وخارجية وإقليمية للقضاء على الثورة وهي وجهة نظر يدعمها الصحفي اللبناني حسن علّيق بقوله: “لتوضيح المسألة يجب أن نجيب عن سؤال: ماذا تريد السعودية من مصر؟ يمكن تلخيص الإجابة في نقطتين، أولًا، السعودية تريد أن تكون مصر قوة بشرية، ثانيًا، أن تتبلور مصر كقوة “سنية” كبيرة في مواجهة إيران، وفي الوقت نفسه؛ فإنها لا تريد إطلاقًا أن تتحول مصر إلى قوة سياسية مستقلة، حتى لو على الطريقة الإخوانية”.

 

خامسًا – تأتي زيارة العاهل السعودي للمسجد الأزهر الذي بناه الفاطميون لتؤشر على العديد من الدلالات كان من أهمها: (إرسال رسالة مبطنة للإيرانيين أنّ مصر ستبقى سُنيّة)، وأن (الأزهر الذي بناه الفاطميون الشيعة) سيبقى سُنيًا ولكن على طريق الشيخ أحمد بن عبد الوهاب. يُذكر أنّ الأزهر تراجع دوره وتأثيره في العالم الإسلامي منذ قيام عبد الناصر وزملاؤه بالانقلاب على النظام الملكيّ في مصر؛ بل صار مختطفًا من جانب فصيل مذهبي واحد يميل ناحية (الوهابيّة).

 

سادسًا – ليس في (السياسة الدوليّة) علاقات مجانيّة وخلال السنوات الأربع المنصرمة أعطت السعوديّة ودول خليجية مصر بسخاء – وحتى الآن لا نعلم أين ذهبت كل تلك الأموال خاصة في ظل غياب الشفافية والرقابة الصارمة وغياب المؤسسات الديمقراطية والمنتخبة –  ونقلا عن وكالة الأنباء السعوديّة فقد تجاوزت المساعدات 20 مليار دولار حتى نهاية عام 2014 بتلبية احتياجات مصر البترولية خلال السنوات الخمس القادمة، وزيادة الاستثمارات السعودية في مصر لتصل إلى أكثر من 30 مليار ريال سعودي (8 مليار دولار).. لقد حانت لحظة العطاء بعد أن امتدت اليد السفلى كثيرًا ولم تقنع وتأتي اتفاقية التخلي عن (جزيرتي تيران وصنافير) الاستراتيجيتين لصالح المملكة العربية السعوديّة في إطار اتفاقية لترسيم الحدود البحريّة ليشكّل ضربة قاصمة للكبرياء المصريّ خاصةً وأنّ من يسيطر على الجزيرتين يمكنه (غلق الملاحة في اتجاه خليج العقبة)، واستخدامها كقواعد عسكريّة محلية أو أجنبيّة للانطلاق منها في السيطرة على طرق الملاحة العالمية فضلا عن اشتمال الجزيرتين على مناطق غنية بالنفط، ومعروفة بثرواتها المائية والمصائد.

 

إن (جزيرتي تيران وصنافير) مصريّة مائة في المائة وفق تصريح اللواء عبد المنعم سعيد، رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة الأسبق، ومحافظ جنوب سيناء الأسبق، إن جزيرتي تيران وصنافير مصريتان 100% إن الجزيرتين ترفعان العلم المصري وبهما وحدات عسكرية مصرية. وبإطلالة قصيرة على تاريخ الجزيرتين نجد أنّه منصوص عليهما في أول اتفاقية ترسيم حدود أبرمتها مصر مع الدولة العثمانية لتحديد الحدود الشرقية عام 1906 وتمّ في المعاهدة تحديد الحدود بخط يبدأ من ساحل البحر المتوسط إلى نقطة على خليج العقبة تقع شرق طابا وغرب إيلات الحالية. 1951 وأعلنت مصر أن أي سفن تريد التحرك عبر (مضيق تيران) يجب أن تخطر السلطات المصرية. وفي عام 1954 بعثت مصر للأمم المتحدة ما يفيد أن جزيرتى تيران وصنافير مصريتان وكانتا في الجانب المصري عند توقيع اتفاقية 1906 وأنه من الثابت من الوثائق أنه كان هناك قوات مصرية فيها فى الحرب العالمية الثانية. وفي أعقاب نكسة 1967 احتلت إسرائيل الجزيرتين. ومع دخول مصر في مباحثات (كامب ديفيد) وتوقيع اتفاق السلام مع إسرائيل في نهاية عقد السبعينيات من القرن العشرين دخلت الجزيرتان في البروتوكول العسكري لمعاهدة «كامب ديفيد»، حيث وضعت كل من جزيرة صنافير وجزيرة تيران ضمن المنطقة «ج» المدنية التي لا يحق لمصر أي وجود عسكري فيها حتى تضمن إسرائيل أن مصر لن تتحكم بهذه المنطقة الحيوية من البحر الأحمر، وفي عام 1983 إعلان رأس محمد وجزيرتي تيران وصنافير محمية طبيعية وأكدت وزارة البيئة المصريّة على موقعها الإلكتروني أن جزيرتي “تيران وصنافير” من الجزر المصرية التابعة للمحميات الطبيعية بمحافظة جنوب سيناء.

 

إن جزيرة “صنافير” توجد غرب جزيرة تيران وتبلغ مساحتها حوالي 33 كم² ، وعلى بعد نحو 2.5 كم منها يوجد خليج جنوبي مفتوح يصلح كملجأ للسفن عند الطوارئ. بينما تقع جزيرة “تيران”، في مدخل مضيق تيران، الذي يفصل خليج العقبة عن البحر الأحمر، ويبعد 6 كم عن ساحل سيناء الشرقي، وتبلغ مساحة الجزيرة 80 كم².

 

بموجب هذه الاتفاقية تكون (مصر/ السيسي) قد باعت أمنها القومي بثمن بخس، وتحولت من (مالك إلى بودي جارد) حيث تنص الاتفاقية بأن تقوم القاهرة بتأمين جزيرتي «تيران وصنافير» لمدة 65 عامًا، مقابل التزام المملكة العربية السعودية، بدفع مبلغ 2 مليار دولار للجانب المصري، اعتبارًا من تاريخ سريان الاتفاقية، كما إن الاتفاقية تنص على أن “يؤول إلى مصر 25% من أي مورد طبيعي في منطقة جزيرتي تيران وصنافير، والمياه المحيطة بهما.

صحيفة رأي اليوم

باحث بمركز الدراسات والبحوث – مسقط

أضيف بتاريخ :2016/04/11

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد