آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
شارل أبي نادر
عن الكاتب :
عميد متقاعد في الجيش اللبنانيrnrn

الأمم المتحدة بعد مرور 75 عاماً.. لماذا فشلت في أداء دورها؟

 

  شارل أبي نادر  

في الحروب الحديثة، في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا، وفي دول وسط وشرق أوروبا وفي اليمن بنوع خاص مؤخراً، كان الدور الأميركي كان واضحاً في التخطيط لها، وفي خلق الدوافع والأسباب.

من يتابع مجموعة المنظَّمات والأجهزة واللجان التابعة للأمم المتحدة، والتي تُعنى تقريباً بجميع شؤون العالم وشعوبه، يكتشف أهميتها للبشرية لو كانت تقوم بواجباتها ودورها، ولو بشكل جزئي غير كامل، فصلاحية هذه اللجان والمنظمات ومهامها قادران على تقديم مستوى غير بسيط من الحلول لأغلب مشاكل الدول والشعوب والمجتمعات، إلى درجة تصل إلى إلغاء أو عزل كل الإشكاليات التي تواجه المجتمع الدولي، وإلى إرساء السلام والازدهار في العالم.
هذا في مبدأ ومفاهيم وأسس تنظيم الأمم المتحدة والأجهزة التابعة لها، ولكن عملياً على الأرض، وبعد مرور 75 عاماً على إنشائها، ومع مئات الحروب والأزمات والكوارث القاتلة عبر العالم، والتي لم ينته أغلبها إلا بعد أن تعب المتحاربون، واستنفدت جهودهم، وعجزوا عن احتمال الخسائر واستيعابها، وليس لأن الأمم المتحدة ومنظماتها نجحت في أداء دورها، كيف يمكن تقييم أداء هذه المنظمة؟ وما هي أسباب فشلها في أداء دورها كما هو مفترض؟
بالعودة إلى بعض الحروب التي عاشها العالم بعد إنشاء الأمم المتحدة، يمكن أن نأخذ نموذجين من هذه الحروب التي حصلت في المرحلة الأولى من فترة إنشائها، ونتطرق لاحقاً إلى مجموعة أخرى من الحروب الحديثة والحالية. ومن خلال مقاربتها وطريقة معالجتها أو متابعتها من قبل منظّمات الأمم المتحدة، يمكن أن نستخلص الإجابة على التساؤلين أعلاه.
حرب الكوريّتين في العام 1950
دامت الحرب حوالى 4 سنوات (1950 حتى نهاية العام 1953)، وحصدت ملايين القتلى مع دمار هائل، وأخذت أسماء عدة، منها "النزاع الكوري" كما أسماها الأميركيون، و"الحرب المنسية" كما أسماها التاريخ لاحقاً، نظراً إلى عدم اهتمام المجتمع الدولي بها.
وفي هذه الحرب وعبرها، باشرت الولايات المتحدة الأميركية هيمنتها وتسلّطها على الأمم المتحدة، ودفعت الأخيرة إلى استصدار قرار بتشكيل تحالف دولي ضد كوريا الشمالية، بغياب (مُخطط له بالتواطؤ بين واشنطن والأمم المتحدة) للاتحاد السوفياتي، الذي كان قد اعترض على إجراءات قامت بها المنظمة واعتبرها غير قانونية.
أيضاً، شكَّلت الحرب بين الكوريتين أوّل مواجهة غير مباشرة بين الاتحاد السوفياتي والأميركيين، وكانت هذه المواجهة شكلاً من أشكال الصراع على النفوذ، والذي تطوَّر لاحقاً إلى حرب باردة بين الدولتين، كادت تؤسّس لأكثر من مواجهة شاملة أو حرب عالمية.
في هذه الحرب، فشلت الأمم المتحدة في أداء دورها الأساسي كراعٍ وضامن للسلام ولحقوق الشعوب، واستسلمت أمام تسلّط الولايات المتحدة الأميركية من جهة، وطموح الاتحاد السوفياتي في السيطرة وفرض النفوذ وتحدي الأميركيين من جهة ثانية، والنتيجة ملايين القتلى والمعوقين، ودمار هائل، وخسائر اقتصادية لا تُقدَّر.
 حرب فييتنام 
امتدّت من نهاية العام 1964 وحتى ربيع العام 1973، وقامت على أسس انقسامات داخلية ومواجهات محلية بين شمال وجنوب فييتنام، لتتطور وبدعم أميركي لفييتنام الجنوبية إلى معارك واسعة في جميع أنحاء البلاد. ومع سقوط خسائر غير متوقعة للوحدات الأميركية الداعمة للجنوب، زجّت واشنطن بمئات الآلاف من العسكريين، وبقوى جوية وبحرية وبرية ضخمة منخرطة بشكل كامل بحرب مدمرة، وسقط الملايين من أبناء فييتنام والآلاف من جنودها في مواجهات كانت مذلّة لها داخلياً ودولياً.
أيضاً، وعلى خلفية فرض النفوذ والسعي إلى السيطرة، قادت واشنطن في فييتنام حرباً ضروساً دامت حوالى عشر سنوات، والأمم المتحدة غائبة أو مغيبة عن دورها، ولم تستطع خلال هذه المدة الطويلة من الحرب أن تجد وسيلة أو طريقاً أو ممراً لتدخل بصلاحيتها المعطاة لها عالمياً، وتعمل على فرض السلام والأمن الدوليين، وعلى إيقاف حرب عشواء مدمرة خططت لها الولايات المتحدة الأميركة وخاضتها من دون أي أسس قانونية، على خلفية زرع الانقسام بين أبناء الدولة الواحدة (فييتنام) فقط، والتسابق على السيطرة وفرض النفوذ.
الحروب الحديثة 
هذا لناحية الحروب المواكبة لبدايات نشأة الأمم المتحدة في الخمسينيات والستينيات.

أما لناحية الحروب الحديثة، في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا، وفي دول وسط وشرق أوروبا (صربيا ويوغوسلافيا وكرواتيا)، وفي اليمن بنوع خاص مؤخراً، فمن خلال متابعة موضوعية ومجردة لمسار نشأة تلك الحروب واندلاعها، ولاحقاً لمسار تطورها من دون أفق أو محاولات جدية لوقفها، فإنَّ الدور الأميركي كان واضحاً وضوح الشمس في التخطيط لها، وفي خلق الدوافع والأسباب تزويراً، وفي تسعيرها وبث الفتنة والتفرقة بين أطرافها، وفي المشاركة المباشرة في أغلبها، عبر وحدات برية وجوية بشكل خاص، من خلال دفع بعضهم نحو مستنقع المواجهة، عبر الدعم المباشر أو التحريض، ومن خلال تسهيل حصول أطراف المواجهة على أسلحة وقدرات عسكرية مناسبة لتفعيل الحروب والمعارك وتضخيمها.
كان دور الأمم المتّحدة في أغلب تلك الحروب مغيباً، وكانت عاجزة عن استصدار القرارات الحيادية التي تعطي الثقة لأطراف المواجهات. وحتى إذا اعتبرنا أنها كانت عاجزة عن أداء دورها في إيقاف تلك الحروب، فقد كان دورها مغيباً أيضاً في إدارتها ضمن القيود التي أوجدتها القوانين الدولية، لناحية الالتزام بالقانون الإنساني، وبقانون الحرب، وبالقوانين التي تحظر استعمال الأسلحة المحرمة دولياً، أو القوانين التي تمنع استهداف المدنيين والأطفال والبنى التحتيّة والمستشفيات.
من هنا، يمكن تحديد أسباب فشل الأمم المتحدة في أداء دورها المنوط بها استناداً إلى شرعة نشأتها وتأسيسها. ومن هنا، يمكن تحديد الجهة المسؤولة عن إفشال هذه المنظمة وعزل فعاليتها أمام تحقيق السلام والازدهار الدوليين، ودائماً ما تبقى هذه الجهة (الولايات المتحدة الأميركية)، وبسبب نزعتها التاريخية والثابتة في التسلّط والهيمنة، عائقاً صلباً أمام تحقيق السلام والأمن والازدهار في العالم.

لصالح موقع الميادين نت

أضيف بتاريخ :2020/09/25