آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. هتون أجواد الفاسي
عن الكاتب :
أستاذة تاريخ المرأة في جامعة الملك سعود وكاتبة في جريدة الرياض حاصلة على البكالوريوس في التاريخ من جامعة الملك سعود بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف عام 1986، ونالت الماجستير من نفس الجامعة عام 1992، وحازت على شهادة الدكتوراه في التاريخ القديم، قسم دراسات الشرق الأوسط، جامعة مانشستر في بريطانيا

إذن بالسفر!!


د. هتون أجواد الفاسي ..

قابلتني والحرقة في صوتها تخفي العبرة تحت طبقات نقابها غير مصدقة ما مر بها قبل ساعات وهي تقصه عليّ لدى وصولها المطار. "أوقفوني في مطار الرياض كأني كنت أحاول الهرب من البلد" قالت. "وأجلسوني في قسم جانبي مع ضباط الجوازات بانتظار اتصال ابني الصغير ليأتي ويوقع بالسماح لي بالسفر" استطردت. "قلت لهم هو في دوامه ولن أدعه يخرج ويخاطر بوظيفته" قالوا: "خليه يرسل فاكس ويوقع".. وجدت نفسها تجيب على أسئلة عبثية ما أنزل الله بها من سلطان. كانت تبرر بُعد الكبير عن معرفة مواعيد سفر أمه، وتبرر للصغير أنه في عمله ووظيفته، بينما كانت المصيبة الأكبر في اللامنطق الذي كان يدور به هذا الحوار الغريب. لم يستنكر موظف الجوازات تجرّأه على سيدة في سن أمه يسألها أين تسافر ولماذا.

"هل ابنك موافق على سفرك؟" سؤال له وقع الحك فوق جرح حديث مستمر النزف والألم. سؤال تتمنى لو توقف طارحه ومبرره ومجيزه والآمر به كلهم في أحلك مكان في سجن ما له قرار. أين الملكة التي ندعي محافظتنا عليها ومراعاتنا إياها.. فعلاً الملكة من تنتظر إذن ابنها الذي حملت به وأنجبته وكبرته وسهرت عليه وربته على احترام والديه وأن يعلي مقام أمه، وإذ بها اليوم تأتي مؤسسات الدولة لتهيل ما بنته على رأسها وتحجر عليها كأنها قاصر أو ناقص وتطلب منها أن تنتظر ابنها الذي ما زالت ولايتها عليه لم تنقض إلا من بضعة أعوام وما زالت مسؤولة عن كثير من شأنه. يطلب منها موظف الجوازات "صك ولاية"، ولاية ابنها عليها، كادت تترنح من الطلب وقالت: هل أنت جاد في طلبك؟ أنا امرأة بلغت الستين وتطلب مني صك ولاية من ابني عليّ؟ هل تراني مجنونة أم طفلة أمامك؟ طبعاً هؤلاء الموظفون هم أنفسهم في عمر أبنائها لكنهم لم يستنكفوا نطقها ولا حتى الاعتذار. ثم يستدركون، "لا لا يكفي أن يصلنا فاكس أو مكالمة من ابنك الأصغر، لا بد أن يكون الأكبر". ثم يتعذر، تذكر أن يتعذر، "هو النظام". ما هو هذا النظام الذي يقلب موازين علاقات السلطة الأسرية؟ كيف يبرر حفظ مركز السلطة للأم في الأسرة؟.

والمطلوب بعد ذلك أن تذهب هذه الأم المناضلة التي ربت أبناءها بعد ترملها صغيرة حتى أصبحوا رجالاً مسؤولين، إلى القاضي لتصدر من لديه هذا الصك المعيب ليستخرج لها ورقة للسماح بالسفر على جوازها الجديد. هذا الصك الذي يخول للابن، إن كان عاقاً أو ضعيفاً أمام الإغراء، أن يتصرف في ممتلكات أمه. أي أن النظام يقدم للأبناء العاقين التجرؤ على أمهاتهم وممارسة العقوق نظامياً.

وعند العودة إلى أنظمة وزارة العدل فلا نجد فيها ما ينص على وصاية أو ولاية الابن، ومثلها إلى وزارة الداخلية والجوازات، فليس في الاستمارات الإلكترونية ما يتصل بنماذج تصريح من الابن للأم. ووفق دراسة الجربوع والمحيسن حول المركز القانوني للمرأة السعودية، لم أجد فيها ما ينص على تخويل الابن هذا التصريح وإنما هو مجرد تكليفه مرافقتها في السفر إن كان غير آمن.

مما يشير إلى وجود أنظمة اعتبارية وتوارثية تتبنى الوصاية على المرأة في القطاعات الحكومية ليست مبنية على أساس وآن الأوان لمراجعتها وإعادة الاعتبار إلى نسائنا. فالسفر كالانتقال، حق طبيعي لكل عاقل وراشد ولا ينبغي أن يقيد بأي شكل من الأشكال، ولعل في برنامج التحول الوطني أمل في إعادة كثير من الأمور إلى نصابها.

جريدة الرياض

أضيف بتاريخ :2016/04/26

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد