آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قاسم حسين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

ماذا بعد مذبحة النخيل؟


قاسم حسين ..

قبل عشرة أعوام عمد بعض ملاك المزارع إلى قتل النخيل بقطع المياه عنها، وعمد آخرون إلى صب الزيوت المحروقة عليها للإسراع في قتلها، تمهيداً لتجريف الأراضي الزراعية وبيعها قسائم سكنية.

اليوم عملية القتل تجري جهاراً نهاراً، في آخر مرحلة، للإجهاز على ما تبقّى من رقعةٍ زراعيةٍ دامت في العطاء آلاف السنين، بعد رفع الغطاء عن الحزام الأخضر لتدميره.

نحن نعيش في منطقة قاحلة تعاني من شحّة الأمطار وقلة المياه، والبحرين كانت تعاني أصلاً من ظاهرة التصحّر في العقود الأخيرة، وكان العاملان يساهمان في تدهور الوضع الزراعي تدريجياً، إلا أن ما يجرى حالياً هو عملية تسريعٍ لقتل الزراعة والتخلص منها نهائياً.

والسؤال: ماذا أعددنا لليوم التالي بعد أن نقضي على الزراعة ونجلس على تلتها؟ وما هي تبعات ذلك؟

أول التبعات هو زيادة تدهور البيئة، وارتفاع معدلات الحرارة، في هذه الجزيرة الصغيرة التي تعاني من ارتفاع معدل التلوّث بسبب كثرة أعداد السيارات، في بلدٍ صغير المساحة جداً. وقد ورد مؤخراً في تقرير دولي، اسما مدينة حمد وقرية النويدرات، ضمن أكثر عشر مناطق تلوثاً في العالم. فإذا أزلت الغطاء النباتي الذي يمثل رئةً للتنفس وتحسين الجو والهواء، فأنت تسهم في مزيدٍ من التدهور والانحطاط.

إن ما تقتله من أرضٍ زراعية، كما دلّت التجارب في كثير من الدول، لا يمكن إعادته إلى الحياة، إلا بتكاليف باهظة ومضاعفة، ونحن اليوم نتخلّص من الزراعة، ونقضي على الأراضي الخصبة، ونحوّلها إلى قسائم سكنية وتجارية، جشعاً وطمعاً في الأرباح، مضحّين بالمصلحة الوطنية العليا، في الحفاظ على الرقعة الزراعية المتبقية التي حافظت عليها الأجيال.

حالياً، تلبّي الزراعة المحلية بوضعها الحالي، جزءًا من احتياجاتنا الغذائية اليومية، (يقدّره البعض بـ10- 15 في المئة)، ورغم ما يعانيه هذا القطاع من صعوبات، إلا أنه مازال منتجاً، كما شاهد الجميع ذلك في «معرض المزارعين» خلال الأعوام الأخيرة. وبعد قضائنا على هذه الزراعة، سينزل الإنتاج عموماً إلى صفر. هل هناك بلدٌ يقضي بيديه على أحد مصادر الإنتاج التقليدية وإخراجه تماماً من الدورة الاقتصادية؟

ثم إن هذا القطاع يضم أعداداً من العمالة البحرينية، ربما يتجاوز المئات إلى بضعة آلاف، إذا احتسبنا أعداد من يعولهم هؤلاء العاملون من أسر، فضلاً عمّا يرتبط بهم من محلات وأسواق ومنافذ بيع تسوق منتجاتهم... فأنت تقطع شرايين كلّ هذه الدورة الاقتصادية وتجفّفها.

النتائج الوخيمة لهذه السياسة ستظهر على مرحلتين: سريعاً ستظهر في اختفاء المنتجات الزراعية اليومية التي توفّرها هذه المزارع. ولاحقاً، ومع تقلّص هذه المنتجات واختفائها من الأسواق، سنعتمد بالكامل على المنتجات المستوردة، وسيُضاف عبء إضافي على الموازنة العامة لصالح الاستيراد. حتى الرطب الذي كان يتوفّر في الصيف بأسعارٍ معقولة، سترتفع أسعاره مرتين أو ثلاث مرات، بحيث لن يكون في متناول الكثيرين.

النخلة في ثقافتنا مصدر الخيرات، وتشكّل أحد رموز هذه الأرض، ودخلت عميقاً في إصداراتنا الثقافية والأدبية نثراً وشعراً، قصةً ورواية ومسرحاً ونقداً، وقد أوصانا الرسول (ص) بإكرام «عمتنا» (النخلة)، وها نحن نشاهد من يتباهى اليوم بقتلها، وتجريف ما تبقى من أراضٍ زراعيةٍ خصبة، ونجلس على تلتها سكارى نشاهد أحد مشاهد انتصارات الرأسمالية الوحشية الجشعة.

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/05/24

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد