قصة وحدث

قصة وحدث: 25 أيار/مايو ’عرس المقاومة والتحرير’.. زمن انتصارات الأمة

 

25 أيار/مايو 2000 ليس كغيره من أيام الأمة العربية والإسلامية، لأنه في مثل هذا اليوم سجل التاريخ الانسحاب الإسرائيلي الأول عن أرض عربية بدون قيد أو شرط تحت ضربات المقاومة في لبنان المتمثلة بالمقاومة الإسلامية.

هذا الاندحار الإسرائيلي لم يكن وليدة صدفة أو ابن ليلة الهروب الإسرائيلي تحت جنح الظلام من القرى اللبنانية المحتلة في الجنوب والبقاع الغربي، بل كان نتيجة مقاومة استمرت قرابة 18 عاما أي منذ دخول جيش العدو الإسرائيلي إلى لبنان أبان الاجتياح الصهيوني في العام 198 حيث وصلت قواته إلى مدينة بيروت، فالمقاومة منذ اللحظة الأولى للاحتلال لم تعطِ المعتدي مجالا للراحة بل راحت تقلقه وتلاحقه وتنزل بجنوده القتلى والجرحى، فمن مهاجمة المواقع وتدميرها إلى زرع العبوات ونصب الكمائن وغيرها من العمليات الأمنية المحترفة لاصطياد قادة العدو وعملائه.

 25 أيار... نصر كل لبنان

والانتصار في العام 2000 كان ثمرت تضحيات جسام قدمها الشعب اللبناني بكل فئاته ومكوناته وطوائفه ومناطقه، حيث قدمت المقاومة اللبنانية "اليسارية والعلمانية والإسلامية" آلاف الشهداء بالإضافة إلى الشهداء المظلومين من المدنيين من كل الفئات العمرية، فآلة القتل الإسرائيلية لا تفرق بين كهل أو شاب أو بين امرأة وطفل، فالجميع "مشاريع موت" بمنظار العين الصهيونية، ناهيك عن مئات آلاف الجرحى اللبنانيين من مختلف المناطق اللبنانية، كما لا يمكن نسيان صمود الأسرى اللبنانيين في المعتقلات الإسرائيلية من معتقل أنصار إلى الخيام ومعتقلات الداخل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

كل هذه التضحيات أثمرت نصرا عزيزا افتتح به عصر الانتصارات حيث ولّى زمن الهزائم للعرب والمسلمين في صراعهم مع إسرائيل، فبهذا النصر المؤرخ في 25 أيار/مايو والذي أسمته الحكومة اللبنانية بعيد "المقاومة والتحرير" وبات يوم عطلة رسمية لأهميته ليس فقط في تاريخ لبنان الحديث بل لقيمته في مسيرة وتاريخ هذه الأمة، فمنذ ذلك اليوم بات يمكن الحديث أن الجيش الإسرائيلي الذي ظنّ البعض أنه لا يهزم، ها هو قد انكسرت هيبته أمام ثلة من المقاومين الأبطال ممن آمن بنصر الله وبأن من ينصر الله ينصره ويثبت أقدامه.

وقد فتح هذا النصر الباب أمام كل الشعب العربي للتفكير بهزيمة "إسرائيل"، لاسيما الشعب المظلوم في فلسطين من الضفة الغربية المحتلة إلى قطاع غزة المحاصر إلى كل الأراضي الفلسطينية المحتلة وعلى كامل التراب الفلسطيني، وهذا ما حصل فعلا حيث سُجل انتصار للمقاومة الفلسطينية على الجيش الإسرائيلي سواء في العام 2008 أو في العام 2012 حيث عجز الجيش الإسرائيلي عن ردع المقاومة في غزة أو وقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية التي جعلت تل أبيب تحت نيرانها، كما فعلت أيضا المقاومة الإسلامية في لبنان في العام 2006 التي جعلت كل الكيان الإسرائيلي تحت مرمى النار، وأثبتت من جديد أنها قادرة على إنزال الهزيمة بـ"إسرائيل" في كل مرة سيحاول الاعتداء على السيادة اللبنانية.

 

  المعادلة الذهبية.. حمت لبنان

ويوم "عيد المقاومة والتحرير" هو يوم تحرير معظم الأراضي اللبنانية المحتلة باستثناء ما تبقى في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وهو يوم عيد مخضب بدماء أبناء الجنوب المقاوم وغيره من المناطق وصولا إلى البقاع الأبي والعاصمة بيروت الصامدة كتفا على كتف مع الضاحية الجنوبية، ففي هذا العرس كل لبنان قدم ولم يبخل في مواجهة العدو، واللافت أنه كان للبنان نموذجه المميز في هذه المواجهة عبر "ابتداعه" معادلة ذهبية حررت الأرض وحمت السيادة وأمّنت الاستقرار ألا وهي معادلة "الشعب والجيش والمقاومة"، التي أكدت بالدم التضامن اللبناني في مواجهة العدو الأوحد لكل اللبنانيين وللعرب والمسلمين أي "إسرائيل"، فالجميع في لبنان ساهموا بالتحرير من عامة الناس إلى مؤسسات الدولة ممثلة بالجيش الباسل والمقاومة الشعبية المتمثلة بالمقاومة الإسلامية.

وأحد أبرز الأمثلة على تضافر الجهود أطراف هذه "المعادلة الذهبية" هو ما حصل عشية يوم 25 أيار/مايو، حيث تجمع مواطنون من أبناء القرى الجنوبية وساروا باتجاه بعض البلدات التي كانت موجودة فيما كان يعرف حينها بالشريط "الحدودي المحتل" من قبل العدو الإسرائيلي، فتجمع حينها الأهالي في محيط مدينة النبطية الجنوبية وزحفوا باتجاه أولى البلدات التي تمَّ تحريرها وهي بلدة القنطرة حيث كسروا البوابات والحواجز التي سبق أن أقامها العدو الإسرائيلي وبدأوا بالدخول إلى القرى لتحريرها واحدة تلو الأخرى، بينما العدو ومن معه من ميليشيا ما يسمى "جيش العميل أنطوان لحد" يشعر بأن الخناق يضيق عليه، باعتبار أن المد الشعبي يقترب منهم أكثر فأكثر بالتزامن مع ضربات المقاومة التي لم تتوقف حتى لحظة هروب آخر جندي إسرائيلي في ليلة 25 أيار، حيث ترك العدو كل أسلحته وتجهيزاته وآلياته في مواقعه وفر تاركا العملاء الذين خدموه طويلا من دون أن يعينهم أو يؤمن لهم حماية عجز أن يؤمنها لنفسه.

 بين القرارات الدولية والإرادة الشعبية

فكان التحرير بقوة المقاومة والجيش والشعب هو دليل واضح أن القوة الشعبية ومقاومة أبناء الوطن هي التي تحرر الأرض من الأعداء، فهذه التجربة أثبتت أن لا القرارات الدولية ولا المفاوضات ولا الحراك الدبلوماسي ولا التزلف السياسي للأعداء ولا المبادرات التي تطرح هنا أو هناك يمكن في يوم من الأيام أن تطرد محتلا أو غازيا عن أرض الوطن أو تعطي نصرا أو تحقق انجاز كإنجاز التحرير في 25 أيار/مايو من العام 2000، وهذا ما يؤكده الواقع والتاريخ باعتبار أن القرار الدولي رقم 425*** صادر منذ العام 1978 فلماذا لم يطبق؟ ولماذا لم يعط للبنان أي نصر أو أن يحرر الأرض؟

وللتذكير أن القرار 425 هو قرار دولي صدر عن مجلس الأمن في 19 شهر آذار/مارس من العام 1978 بعد دخول العدو الإسرائيلي إلى أجزاء من الإراضي الفلسطينية بحجة القضاء على فصائل المقاومة الفلسطينية، ودعا القرار إلى "الاحترام التام لسلامة لبنان الإقليمية وسيادته واستقلاله السياسي ضمن حدوده المعترف بها دوليا"، وطالب "إسرائيل أن توقف فورا عملها العسكري ضد السلامة الإقليمية للبنان وأن تسحب على الفور قواتها من جميع الإراضي اللبنانية..."، فماذا كانت النتيجة؟ الجواب بسيط وواضح أن لبنان انتظر 22 عاما بعد صدور القرار المذكور أعلاه ليشهد خروج المحتل الإسرائيلي ولكن ليس تنفيذا لما نص عليه القرار بل بفضل الله والمقاومة التي أجبرته على الهرب، ولو أن لبنان انتظر مجلس الأمن لكانت "إسرائيل" ما زالت جاثمة على صدور الجنوبيين حتى يومنا هذا بل إلى أبد الآبدين.

أضيف بتاريخ :2016/05/25

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد