آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قاسم حسين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

الاعتراف بوجود الآخر قبل الحوار


قاسم حسين ..

من السهل الحديث عن فضائل التعدّدية وإظهار احترام الأديان والانفتاح على الكون، ولكن من الصعب أن نحوّله إلى ممارسة يومية، وخطاب وطني جامع، ومبادئ سياسية نؤمن بها طوال العام، وليس في بعض المواسم والمناسبات.

من السهل عقد المؤتمرات في فنادق الخمس نجوم، حيث يحضرها ضيوفٌ من دول أخرى، وإظهار أقصى درجات التهجّد واحترام الأديان المنتشرة في الكرة الأرضية، ولكن من الصعب جداً أن نلتزم بأدنى درجات الاحترام لمذاهب بعضنا بعضاً، ومكوّناتنا الاجتماعية.

من السهل جداً أن نوقّع على اتفاقيات دولية تنصّ على احترام حقوق الإنسان، وتبني الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الطفل أو المرأة أو ذوي الاحتياجات الخاصة، ولكن من الصعب أن نحوّلها إلى عملةٍ حقيقيةٍ يمكن تداولها وصرفها في السوق.

لسنا بحاجةٍ إلى تبني نظريات، أو الخروج بتصريحات وتنظيرات، وإنّما نحن بحاجةٍ ماسةٍ لأن نتفق على أهم الأسس التي يقوم عليها بناء المجتمع العصري الحديث: المواطنة المتساوية، دون زيادة أو نقصان.

حين نتكلّم عن تجارب الدول المتقدمة في الغرب، يقال: إنهم «غير»؛ وحين نتكلّم عن تجارب الدول الناجحة في الشرق، ممن مروا بنفس ظروفنا التاريخية ولكنهم تقدّموا وتأخرنا، يُقال: إنهم «غير»! مع أنهم بشرٌ أمثالنا، ولديهم عوامل فشل أكبر مما لدينا، لكنهم حوّلوها إلى عناصر تقدم ونجاح.


العلة فينا، والمرض مستوطن في طرق تفكيرنا، وتفاصيل حياتنا، حتى اعتبرنا البعض دولاً وشعوباً عصيةً على الإصلاح.

لنبدأ أولاً بالاعتراف بوجود «الآخر» في حياتنا. لم يخلقنا الله نسخاً متطابقة في التفكير والشعور والمواقف السياسية وحجم العقول. لقد خلقنا مختلفين، في المشارب والاتجاهات والأفكار والطموحات، فلماذا يفترض البعض أن يكون الآخرون نسخاً مكرّرة منه؟ لماذا نطالب الآخرين بالخضوع والانصياع لرغباتنا والتسليم بمسلماتنا وأفكارنا؟

قبل أيامٍ، أعلنت إحدى الجماعات عن عزمها إجراء «حوار» مع «عقلاء» جماعة أخرى، من أجل «هدايتها إلى الحق»! فكيف يمكن أن يبدأ «حوار» انطلاقاً من فكرة مسبقة بأن الآخرين ضالون يجب هدايتهم، وليسوا أكفاء أو أنداداً تتم محاورتهم كبشر كاملي الأهلية.

مثل هذا الطرح طرح عليل معطوب، يدلّ على نواقص نفسية وعدم نضج فكري، فإذا كنت تؤمن مسبقاً بأن الآخر «ضال» من الأساس، فمن حقّه أن يعاملك بالمثل، فيحكم بضلالك أيضاً. بينما الحوار يقتضي أن تنظر إلى الآخر كنظيرٍ لك في الخلق، كامل الصلاحية، مكتمل العقل، هذا إن لم تعتبره أخاً لك في الدين.

قل إن الهدى هدى الله، وليس ما تدّعيه لنفسك ولجماعتك، وفي الأدب القرآني: «وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلالٍ مبين». وأمام هذه العنجهية الفكرية والتكبر والاستعلاء والاستطالة على البشر، هناك حاجةٌ إلى التواضع، بل والكثير من التواضع، ليكون المدخل الطبيعي لعلاج أزماتنا المستعصية، تمهيداً للإقرار بأبسط ضروريات الحياة: «المساواة»؛ وللتسليم بأهم المبادئ السياسية التي تحكم الدول المحتضرة: «المواطنة المتكافئة». فليس هناك مواطنٌ أو شعبٌ، دمّه أزرق، وآخر دمه أسود أو أصفر، كما كان يعتقد النازيون في الثلاثينيات.

إن تكافؤ الفرص، والعدل والمساواة أمام القانون، هي الأصل، وهي المبادئ التي تفتح أبواب التطور والنمو والنهوض أمام الشعوب والأمم. أما الحكم على الآخر مسبقاً بالضلال، فهو الخطوة الأولى لانتهاك حقوقه، والحط من كرامته، والتمهيد لارتكاب مختلف الجرائم ضده، انتهاءً بإزهاق الأرواح.

قليلاً من التواضع، فليس هناك من يملك الحقيقة المطلقة بيننا، وبعيداً عن العجرفة والادعاءات، تعلّموا التواضع والحكمة من أبي العلاء:
أما اليقينُ فلا يقينَ وإنّما
أقصى اجتهادي أن أظنّ وأحدسا.

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/06/23

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد