آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. محمد جواد ظريف
عن الكاتب :
وزیر خارجیة الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة

السیاسة الخارجیة الأميركیة في أزمة...


د. محمد جواد ظريف

إنّ الاتفاق النووي الإيراني مع 1 + 5 برنامج العمل المشترك الشامل حول المشروع النووي الإيراني يُعَدّ ثالث اتفاقية دولية انسحبت الحكومة الأميركية منها بعد انسحابها من اتفاقية شراكة المحيط الهادئ واتفاقية باريس للمناخ. كما أنها من خلال سلوكها قد عرّضت للخطر عدداً آخر من الاتفاقيات، كاتفاقية نافتا ونظام التجارة الحرة وأجزاء من نظام الأمم المتحدة، وألحقت خسارة كبيرة بنظام التعددية وآفاق حلّ الخلافات بالطرق الدبلوماسية. وجاء القرار الأميركي بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني وإعادة فرض العقوبات النووية على إيران في 8 أيار/ مايو 2018 بشكل أحادي الجانب وبطريقة غير قانونية، بل وعلی خلاف رأي الشعب الأميركي، ليشكل ذروة حالات نكث العهد والانتهاك المتكرّر لهذا الاتفاق من قبل الحكومة الأميركية. بينما أنّ الوكالة الدولية للطاقة ـ بصفتها المؤسّسة الوحيدة الدولية التخصصية المؤهّلة ـ قد أكدت مراراً وتكراراً التزام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتعهّداتها وفق الاتفاق النووي. وقد واجه هذا القرار الأميركي احتجاج المجتمع الدولي وحتى شركاء أميركا القريبين منها كالاتحاد الأوروبي وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.

كما أنّ وزير الخارجية الأميركي الجديد، أدلی في 21 أيار/ مايو 2018 بتصريحات واهية مسيئة ذات طابع تدخلي، أثار خلالها بعض المطالب ووجّه تهديدات ضدّ إيران، مما يتعارض تعارضاً سافراً مع الأعراف الدولية المعترف بها، كما يتعارض تماماً مع أحكام القانون الدولي والسلوك الحضاري. إنّ هذه التصريحات، قبل أيّ شيء، تمثل ردّ فعل مرتبكاً من قبل الحكومة الأميركية تجاه الموقف الدولي الموحّد والمعارض للجهود الأميركية الرامية إلی القضاء علی الاتفاق النووي، وتجاه العزلة الناتجة عنها. والواقع أنّ السيد بومبيو حاول خلال هذه التصريحات تبرير الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي المتعدّد الأطراف، وحرف الرأي العام الدولي عن هذا العمل غير القانوني وانتهاك قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 الذي كانت الحكومة الأميركية قد اقترحت نصه وتمّ إقراره بالإجماع. فقد كانت الشروط الـ 12 المطروحة في كلمة الوزير الأميركي مضحكة لأنّ أميركا نفسها هي التي قد أصبحت معزولة بسبب تفرّدها ومحاولتها إضعاف مسار التعددية. فليس بلا سبب أنه يلاحَظ أنّ هذه الكلمة وكلمة الرئيس الأميركي قد واجهتا موقفاً سلبياً وعدم اهتمام من المجتمع الدولي وحتى من قبل أصدقاء أميركا، ولم يدعمهما إلا عدد قليل من السائرين في الفلك الأميركي في منطقتنا.

إنني أشك في أنّ وزير الخارجية الأميركي كان يدلي بمثل هذه التصريحات لو كان لديه قليل من المعلومات عن تاريخ إيران وحضارتها وعن النضال التاريخي للشعب الإيراني من أجل الاستقلال والحرية، أو علم أنّ النظام السياسي القائم في إيران ـ علی خلاف أنظمة بعض حلفاء أميركا في المنطقة ـ هو نظام منبعث من ثورة شعبية ويقوم علی إرادة الشعب. عليه أن يدرك بأنّ أحد التطلعات الكبرى للشعب الإيراني كان يتمثل في وضع نهاية للتدخل الأجنبي في إيران، هذا التدخل الذي قد بلغ حدّه الأقصى خلال فترة الـ 25 سنة بعد الانقلاب العسكري الذي وقع عام 1963م. عليه أن يعلم أنه خلال العقود الأربعة المنصرمة قد وقف الشعب الإيراني شامخاً مرفوع الرأس بوجه مختلف أنواع الاعتداءات والضغوط الأميركية، بما فيها محاولاتها لتمرير الانقلاب والتدخل العسكري، ودعمها للمعتدي خلال الحرب المفروضة علی إيران، وفرضها عقوبات أحادية الجانب وتعميمها علی خارج حدودها، وحتى قيامها بإسقاط طائرة ركاب مدنية إيرانية وما إليها… فلن ينسی الشعب الإيراني هذه الوقائع أبداً.

إنّ أكبر سند للنظام السياسي الإيراني هو الشعب الإيراني المتحرّر المسالم، الذي يقبل التعامل البنّاء مع العالم علی أساس الاحترام المتبادل، وفي الوقت نفسه مستعدّ في صف واحد وبصوت واحد للمقاومة والتصدي للبلطجة والابتزاز، والدفاع عن استقلاله وعزّته. ويشهد التاريخ أنّ كلّ الغزاة الذين هاجموا هذه الأرض العريقة المتحضّرة، كأمثال صدام وحماته، كان مصيرهم الذلّ والهوان، وبقيت إيران تواصل طريقها شامخة مرفوعة الرأس مستبشرة بمستقبلها المشرق.

المؤسف أنّ السياسة الخارجية الأميركية ـ إنْ كانت هناك سياسة فعلاً ـ بما فيها سياستها تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بُنِيت أسسها، خلال فترة السنة والنصف المنصرمة، علی تصوّرات واهية وأوهام فارغة. وإنني إذ أرفض التهم الواهية الموجّهة باستمرار من قبل كلّ من الرئيس الأميركي ووزير الخارجية الأميركي، والتي تُعتبر تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية الإيرانية وتهديداً بلا وجه قانوني ضدّ أحد أعضاء الأمم المتحدة، وتتعارض بوضوح مع تعهّدات أميركا الدولية بموجب ميثاق الأمم المتحدة ومعاهدة عام 1955م وبيان الجزائر لعام 1980م، أودّ جلب انتباه قادة حكومة الولايات المتحدة إلی بعض جوانب السياسة الخارجية المتبعة من قبل هذه الحكومة والتي تلحق الخسارة بالمجتمع العالمي كافة:

1. إنّ نمط سلوك الرئيس الأميركي وقراراته الفجائية البعيدة عن المنطق، ومحاولات حاشيته إيجاد مبرّرات وأعذار لغرض إقناع المخاطَبين في الداخل والخارج، قد تحوّل مع الأسف سمة بارزة لمسار اتخاذ القرارات في واشنطن خلال الـ 17 شهر الماضية. إنّ اتخاذ مثل هذه القرارات وإطلاق التصريحات غير المدروسة المرتبكة لتبريرها، يؤدّي عادة إلی التناقض في الأقوال والأفعال. فعلی سبيل المثال، نری أنّ السيد بومبيو، مرة في جلسة استماع الكونغرس بصفته رئيساً لـ «سي أي آي»، وفي معرض الإجابة علی سؤال النواب، يؤكد قائلاً بأنّ «إيران لم تخرق بنود الاتفاق النووي». لكنه بعد قرار الرئيس الأميركي بالانسحاب من الاتفاق المذكور، صرّح خلال كلمته في 21 أيار/ مايو 2018م بأنّ «إيران قد خرقت بنود الاتفاق النووي»، وذلك خلافاً لكلامه السابق وخلافاً للآراء التخصّصية الصادرة بهذا الشأن من الوكالة الدولية للطاقة النووية!

2. ليس من قبيل المبالغة إذا قيل إنّ بعض جوانب السياسة الخارجية الأميركية قد تمّ عرضها للمزاد العلني خلال هذه الفترة، وذلك يعني أنّ الأمر يتجاوز كثيراً حدود عمليات اللوبي المعتادة. علی سبيل المثال، لم يسبق لرئيس أميركي حتى اليوم، أن يكرّر خلال فترة حملته الانتخابية وصف دولة بأنها «دولة متحجّرة داعمة للإرهاب»، ثم يختار هذه الدولة مقصداً لأول رحلة خارجية له، أو يجعل علناً بعض جوانب السياسة الخارجية الأميركية مشروطة ومتوقفة علی شراء الأسلحة أو سلع أخری من قبل هذه الدولة أو تلك. حتى أنّ هناك تقارير تشير إلی حالات أصبحت مصالح مادية بحتة معظمها لاشرعية تشكل منطلق العمل في السياسة الخارجية الأميركية.

3. إهمال القوانين والأنظمة الدولية والعمل علی تدمير أيّ شرعية في النظام الدولي، من الوجوه البارزة الأخرى للسياسة الخارجية المتبعة من قبل الإدارة الأميركية الحالية، إلی درجة أنه بموجب التقارير الخبرية، كان مندوبو الولايات المتحدة قد عارضوا إدراج تعابير تؤكد ضرورة رفع مستوی «النظام الدولي المبني علی القانون» خلال مناقشة بيان اجتماع مجموعة الـ 7 في كندا. وبدأت إدارة ترامب نهجها المدمّر هذا من خلال رفضها مبدأ «الوفاء بالعهد» الأساسي. إنّ انسحاب أميركا من عدد من الاتفاقيات الدولية وتعريضها لعدد آخر منها للخطر، لا سيما الإجراءات التي هي بصدد تنفيذها ضدّ المنظمات الدولية، كلّ ذلك نماذج عن الإجراءات التدميرية التي قامت بها هذه الإدارة حتى الآن، مما جعل ـ للأسف ـ آفاق النظام الدولي مظلمة. ومن البديهي أنّ الاستمرار في مثل هذه السياسات من شأنه أن يعرّض استقرار المجتمع الدولي للخطر ويجعل الحكومة الأميركية في موقع «متمرّد دولي خارج على القانون».

4. الاستغراق في الأحلام والاعتماد علی الأوهام، يشكل وجهاً آخر من السياسة الخارجية للحكومة الأميركية. وهذا النمط من التعامل الأميركي ظهر جلياً في السياسة الخارجية بخاصة في ما يرتبط بمنطقة غرب آسيا. إنّ الإجراءات الأميركية اللاشرعية الخطرة في ما يخصّ القدس الشريف، والدعم الأعمى للإجراءات الوحشية التي يقوم بها الكيان الصهيوني في غزة، والقيام بحملات جوية وصاروخية علی بعض المناطق في سورية… كلها من الوجوه البارزة لهذه السياسة غير المبدئية.

ذروة التوهّم الأميركي

إنّ تصريحات السيد بومبيو في يوم 21 أيار/ مايو تمثل ذروة التوهّم الذي يعتري المسؤولين في الإدارة الأميركية الحالية حول منطقتنا. ففي الوقت الذي أصبح المجتمع الدولي يتردّد بشكل جدّي في إمكانية إجراء الحوار والتفاهم مع الإدارة الأميركية الحالية حول أيّ موضوع، يأتي وزير خارجية الولايات المتحدة ليضع شروطاً لإجراء المباحثات والتفاهم مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. إنّ الحكومة التي انتهكت الاتفاق النووي الذي جاء نتيجة مئات الساعات من المباحثات الثنائية ومتعدّدة الأطراف بحضور مسؤولين أميركيين على أعلی المستويات، والذي تحوّل إلی تعهّد دولي بموجب المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة من خلال قرار تبنّته الحكومة الأميركية نفسها في مجلس الأمن الدولي وأقرّه كلّ أعضاء هذا المجلس الذي تكون أميركا من أعضائه الدائمين، نعم، كيف يمكن لمثل هذه الحكومة أن تتوقع إجراء مباحثات جديدة معها؟ حتى أنّ التبرير المضحك المتمثل في جواز الانسحاب من الاتفاق النووي لكونه نتيجة مباحثات أجرته الإدارة الأميركية السابقة، يبقی تبريراً باطلاً مرفوضاً بعد الأعمال والتصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي الذي أثبت أنه سينقض اتفاق شخص رئيس الجمهورية في غضون ساعات. فمبادرة الرئيس الأميركي إلی الانسحاب من إعلان مجموعة الـ 7 يعدّ نموذجاً بارزاً من هذا النهج السلوكي المناقض للقانون. كما أنّ تصريحات الرئيس الأميركي خلال مقابلة صحافية أجراها بعد لقائه مع زعيم كوريا الشمالية على الفور، يشكل نموذجاً آخر من تعامل حكومة خطرة وغير عقلانية. تری هل يتوقع وزير الخارجية الأميركي من الجمهورية الإسلامية أن تدخل في مفاوضات مع حكومة يعلن رئيسها «إذا أدركت بعد ستة أشهر أنني قد أخطأت، فإنني سأجد ذريعة ما». وهل لمثل هذه الحكومة أن تضع الشروط لإيران في محاولة لوضع الشاكي مكان المتشاكي؟ لقد نسي هذا الوزير أنّ الحكومة الأميركية الحالية هي التي يجب عليها إثبات مصداقية كلامها وتوقيعها، لا ذلك الطرف الذي التزم بوعوده وتعهّداته الدولية. الواقع أنّ الإدارات الأميركية المتلاحقة عبر سبعة عقود منصرمة هي التي يجب عليها أن تخضع للمساءلة بسبب إهمالها للقوانين الدولية ونقضها الصارخ للاتفاقيات الثنائية ومتعدّدة الأطراف مع إيران. إنّ قائمة وجيزة بمطالبات الشعب الإيراني والحكومة الإيرانية لحكومة الولايات المتحدة، من شأنها أن تتضمّن ـ علی أقلّ تقدير ـ ما يلي:

مطالبات الشعب الإيراني

1. علی الحكومة الأميركية أن تحترم استقلال إيران وسيادتها الوطنية، وتعطي ضماناً بأنها ستنهي تدخلاتها في إيران بموجب ما تعهّدته عبر معاهدة الجزائر لعام 1980م.

2. على الحكومة الأميركية أن تتخلى رسمياً عن أسلوب التهديد واستخدام القوة كأداة للسياسة الخارجية ضدّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية وغيرها من الدول، مما يتناقض مع المبادئ الآمرة في القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وقد ألحق خسائر جمة بشعوب العالم وشعوب منطقتنا والشعب الأميركي.

3. علی الحكومة الأميركية أن تحترم حصانة حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية الأمر الذي يعتبر من المبادئ الأساسية للقانون الدولي، وأن تلغي ما أصدرته من أحكام تعسفية غير قانونية وتكفّ عن تطبيقها سواء داخل الولايات المتحدة أو في سائر الدول.

4. علی الحكومة الأميركية أن تعترف بالأعمال غير القانونية التالية التي قامت بها طوال العقود المنصرمة ضدّ الشعب الإيراني، كما عليها أن تقوم بالتعويض عن الخسائر التي لحقت بالشعب الإيراني من جراء ذلك وتقدّم ضماناً يمكن اختبار مصداقيته، بأنها ستكفّ عن الاستمرار فيها والعودة إليها:

دورها في الانقلاب العسكري الذي أدّى في 19 آب 1953م إلی إسقاط الحكومة الوطنية الشرعية في إيران، وألحقت خسائر وأضرار كبيرة بالشعب الإيراني من جراء استمرار الحكومة الانقلابية المستبدّة في إيران طوال مدة 25 سنة.

قيامها بحجز ومصادرة عشرات مليارات الدولارات من أموال وممتلكات الشعب الإيراني بلا وجه قانوني، سواء ما تمّ تجميده منها في أميركا بعد انتصار الثورة الإسلامية عام 1979م، أو ما تمّت مصادرته خلال الأعوام الماضية تحت ذرائع واهية وعلى غير وجه قانوني.

اعتداؤها العسكري علی الأراضي الإيرانية عام 1980م وانتهاكها الصارخ والسافر لسيادة إيران ووحدة أراضيها.

مساعداتها العسكرية والتسليحية والاستخبارية السخية للدكتاتور العراقي المقبور صدام حسين خلال فترة 8 سنوات من الحرب المفروضة علی الشعب الإيراني.

دورها المباشر في معاناة جمع غفير من الإيرانيين المصابين بالأسلحة الكيمياوية العراقية التي تمّ تزويد صدام بأجزائها من قبل أميركا وحلفائها الغربيين.

إسقاط طائرة الركاب المدنية الإيرانية بواسطة فرقاطة وينسنس الأميركية في 3 تموز/ يوليو 1988م مما أودی بحياة ما يزيد علی 290 مدني بريء من الركاب والطاقم، ثم منح الوسام لقائد تلك الفرقاطة.

قيامها بضرب المنصات النفطية الإيرانية عبر هجمات متكرّرة خلال ربيع عام 1988م.

توجيه تهم وإساءات واهية إلی الشعب الإيراني الشريف باستمرار، كتسميتها الشعب الإيراني بـ «الشعب المتمرد المجرم» أو «الشعب الإرهابي» أو «محور الشر».

إدراج المسلمين بمن فيهم المواطنون الإيرانيون في قائمة الممنوعين من دخول الأراضي الأميركية وذلك بأسلوب غير قانوني وعنصري وغير مبرّر. إنّ الإيرانيين في أميركا هم من أكثر الجاليات نجاحاً وثقافة والتزاماً بالقانون، كما أنهم قدّموا خدمات كبيرة لمجتمعهم. وها هم اليوم محرومون من اللقاء بأقربائهم حتى الجدّ والجدة.

قيامها بإيواء أشخاص من دعاة ممارسة العنف ضدّ إيران في أميركا وحماية الجماعات الشريرة من الميليشيات والمنظمات الإرهابية التي كانت بعضها طوال سنوات ضمن قائمة الجماعات الإرهابية لدى الحكومة الأميركية نفسها ثم تمّ شطبها من هذه القائمة قبل سنوات عدة بفعل محاولات لوبي مؤجّجي الحروب ومن يتقاضون الرواتب من هذه المنظمات ممن أصبح بعضهم اليوم في عداد المسؤولين من الطراز الأول في الإدارة الأميركية الحالية.

دعمها للمنظمة الاستخبارية التابعة للكيان الصهيوني موساد لغرض القيام بأعمال إرهابية أسفرت عن استشهاد علماء نوويين إيرانيين.

قيامها بعمليات التخريب في المشروع النووي الإيراني من خلال الحروب السايبرية.

العمل على تزوير المستندات وخداع المجتمع الدولي والترويج للأزمة المفتعلة.

5. على الحكومة الأميركية أن تتخلى عن سياساتها العدوانية وعدوانها الاقتصادي المستمر طوال أربعة عقود ماضية ضدّ الشعب الإيراني، وأن تلغي العقوبات الظالمة الواسعة النطاق والمباشرة والتي تتعدّی حدود أميركا، وتوقف فوراً مئات من اللوائح والأوامر التنفيذية الصادرة بهدف عرقلة المسار الطبيعي للتنمية في إيران، مما يشكل انتهاكاً سافراً للقانون الدولي والمعاهدات النافذة، وتمّت إدانته من قبل الجميع، وتقوم بالتعويض عن الخسائر الجسيمة التي لحقت بشعب إيران واقتصادها من جراء ذلك.

6. على الحكومة الأميركية أن توقف فوراً أسلوبها في الغدر ونقض للعهد ونقضها السافر للاتفاق النووي مما ألحق بإيران خسائر مباشرة وغير مباشرة تبلغ مئات المليارات من الدولار بسبب فرض الحظر علی التجارة مع إيران والاستثمار فيها، وأن تعوّض عن الخسائر الواردة بالشعب الإيراني، وتتعهّد بطريقة يمكن اختبار مصداقيتها بأنها تنفذ دون قيد أو شرط كلّ ما تعهّدت به في الاتفاق النووي، وأنها بموجب ما نصّ عليه الاتفاق النووي ستمتنع عن أيّ عمل يعرقل طريق تطبيع العلاقات الاقتصادية الإيرانية.

7. على الحكومة الأميركية أن تبادر فوراً إلى إطلاق سراح جميع المواطنين الإيرانيين وغير الإيرانيين ممن وُجّهت إليهم تهم مفتعلة بخرق العقوبات المفروضة علی إيران، فأودعوا السجون الأميركية أو تمّ اعتقالهم في سائر الدول بفعل الضغوط اللاقانونية من قبل الحكومة الأميركية لغرض تسليمهم إلى أميركا وهم يعانون أقسی الظروف تحت الاعتقال اللاقانوني، كما يجب أن تقوم بالتعويض عن الخسائر التي لحقت بهؤلاء وذويهم، حيث يوجد بينهم نساء حوامل وشيوخ طاعنون في السن ومرضی. وقد لقي البعض منهم حتفه في السجن.

8. علی الحكومة الأميركية أن تعترف بتداعيات غزوها العدواني التدخلي لهذه المنطقة، بما فيها العراق وأفغانستان وكذلك الخليج الفارسي، وتسحب قواتها من المنطقة وتضع نهاية لتدخلها في شؤون المنطقة.

9. علی الحكومة الأميركية أن تضع نهاية للسياسات والإجراءات التي أدّت إلى إيجاد جماعة داعش الإرهابية اللاإنسانية وغيرها من الجماعات المتطرفة، وترغم حلفاءها في المنطقة علی إيقاف الدعم المالي والتسليحي والسياسي للجماعات المتطرفة في هذه المنطقة وفي العالم، وذلك بطريقة يمكن اختبار مدی مصداقيتها.

10. علی الحكومة الأميركية أن تتخلی عن توفير السلاح للطرف المعتدي في اليمن والمشاركة في الهجمات المتكرّرة علی الشعب اليمني المظلوم وقتل الآلاف من أبنائه وتدمير بلده، وأن ترغم حلفاءها علی إنهاء العدوان علی الشعب اليمني والتعويض عن الخسائر الناجمة عنه.

11. علی الحكومة الأميركية أن تحترم القوانين والأنظمة الدولية وتبادر إلی وقف دعمها اللامحدود للكيان الصهيوني وتدين سياسة الأبارتهايد والانتهاك المستمر لحقوق الإنسان من قبل هذا الكيان، وتدعم بشكل فعلي حقوق الشعب الفلسطيني وبوجه خاص حقه في تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف.

12. علی الحكومة الأميركية أن تبادر إلی وقف بيع الأسلحة الفتاكة ـ وليس الجميلة ـ بقيمة مئات المليارات من الدولار إلی المناطق المتأزمة في العالم، وبخاصة منطقة غرب آسيا. فبدلاً من أن تحوّل المناطق المتأزمة إلی مخزن بارود، يجب أن تدع هذه المبالغ الباهظة توظّف لتنمية الدول ومكافحة الفقر في العالم، حيث إنّ جزءاً من نفقات شراء الأسلحة من قبل زبائن أميركا من شأنه أن يكون عاملاً لإزالة الجوع والفقر المدقع، وتوفير المياه الصالحة للشرب، ومكافحة الأمراض و… في كلّ أرجاء العالم.

13. علی الحكومة الأميركية أن تتخلی عن معارضتها لموقف المجتمع الدولي المطالب منذ خمسة عقود بإيجاد منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، وأن ترغم الكيان الصهيوني المحتلّ المعتدي علی نزع سلاحه النووي، وتعمل علی إزالة أكبر خطر يهدّد فعلاً السلام والأمن الإقليميين والعالميين، أيّ وجود أفتك الأسلحة بيد كيان هو أكبر معتد ومؤجّج للحروب علی مرّ التاريخ المعاصر.

14. علی الحكومة الأميركية التخلي عن اعتمادها المتزايد علی الأسلحة النووية ومنهج التهديد باستخدام هذه الأسلحة اللاإنسانية أمام الأخطار غير النووية، مما يعتبر انتهاكاً سافراً لما تعهّدت به تلك الحكومة بموجب المادة 6 من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، والقرار الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية، والبيان الصادر عن اجتماع مراجعة وتجديد معاهدة حظر الأسلحة النووية عام 1995م، وقرار مجلس الأمن رقم 984 وأن تعمل بواجبها الأخلاقي ـ القانوني ـ الأمني في نزع السلاح النووي بشكل كامل، الأمر الذي يشكل مطلب الأغلبية الساحقة من أعضاء الأمم المتحدة وحتى وزراء خارجية أميركا السابقين، كما أنه مطلب كلّ أبناء البشر الموجودين علی وجه الأرض بالتأكيد. فإنّ الحكومة الأميركية ـ باعتبارها الدولة الوحيدة التي سجلت في التاريخ باسمها عار استخدام السلاح النووي، عليها أن تخلّص البشرية من كابوس المحرقة النووية العالمية المشؤوم والأمن الوهمي الذي أرسي بنيانه علی أساس الزوال الحتمي للطرفين.

15. علی الحكومة الأميركية أن تتعهّد لجميع الأطراف المتعاقدة معها وللمجتمع الدولي بأنها تحترم مبدأ الوفاء بالعهد الذي يعدّ أهمّ قاعدة في القانون الدولي ويمثل أساساً للعلاقات الإنسانية المتحضرة، وأن تتخلى رسمياً ـ بل وأهم من ذلك عملياً ـ عن المنهج الخطر المتمثل في استغلال القانون الدولي والمنظمات الدولية كـ «إحدى الأدوات المعتمدة في صندوق أدوات الولايات المتحدة».

لا ثقة بالحكومات الأميركية

إنّ ما سبقت الإشارة إليه من سياسات حكومة الولايات المتحدة، تعدّ نموذجاً من أسباب عدم ثقة الشعب الإيراني في حكومة الولايات المتحدة، ليس هذا فحسب، وإنما هي أحد الأسباب المهمة الرئيسية لانعدام العدالة وانتشار العنف والإرهاب والحرب وانعدام الأمن في العالم وعلی وجه الخصوص في منطقة غرب آسيا. ولم تؤت هذه السياسات ثماراً للشعب الأميركي الشريف المتحضّر سوی العبء المالي والروحي الثقيل وعزلة حقيقية لدی الرأي العام في الأغلبية الساحقة لدول العالم. فلم يجنِ ثمارها إلا عدد محدود من منتجي الأسلحة الفتاكة. وإذا امتلكت حكومة الولايات المتحدة شجاعة تمكنها من التخلي عن هذه السياسات رسمياً وفعلياً من أجل أمن ورفاهية شعبها، فإنّ عزلة أميركا الدولية في هذه الحالة تنتهي وتبرز صورة جديدة عن أميركا في إيران والعالم، وتتهيأ الظروف الملائمة لحركة مشتركة باتجاه الأمن والاستقرار والتمنية الشاملة والمستدامة.

ويجب أن نعترف بأنّ التطلع إلى تغيير سلوك الولايات المتحدة، مع الأسف، لا يبدو واقعياً علی ضوء الظروف الراهنة. ولذلك، بذلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية جهودها دوماً علی المستوی العالمي في سبيل الترويج للشمولية والتعددية والحوار واحترام سيادة القانون ونزع السلاح النووي، وذلك من خلال تقديم مبادرات من قبيل «حوار الحضارات» و «العالم ضدّ العنف والتطرف» والمشاركة الفعّالة في المساعي العالمية الرامية إلی تحقيق نزع سلاح نووي ونظام دولي مبني على القانون. كما أننا قدّمنا حلولاً عملية لحلّ الأزمة في كلّ من سورية واليمن سلمياً وذلك منذ أوائل أيام هاتين الأزمتين، وشاركنا بفعالية في المبادرات السياسية الجادة. إلا أنه في كلّ هذه الأزمات قامت الولايات المتحدة، ومع الأسف، بحماية المعتدين والإرهابيين. كما أننا علی أثر انسحاب أميركا من الاتفاق النووي بذلنا جهوداً صادقة مع سائر أعضاء الاتفاقية المتبقين من أجل الحفاظ علی هذا الإنجاز الدبلوماسي العالمي المهمّ ولا نزال نواصل هذا المسار.

وعلی الصعيد الوطني، عكفنا خلال العقود الأربعة الماضية علی توفير الضمان لأمننا واستقرارنا من خلال الاستعانة بقدراتنا الذاتية الداخلية، وبالاعتماد علی الشعب الإيراني الباسل العظيم، وليس بالاتكال علی حماية الدول الأجنبية أو التبعية لها. فأصبحت إيران تزداد قوة وثباتاً وتقدّماً يوماً بعد يوم، رغم كلّ الضغوط الخارجية ومع أقلّ قدر ممكن من النفقات التسليحية علی مستوی المنطقة.

نعارض الهيمنة ونرفض الخضوع

أما علی الصعيد الإقليمي، فإنّ إيران خلافاً لأميركا وسياستها الخارجية، تعارض ـ بموجب أحكام دستورها ـ أيّ نوع من فرض الهيمنة أو الخضوع لها. وهي على قناعة بأنّ عهد الهيمنة العالمية والإقليمية قد ولّی. وأنّ السعي للسير في هذا الاتجاه يبقی بلا جدوى. إننا كدول هذه المنطقة يجب أن نحاول إيجاد منطقة أقوی وأكثر تقدّماً واستقراراً، بدلاً من الرضوخ للهيمنة الأجنبية أو محاولة فرض الهيمنة علی الجيران. إننا في إيران نری أمننا وتقدّمنا في أمن واستقرار جيراننا ومنطقتنا. إننا وجيراننا يجمعنا تاريخ مشترك وثقافة مشتركة وتحديات وفرص متلازمة لا تنفصل عن بعضها البعض. ولا يمكننا أن نذيق حلاوة الأمن والاستقرار والتنمية لمواطنينا إلا في ظلّ تحقيق الأمن والاستقرار داخلياً ودولياً لبعضنا البعض. ونأمل من سائر دول المنطقة أن يكون لديها توجه مماثل، وأن تركز علی الحوار والفهم المشترك وبناء الثقة وتضافر الجهود والتعاون مع الجيران، بدلاً من تبنّي المنهج الذي سبق اختباره وفشله والمتمثل في «شراء الأمن وإناطته بالخارج».

إنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية تری أنّ أفضل طريق لحلحلة الأزمات الإقليمية وتحقيق منطقة أقوی يتمثل في تشكيل «مجمع الحوار الإقليمي في الخليج الفارسي»، لكي يبدأ في اتخاذ الإجراءات التي تبني الثقة بهدف التقريب بين دول المنطقة علی أساس مبادئ مشتركة مثل تكافؤ حق السيادة الوطنية بين الدول، وتجنّب التهديد واللجوء إلی القوة، وحلّ النزاعات بالطرق السلمية، واحترام وحدة أراضي الدول، وحظر المساس بالحدود الدولية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام حق الدول في تقرير المصير وأن يتوصل إلی معاهدة لعدم التعرّض وإيجاد الآليات المشتركة للتعاون الإقليمي من خلال إيجاد فهم مشترك حول التهديدات والفرص الإقليمية والعالمية. إننا نؤمن بجدٍّ أنّ منطقتنا ـ باعتبارها وريثة أثری حضارة شهدها العالم ـ يجب أن تعالج مسائلها بنفسها بشكل مقتدر ودون تدخل من الأجانب أو تبعية لهم. لأنّ ذلك لا يؤدّي إلا إلی فرض تكاليف باهظة علی عزتنا المشتركة وتنميتنا المستقبلية. عسی أن نرسم مستقبلاً أفضل لأولادنا.

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2018/06/29

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد