آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. عبد الله سالم بن غوث
عن الكاتب :
أستاذ طب المجتمع – جامعة حضرموت

تعدُّدْ الأوبئَةِ: الوجه القبيح للحرب في اليمن

 

أ. د. عبد الله سالم بن غوث

للحروب عدة أوجه لكن كلها قبيحة. فالأمراض و انتشار الأوبئة احد هذه الوجوه القبيحة للحرب الدائرة في اليمن منذ عام 2015 م و حتى الآن  و ما يتم من معالجة و احتواء إلا مهدئات مؤقتة لكن خطر تجدد و تنوع و انتشار الأوبئة لا زال قائما، فما هي الأوبئة التي حدثت في مختلف مناطق اليمن منذ بداية الحرب عام 2015م إلى الآن و هل المساعدات الإنسانية قضت على هذه الأوبئة أم محددات حدوثها لازالت قائمة مما ينذر بتجددها من حين لآخر؟

تشير التقارير الدولية أن الحرب في اليمن نتجت أكبر كارثة إنسانية يشهدها العالم في العصر الحديث على الإطلاق بالإضافة على ضحايا الحرب الذين يقدرون ب 10,000 ضحية و اثنين مليون نازح و 400 ألف طفل دون الخامسة من العمر يعاني من سوء تغذية حاد.  تقرير الاوتشا للاحتياجات الإنسانية في اليمن لعام 2018م يؤكد أن 22,2 مليون شخص في اليمن بحاجه إلى أي نوع من المساعدات منهم 11,3 مليون شخص محتاجين للمساعدة العاجلة أي بزيادة مليون شخص عن عام 2017م.

خلال الفترة من عام 2015م إلي أغسطس 2018م شهدت معظم محافظات اليمن أوبئة متعددة كان أكبرها وباء الكوليرا الذي وصف بأنه أسوأ كارثة و بائية للكوليرا في العالم، فمنذ إعلان اليمن منكوبا بوباء الكوليرا في 27 أبريل 2017م و حتى تاريخ 19 أغسطس 2018م سجلت مليون و مئة و خمسة و أربعين ألفا و أربعمائة و واحد و تسعين حالة مشتبهة  بالكوليرا (كانت أغلبها في العاصمة صنعاء) توفت منها2,379 حالة شديدة بمعدل أماته 0,21% . ثم ظهر وباء الدفتيريا في النصف الثاني لعام 2017م  بمعدل إماتة مرتفعة وصلت على المستوى الوطني إلى لحد 5% بنهاية أغسطس 2018 بينما كانت بنهاية عام 2017م حوالي 9% و ذلك قبل إمداد المستشفيات بمضاد سموم بكتيريا الدفتريا و قد سجل العدد التراكمي لحالات الدفتيريا المحتملة منذ 13 أغسطس 2017م إلى 19 أغسطس 2018م حوالي 433 حاله (كانت أغلبها في محافظتي أب و الحديدة).  منها 116 وفاه و كان 46% من الحالات المحتملة غير مطعمين بينما 69% من الوفيات غير مطعمة سابقا بلقاح توكسويد الدفتريا التي كان يتواجد على شكل اللقاح الثلاثي ثم على شكل اللقاح الخماسي المتوفر حاليا في المرافق الصحية. أما الحصبة  فظهرت على شكل أربعة أوبئة متفرقة خلال الفترة بعد عام 2015م و لا تزال بعض المديريات تسجل حالات حصبة و قد أشارت بعض التقارير الدولية إلى خطر انتشار أوبئة الحصبة بعد أن سجل البرنامج الوطني للتحصين تراجعا في تحقيق التغطية بالتطعيم ضد الحصبة من 70-80% قبل عام 2015م إلي 54% عام 2015م. و لم يكتمل عام 2017م إلا و ظهر وباء التهاب السحايا (الحمى الشوكية)  في ستة محافظات  حيث سجلت 2854 حالة مؤكده توفي منها 60 حاله بمعدل أماته 2,1% و كان 69% من هذه الحالات هم أطفالا دون الخامسة من العمر. ورغم أن أغلب الحالات سجلت في العاصمة صنعاء (1012 حاله) إلا إن مستشفيات عدن سجلت أعلى معدل أماته 12/184 (6,5%).

 و كان لتدهور الوضع البيئي و التغير المناخي إسهاما مباشرة في تجدد أوبئة حمى الضنك و الملاريا كأمراض متوطنة ذو طبيعة وبائية فقد رصدت للفترة من عام 2105م إلى نهاية عام 2017م في ست محافظات موبوءة بفيروس الضنك زيادة في حالات حمى الضنك من 8,408 حاله عام 2015م إلى  23,117 حاله عام 2016م و بعد تدخل محدود عام 2017م  تراجعت حالات الضنك إلى 13,520 حاله فقط  ثم توقفت إجراءات المكافحة المنتظمة مما ينذر بتجدد الأوبئة خصوصا في محافظة عدن و شبوة  و تعز حيث سجلت عدن خلال عام 2017م أكبر معدل أماته من الضنك بينما سجلت شبوة و تعز عدد من الأوبئة المحدودة  في المناطق النائية. فقد سجل في عدن 76 وفاه عام 2015م و 54 وفاه عام 2016م بينما في عام 2017م سجلت 8  حالات وفاه بسبب حمى الضنك رغم جهود مكثفة بذلت لمكافحة المرض مما يدل إن هذه الأرقام تمثل قمة جبل الجليد و ما خفي كان أعظم. جدير بالذكر أن أوبئة حمى الضنك تجدد كل عام من منطقة لأخرى  و كان أشهرها وباء الضنك في الحديدة عام 2005م و وباء الضنك في المكلا عام 2010م و كل الأوبئة سببها فيروس الضنك من النوع 3.

أما الوضع الوبائي للملاريا مهدد بالتدهور بعد النجاحات التي حققها البرنامج الوطني لمكافحة الملاريا قبل عام 2015م خصوصا انتشار أوبئة الملاريا المنجلية الأكثر خطورة حيث سجلت خلال عامي 2017م و 2018م أوبئة في كل من شبوه (رضوم) و المهره (الغيظة) كما ارتفعت معدلات حدوث الملاريا من 5/1000 عام 2015م إلى 8/1000 عام 2016م  إي من       104,831 حالة ملاريا مشتبهة إلى 144,628 حاله عام 2016م ( أغلب حالات الملاريا تسجل من محافظتي حجه و الحديدة). جدير بالذكر إن الدعم الدولي لأنشطة الملاريا لليمن انخفض بنسبة 40% عام 2014م تزامنا مع حدوث الحرب و انهيار النظام الصحي مما أدى إلى تراجع مؤشرات الملاريا و حدوث أوبئة و رغم من عودة الدعم عام 2017م إلا أنه لا يكفي لتحقيق المؤشرات المأمولة.

الحرب ليست السبب الوحيد لِتجدُّدْ و تعدُّدْ المشهد الوبائي في اليمن إلا أنها ساهمت بطريقة أو بأخرى في تعقيد الوضع الصحي و منها إضعاف قدرة النظام الصحي على الاستجابة و احتواء الأوبئة  و الوصول إلى التغطية الصحية الشاملة للإجراءات الوقائية و العلاجية و منها التحصين الشامل  للأطفال من الأمراض الممكن الوقاية منها بالتطعيمات. يذكر أن وضع كارثي قبل حدوث الحرب عام 2015م ساهم أيضا في تعقيد الوضع الصحي و انتشار الأوبئة منها ضعف التغطية بالمياه الصالحة للشرب وضعف الإصحاح البيئي و ازدياد معدلات الفقر و سؤ التغذية.

و رغم المساعدات الدولية و الإقليمية لليمن لتخفيف معاناة المواطنين و مكافحة الأمراض إلا إن هذا نراه ليس كافيا ما دامت الحرب تلتهم أي ايجابيات للمساعدات لأن المساعدات ليست ذا توجه تنموي فلذلك نرى كي تستثمر هذه المساعدات الإنسانية على المدى المتوسط لبناء الإنسان و التنمية و تعزيز الصحة يجب إلا تفصل عن الحل السياسي و التنموي كمنظومة متكاملة فاليمن يحتاج بعد وقف الحرب و إحلال السلام  إلى  إعادة تأهيل البنية التحتية للتنمية و تنمية الموارد البشرية أكثر من حاجته للمساعدات المؤقتة بما يعني أن وقف الحرب أصبح ضرورة.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/09/09

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد