آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
رضوان الأخرس
عن الكاتب :
كاتب فلسطيني

المسجد الإبراهيمي من الفجر إلى الفجر

 

رضوان الأخرس

فجر يوم الجمعة في الخامس والعشرين من فبراير عام 1994 ضجت جنبات المسجد الإبراهيمي في مدينة خليل الله سيدنا إبراهيم عليه السلام في الضفة الغربية بأصوات زخات من الرصاصات وصرخات مصلين نالت منهم رصاصات المجرم الإسرائيلي باروخ غولدشتاين.

بينما كان المصلون سجوداً بادرهم المجرم بالطلقات الغادرة والقنابل حتى ابتل سجاد المسجد بالدماء، وتناثرت الأشلاء في المكان، المكان الذي يعتبر ثاني أهم المعالم الإسلامية في فلسطين، ويروى أن سيدنا إبراهيم دفن فيه.

ارتقى في المجزرة «29 شهيداً وجرح 15 آخرين، وسرعان ما ارتفع عدد الشهداء ليبلغ الخمسين شهيداً، بعد أن أطلق جنود الاحتلال الإسرائيلي الرصاص على المشيعين أثناء الجنازة».

انقض من نجا من المصلين على المجرم، ولم يخرج من تحت أيديهم حياً، ولم تكد تمضي أسابيع على المجزرة، حتى نفذت كتائب القسام عدداً من «العمليات الاستشهادية» قُتل فيها، وأصيب العشرات من الإسرائيليين، وكانت العمليات من تخطيط المهندس يحيى عياش.
واليوم بعد خمس وعشرين عاماً من المجزرة عاد الفلسطينيون أكثر حضوراً وتجذراً، يقصدون المسجد فجراً بالآلاف لتكتظ جنباته والشوارع المحيطة به بالمصلين، ومن يشاهد صور المصلين وهم يتوافدون على المسجد قد يخيل إليه أنها مظاهرة. يعيدنا هذا المشهد بجماهيريته وحيويته إلى مشهد النصر الذي حققه المرابطون حول المسجد الأقصى المبارك في هبة باب الأسباط عام 2017، حين احتشد أهالي القدس والفلسطينيون من المناطق المحتلة عام 48 لإحباط المخططات التهويدية، والتصدي للأطماع الإسرائيلية الكبيرة التي استهدفت الأقصى، وقد كان الاحتلال حينها يحاول صنع واقع تهويدي في الأقصى مشابه لما يجري بحق المسجد الإبراهيمي. يسعى الاحتلال بكل حيلة ووسيلة لإخراس صوت الآذان في المسجد الإبراهيمي ومصادرته، ومن ثم تحويله بالكامل إلى «كنيس يهودي»، من حين لآخر يعطّل صوت الآذان، ويسمح للمستوطنين بانتهاك حرمة المسجد، والإفساد فيه بالاحتفالات والمزامير والرقصات التلمودية، في محاولة للسيطرة التامة على المسجد وانتزاعه من أيدي المسلمين بالكامل.

وهو ما يقاومه الفلسطينيون وأهل الخليل الذين يدشنون اليوم مرحلة نضالية جديدة بحشودهم الكبيرة في صلوات الفجر بالمسجد الإبراهيمي.

فمع تصاعد الهجمة الاستيطانية وارتفاع وتيرة المخططات التهويدية يشهد المسجد الإبراهيمي منذ أسابيع ارتفاعاً ملحوظاً وكبيراً في أعداد المصلين في صلاة الفجر.
أراد الاحتلال أن يصنع من انتهاكاته وتشديد إجراءاته القمعية حول المسجد حالة يأس في نفوس الفلسطينيين تستسلم لهيمنته وبطشه، وحاول منذ احتلال المدينة إخضاع أهلها ومصادرة إرادتهم، إلا أنهم ما زالوا واقفين وشامخين لم تثنهم الجراح ولا الآلام يقولون للاحتلال: لا.

لم يرهبهم فجر المجزرة الدامي، ولم يكسر همتهم ولم يهزم روحهم، ها هم أبناء وأحفاد أولئك الشهداء الذين قضوا في المجزرة أكثر عدداً وأكبر عزماً، تلك الرصاصات نالت من الجسد، لكن الروح الأبية بقيت، والإيمان أعظم من النيران. أهل الخليل صمود من الفجر إلى الفجر حتى مطلع شمس الحرية والنصر.

صحيفة العرب القطرية

أضيف بتاريخ :2019/12/16

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد