آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
أحمد السلوم
عن الكاتب :
رئيس جمعية البحرين لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة

القرار «المربك»... ومستقبل الاسترليني «الغامض»

 

أحمد السلوم ..

 لم يمر الاقتصاد العالمي بحالة ارتباك على مدار العقود والسنوات الأخيرة مثلما هو حادث حالياً نتيجة استفتاء بريطانيا التي جاءت لصالح الخروج من الإتحاد الأوروبي. بالطبع الأزمة الاقتصادية العالمية لم تحدث ارتباكاً؛ بل أحدثت سقوطاً مدوياً في اقتصاديات العالم أجمع، كان أقلها تضرراً ولله الحمد الدول الخليجية، وبالتالي يختلف التوصيف عن حالة الارتباك الحادثة حالياً في السوق.

 

ملامح هذا الارتباك يمكن رصدها في حركة الجنيه الإسترليني الذي انخفض بشدة نتيجة لـ«صدمة الاستفتاء»، ثم بدأ في استرداد شيء من خسائره صعوداً ثم هبوطاً، وهكذا بدون أي اتجاه صريح حتى الآن. وعلى رغم أن الطلب ارتفع في السوق المحلي للعملة ليس في البحرين بل في أغلب دول الخليج، ظناً من البعض أنها فرصة للشراء وتخزين كميات منه انتظاراً لارتفاعه مرةً أخرى، غير أن هذا الأمر ليس بهذه السهولة فيما يبدو، فالسعر جداً متذبذب من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى توقعات الكثير من بيوت الخبرة المصرفية تؤكّد أنه سينخفض على المدى القصير لحين اتضاح الرؤية وتأثيرات الخروج على الاقتصاد البريطاني.. فربما ينخفض السعر أكثر في الشهرين القادمين ثم يمرّ بمرحلة تذبذب طويلة، قبل أن يعاود الارتفاع «إن ارتفع»!

 

يجب أن نشير في هذه النقطة أيضاً إلى أن نتيجة الاستفتاء ظهرت؛ لكن تطبيق القرار فعلياً في الواقع ربما يكون بعد عامين، وهي فترة السماح التي يمنحها الاتحاد الأوروبي للدول في حالة الخروج وفقاً للمادة ‏50 من معاهدة لشبونة المنظمة لمثل هذا الوضع غير المسبوق، وبالتالي فإن التأثيرات الفعلية للقرار وليست «التوقعات» أو ردود الأفعال، ستكون في الحقيقة عند الخروج الفعلي من الاتحاد، أي تقريباً بعد عامين! وحينها ستكون ردة الفعل الحقيقية إيجاباً أو سلباً، وعلمي من خلال التواصل مع بعض الأصدقاء البريطانيين أن الفئات الفقيرة والأقل من المتوسطة سعيدةٌ بالخروج من الاتحاد الأوروبي، ومتفائلة بالإصلاحات الضريبية، وتوافر فرص عمل احتلها أبناء أوروبا الوافدون دون قيد أو شرط من شرق أوروبا، أما كبار التجار والشركات فربما يكونون غير راضين عن نتيجة الاستفتاء.

 

صحيفة «نيويورك تايمز» أبرزت في افتتاحيتها منذ أيام المخاطر الاقتصادية التي سبّبها تصويت البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي، وأكّدت أن الأسوأ لم يأتِ بعد في بريطانيا وفي شتى أنحاء الاقتصاد العالمي. فالآثار الفورية - رغم فداحتها - لم تخرج عن السيطرة حتى الآن، من حيث نسبة تراجع أسواق الأسهم العالمية، وتقلّب أسواق العملات، لكنها ترى أن الآثار البعيدة قد تكون خطيرة.

 

فمن المتوقع - وفقاً لنيويورك تايمز- أن يتعثر الاقتصاد البريطاني أو ينكمش مع تباطؤ تدفقات رؤوس الأموال على لندن الوجهة المالية العالمية، فضلاً عن الآثار المترتبة على نزع التصنيفات الائتمانية الممتازة عن بريطانيا من قبل وكالات التصنيف العالمية، وفقدان البلد لاتفاقاته التجارية المربحة.

 

واستعرضت الصحيفة الأميركية الآثار التي قد يجرها الخروج البريطاني على اقتصادات أوروبا وأميركا، والتي تزدحم الأسئلة بشأنها في الوقت الراهن. ففي الاتحاد الأوروبي يمثّل توقف التجارة مع الشريك البريطاني مخاطر كبيرة على القاعدة الاقتصادية في منطقة اليورو. وقد يؤدي هذا إلى تجدد التقلبات المالية والفوضى السياسية، مثل ما حدث في أزمات منطقة اليورو السابقة.

 

أما الولايات المتحدة فقد يؤدي القرار البريطاني إلى تعقيد الوضع لديهم، إذ قد يتضرّر المصدرون مع ارتفاع الدولار مقابل الجنيه الإسترليني واليورو، كما أن الاقتصاد بوجه عام سيتأثر إذا اتجه المستهلكون الأغنياء إلى تقليص إنفاقهم بسبب الخسائر التي تحدث في أسواق المال.

 

وكالة فيتش للتصنيف الائتماني توقعت مثلاً تراجع الاستثمار في الاقتصاد البريطاني بنسبة 5% في العام المقبل، وقالت إن «الغموض سيدفع الشركات إلى تأجيل الاستثمار وقرارات التوظيف، وإن تزايد تقلبات السوق المالية سيزيد الضرر بثقة الشركات». وأضافت أن «التراجع الحاد في قيمة الجنيه الإسترليني سيخفّف صدمة الطلب حيث من المرجح أن تجني الصادرات بعض الاستفادة في المدى القريب». وكانت فيتش قد خفضت التصنيف السيادي لبريطانيا درجة واحدة الاثنين الماضي، وأشارت إلى أنها قد تخفّضه مجدداً.

 

تنبؤات فيتش توثّقها تحركات بعض البنوك العالمية، ومنها بنك United Overseas ثالث أكبر بنك في سنغافورة الذي أوقف تمويل شراء عقارات في لندن لفترة مؤقتة، مرجعاً ذلك إلى الضبابية التي تسبب بها الاستفتاء. في المقابل، نصح بنك DBS أكبر بنك في سنغافورة في تمويل العقار في العاصمة البريطانية عملاءه بتوخي الحذر بسبب حركة الإسترليني. علماً أن السنغافوريين كانوا من كبار المستثمرين في عقار لندن العام الماضي.. وأن الدولار السنغافوري ارتفع بـ 10 % منذ الإعلان عن نتيجة الاستفتاء.

 

أما الاتحاد الأوروبي بمختلف مؤسساته فيسابق الزمن لتدارك تداعيات انسحاب بريطانيا من عضويته، فالأمر لا يقتصر على الآثار الاقتصادية بل يتعلق بمستقبل العمل الأوروبي المشترك، والتخوف الكبير من انتقال «عدوى» الرفض البريطاني إلى دول أخرى، وخاصة مع صعود اليمين المتطرف في أوروبا.

 

ولعل من اللافت للنظر أنه لم تخرج علينا جهة بحرينية اقتصادية أو مصرفية واحدة ببيان رسمي عن تأثيرات الخروج البريطاني على الاقتصاد المحلي، خاصة القطاع المصرفي البحريني الكثير التعاملات في بريطانيا وخاصة في العقارات، لكن كان أغلب ما كتب في الصحافة المحلية هو اجتهادات صحفية فردية وآراء خاصة لمصرفيين أو رجال أعمال نشكرهم عليها، وننتظر من المصرف المركزي البحريني بياناً صريحاً بشأن تأثر بنوك البحرين بهذه الحوادث الملتهبة دولياً. كما ننتظر منه ومن الجهات المعنية بالرقابة على شركات الصرافة المزيد من الضبط والربط، لأن سعر الإسترليني في كل صرافة بسعر مختلف!

 

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/07/03

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد