آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
ناصر الحزيمي
عن الكاتب :
كاتب سعودي

البرمجة العصبية اللغوية والإرهاب

 

ناصر الحزيمي

قبل فترة تعرفت على علم (البرمجة العصبية اللغوية)، وحاولت من خلال قراءتي أن أتتبع تاريخ هذا العلم وخصائصه واستعمالاته، خصوصا وأنني لاحظت تهافت الكثير عليه حتى أصبح مشاعا. كان ينقسم المهتمون به إلى قسمين وهما: المبرمج، والمتلقي عنه. وقد لاحظت كثرة استعمال هذا العلم في الدوائر الدعوية والاقتصادية والمعرفية، واطلعت على أساليب المبرمجين فوجدت أنهم غالبا يستهدفون شريحة شبابية معينة يحاولون من خلالها التحول بهم من حال إلى حال أفضل، وقد تكون هنا بشكل عام النوايا حسنة، والأهداف مستقيمة.

 

إلا أن هذا العلم في الأصل هو علم استغلته دوائر الاستخبارات العالمية في برمجة القتلة، والإرهابيين. وقد جاء في مثل هذه المعلومات في مذكرات بعض قيادات الاستخبارات. إن الأمر الذي استجد على الخطاب المتطرف والإرهابي أنه خطاب لم يترك فسحة فيه للخلاف أو النسبية، وبشكل أدق أن الخطاب المتطرف في هذه الفترة أصبح يصل لنا قطعيا لا مجال فيه لتعددية الاجتهاد، وهو جديد على الصورة المعهودة للتعدد، لقد كنت في حيرة من شباب ليس لهم علاقة بالصحوة، ولا التدين، أن يتحولوا من شباب عوام يمارسون حياتهم بشكل طبيعي معهود في بلدانهم إلى شكل متوحش في تطرفه وسلوكه، وعندنا نماذج من ذلك كثيرة. ولنأخذ مثالا حول قضية الإرهابيين اللذين قتلا ابن عمهما وصورا طريقة القتل، وبثاها على شبكات التواصل. ومن المعروف أن مجتمعاتنا شديدة الروابط بما بينها وخصوصا روابط القربة، فهل استعمل مع هذين الإرهابيين أسلوب البرمجة العصبية اللغوية؟

 

إن من أخطر الأشياء التي نعاصرها هذه الأيام هي وسائل التواصل الاجتماعي، فإذا كانت هذه الفئة قد استطاعت أن تؤثر في شبابنا من خلال البرمجة العصبية اللغوية عن طريق وسائل الاتصال الاجتماعي، فما بالك بما سوف يستجد من أحداث جسام..

 

وإلى أي مدى وصل تطور داعش في هذا العلم؟ إن البرمجة تحتاج إلى مهارة وثقافة كبيرة لكي يكون المبرمج قادرا على التأثير على الفئة المستهدفة. بحيث يملك المبرمج القدرة على استدراج فئة معينة من الشباب يملكون الاستعداد النفسي لكي يوصل لهم تعليماته بكل نجاح ولا يستبعد أنه توجد خريطة نفسية لعموم مجتمعاتنا العربية، والإسلامية شاملة لكل بؤر الخلاف سواء كانت أيدلوجية الخلافات مذهبية، أو عقائدية، أو اجتماعية، وتشمل الخلافات القبلية أو المنطقية. وقد أتقول إذا ذهبت إلى أن كثافة الدورة الموجودة في البرمجة العصبية، كان لها دور مهم في إيجاد هذه الخريطة وسهلت الحصول عليها، وإلا ما الذي أوجد إرهابيين يتصرفون وكأنهم تحت تأثير التنويم المغناطيسي؟ إرهابيون ليس لهم قناعات ذاتية تردعهم عن ممارسة التوحش.

 

إن النمط الذي نشهده في ممارسات داعش وأخواتها يدلنا إلى أن هذه الفئة تسير على غير هدى وانسجام، وإلا كيف نفسر أن هذه الفئات لم تطلب يوما تبادلا للأسرى أو تأمين الأبرياء والعزل وخروجهم من مناطق النزاع، والعنف بشكل آمن. أي رشد تنتهجه هذه الجماعة حال سيطرتها على بعض المدن مثل الموصل أن توجد رجالا للحسبة ومحاكم ظالمة وعملة ذهبية أو فضية. علما أنهم يعلمون أنهم في مناطق نزاع ومثل هذه الأمور لا تقوم إلا في الدول المستقرة. أليست هذه متطلبات ساذجة وأحلاما صبيانية؟ إن مشكلة الحركيين في تصورهم الساذج للدولة الإسلامية أوجد رؤية تسطح مفاهيم وتراث الإسلام العظيم.

 

ولنعد إلى (البرمجة العصبية اللغوية) وهي علم كما قلنا خرج من أروقة الاستخبارات العالمية إلا أنه انتشر بشكل مكثف مع ثورة الاتصالات وأصبح مشاعا بأيدٍ غير متخصصة وغير مسؤولة حتى بتنا نشاهد الدعوة إلى دورات هذا العلم مع علوم تطوير الذات، وأصبح هناك تهافت وزخم عليه. فهل لمثل هذا العلم دور في تحضير بعض الشباب؟

 

إن ما شهدناه من التوجه العام نحو إدانة المجتمعات ورميها بالخطيئة وبالتالي صناعة أفراد يشعرون بعقدة الذنب الضاغطة مما أدى بهم إلى البحث عن الخلاص من الخطيئة والمعصية. وكما نعلم أن ذلك مخالف لروح الشرع وتعاليم الرسول الذي حثنا على التيسير وعلى الورع والتورع عن القول على الله بغير علم ولا تقوى.

 

إن صناعة المجتمعات تتطلب بث روح التفاؤل بالحاضر والمستقبل، فلم تعد الخطيئة والتي هي محور حديث الوعاظ أو المبرمجين العصبيين اللغويين ذات مغزى ومفهوم واحد. فالواعظ حينما يعض يحكم ورعه وتقواه في خطابة الذي يتوجه به إلى الشريحة المستهدفة وهي غالبا خليط من عدة فئات عمرية. أما المبرمجون العصبيون اللغويون فغالبا شريحتهم المستهدفة هي فئة الشباب، وبشكل أدق هي الفئة ما بين سن الرابعة عشرة إلى الحادية والعشرين غالبا، ولهذا نجد أن البرمجة العصبية اللغوية غير مؤثرة في الأكبر سنا غالبا، بعكس الموعظة التي تخاطب جميع الأعمار والفئات وتؤثر فيهم عموما. وهذه النتائج لم تظهر في أمسية وضحاها وإنما هي نتاج بحوث ودراسات عملية كانت تقوم بها أجهزة الاستخبارات العالمية وهي ضمن علوم الاتصال الجماهيري.

 

وقد يتساءل البعض عن الفرق بين الواعظ والمبرمج، وهو تساؤل مشروع، فكلاهما يتوجه إلى جماهير الناس إلا أن الفرق بينهما هو أن الواعظ ينطلق بخطابه الشمولي ويتوجه به لشريحة عامة شاملة غير خاصة بفئة عمرية معينة. فالواعظ يتوجه بخطابه للكبير والصغير، ويفصل في موعظته المبنية على ثوابت شرعية مثل قدسية الدماء وشمولية الدين. أما المبرمج الداعشي فيستهدف شريحة شبابية يكرس عندها الشعور بالخطيئة ومن ثم يطرح عليها طريقة الخلاص من هذه الخطيئة وذلك من خلال تفجير النفس وما شابه.

 

إن من أخطر الأشياء التي نعاصرها في هذه الأيام هي وسائل التواصل الاجتماعي، فإذا كانت هذه الفئة قد استطاعت أن تؤثر في شبابنا من خلال البرمجة العصبية اللغوية عن طريق وسائل الاتصال الاجتماعي، فما بالك بما سوف يستجد من أحداث جسام من الممكن أن يستعمل في هذا العلم بشكل جمعي. ومن غير المستبعد أننا نعيش هذه البرمجة من خلال ما نشاهده في التلفزيون أو نتابعه في أجهزة التواصل الاجتماعي.

 

صحيفة الرياض

أضيف بتاريخ :2017/06/08

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد