أردوغان الجاني والمجني عليه
عبداللطيف الضويحي ..
اللغز التركي يزداد غموضا وضبابية ويزداد المهتمون بالشأن التركي حيرة وارتباكا وترددا بقبول السيناريوهات التي يتم ترويجها وتداولها من قبل الرئيس التركي أردوغان ورئيس وزرائه، وتلك التي يتم تداولها من خصوم أردوغان الأوروبيين وأحيانا من أصدقائه أو أعدائه الأمريكيين. لم تصمد تلك السيناريوهات أمام الواقع اليومي الذي تشهده تركيا منذ ما اصطلح عليه بالحركة الانقلابية وإلى اليوم، فقافلة الضباط والجنود من كافة القطاعات والذين يقادون بتهمة تورطهم بما يسمى الحركة الانقلابية، لاتزال تتصدر صورهم نشرات الأخبار، ناهيك عن الآلاف من القضاة والتربويين والموظفين والصحافيين الذين تغص بهم السجون والمحاكمات التي لم تشهدها تركيا لا في الماضي أو الحاضر.
الكثير من المهتمين بالشأن التركي والمتابعين له يؤمنون أن الانقلاب الحقيقي ليس ما قام به ثلة محدودة من قطاعات القوات البحرية والجوية والأمن ضد أردوغان والذي تم إجهاضه في حينه، إنما الانقلاب الحقيقي هو انقلاب أردوغان ضد صديقه «اللدود» فتح الله غولن والمقيم في الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنوات إثر خلاف نشب بين «الصديقين اللدودين».
لقد أصبح الانتقال من النقيض إلى النقيض سمة خاصة من سمات السياسة التركية. فمن تهديد إسرائيل وفرض شروط عليها تتم إعادة العلاقات معها دون تحقيق الشروط السابقة، ومن إسقاط الطائرة الروسية إلى الاعتذار وعودة العلاقات إلى حد كبير لسابق عهدها. ومن العلاقات الحميمة مع الولايات المتحدة إلى اتهامها بإيواء مدبر الانقلاب ومطالبتها بتسليمه لها. ومن نظرية أحمد داود أوغلو بـ «تصفير المشكلات» حتى توتير العلاقات التركية وتدنيها خلال فترة وجيزة تقريبا مع كل جوارها حتى لم تجد تركيا أي علاقة سوية وطبيعية مع جوارها وأصدقائها على الإطلاق. وكأنها لا تقيم علاقة مع دولة إلا لتسيء علاقاتها مع طرف آخر، كما هي العلاقات التركية الحالية مع الاتحاد الأوروبي.
لكن الموضوعية والدقة تقتضي النظرة بشمولية للمسألة التركية، فلا يمكن التسليم بأن تركيا أو أردوغان بمفرده هو من قرر التصدي للطائرة الروسية وإسقاطها وهو يعلم بما يترتب على هذا التصرف وحجم التبعات العسكرية والاقتصادية الناجمة عنه والتي ستتكبدها تركيا لولا أنها تصرفت بطلب أو بتنسيق على الأقل مع الحليف الأمريكي. وهل كان سيتجاوز الرئيس التركي كل الاتفاقات الموقعة مع سورية والدخول معها في مواجهة والمغامرة بالأمن التركي لو لم يكن هذا الدور مطلوبا ومؤمنا من الحليفين العسكريين في واشنطن وتل أبيب؟
لا يمكن إنكار النقلة الاقتصادية الكبيرة التي أخذ بها رجب طيب أردوغان تركيا خلال العقدين الماضيين، ولا أحد يستطيع إنكار النجاح الباهر الذي حققه حزب العدالة بمحاربة الفساد والذي كان مستشريا بين الطبقات السياسية التركية قبل وصول حكم التنمية والعدالة، وهذا هو ما غفر للحزب لدى المؤسسة العسكرية وهو ذاته السبب الذي صنع هذه الشعبية الكبيرة للحزب، والرخاء الاقتصادي الذي عاشه الإنسان التركي، أما على الصعيدين العسكري والسياسي، فينطبق عليها مقولة: «إذا لم تجد بطولة على الأرض، فاصنعها من خلال الإعلام». لكن التمادي بهذه البطولة قد لا تحمد عقباه، فلا تعرف متى ينزلك الذين يحملونك من فوق أكتافهم أحيانا ولا أين.
لا تزال تداعيات الانقلابين: ضد أردوغان ومعه يتفاعلان ولا نعرف أين ينتهيان وأي منهما سينهي الآخر، ولا نعرف ما حجم ما يعرفه أردوغان عن الشرق الأوسط الجديد ولا نعرف ما حجم الشرق الأوسط الجديد الذي يعرفه أوردوغان حسب صناع الشرق الأوسط الجديد. ولا نعرف ما إذا كانت تركيا مرشحة لتكون من الدول الفاشلة التي يتم صناعتها في المنطقة كجزء من متطلبات الشرق الأوسط الجديد، ولا نعرف ما إذا كان لما يجري في تركيا علاقة بالدولة الكردية المزمع إقامتها بالجوار التركي بالقوة وعلى حساب أرض وجغرافية دولتين عربيتين هما سورية والعراق وهل ستكون الأرض التركية مرشحة لتكون جزءا من المشروع الكردي الأمريكي الإسرائيلي. وهل ما يقوم به أوردوغان من حملة تطهير للأجهزة العسكرية والمدنية وتوسيع لصلاحياته هو بمثابة استعدادات للتصدي للمشروع الكردي الأمريكي الإسرائيلي أم لإدارة المشروع الكردي والقضية الكردية؟
أم أن مستقبل أردوغان وغولن وحزب العدالة والتنمية والإرهاب والفساد ومستقبل الدولة التركية ومشروع الدولة الكردية ومشروعات المنطقة برمتها هي لعبة استخبارية يعلمها من يعلمها كل بالقدر الذي يتناسب مع دوره وما تبقى هو حصر واحتكار لصناع مستقبل الكرة الأرضية وبعض الكواكب والمجرات بما يملكون من تقنية وما يكتشفون من علوم.
صحيفة عكاظ
أضيف بتاريخ :2016/08/02