كيف تتقلّب أمزجة الأمم المتحدة وقراراتها.. وما هو سرّ السحر السعودي الذي يلتهم قيم الغرب في الحرية والدفاع عن حقوق الإنسان؟
عبدالكريم المدي ..
المُتابع العادي لسير المشاورات حول الأزمة اليمنية في الكويت ، وبرعاية من الأمم المتحدة عن طريق مبعوثها إلى اليمن السيد إسماعيل ولد الشيخ ، سيجد إن حالات الطقس وتقلُّب المناخ وشدة الرياح وما تحدثه من زوابع وسُحب كثيفة في سماء وأجواء صحراء البترول وغيرها، تدفع بمشائخ تلك الكثبان الرملية والغبار المشبع بالذهب الأسود إلى فتح غُرف للعناية السرية الفائقة التي تُلطّفُ الأجواء وتهتم بنفسية وشهية الفاعلين الغربيين في مجلس الأمن الدولي ، الأمر الذي يُؤدي إلى إحداث تغيرات سريعة وجوهرية في درجة حرارة وحميمية المواقف والتصريحات والبيانات ، ليبقى شعب كالشعب اليمني المغلوب على أمره هو الضحية والمتضرر الأول من حالات الطقس النفطي والأممي .
دعونا نُذكّرُ هنا ، إنه وقبل إجازة عيد الفطر المبارك التي أُعطِيت لفريقيّ التشاور في الكويت ، كانت الأمم المتحدة قد طرحت،من خلال مندوبها رؤية وأفكاراً للحل، إلى حدما اتسمت بالعقلانية، ونحتفظ هنا لطرف الرياض بحقه في الاعتراض عليها في اليوم الثاني لتسريبها، ولأهمية الأمر بالنسبة له وارتباطه بإثبات الوفاء والإخلاص لقيادة التحالف ،شن حربا إعلامية وخُطب دينية شرسة هاجمت الرؤية وشككت في نزاهة الأمم المتحدة ومبعوثها والقول فيهم مالم يقله مالك في الخمر ، وواكبها حملة إعلامية سعودية / خليجية ضخمة كلها صوبت سهامها تجاه الرؤية وولد الشيخ وبان كي مون.
أم اللغم الذي فجر الغضب السعودي حولها ، فهو تضمنها فكرة إيجاد سلطة جديدة وتشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها جميع الفرقاء ، وربما إنهم نظروا لهذه النقطة على أنها مؤامرة واضحة عليهم، لأن الرياض أصلا تعتقد أن أي اتفاق يحدث لحل الأزمة اليمنية ويكون بعيدا نسبيا عن إشرافها وإخراجها المباشر، لايعني إلى شيئا واحدا ، وهو التمرد عليها والخروج عن طاعتها والانقلاب على حقها الحصري في النفوذ والتحكم بمصير هذا البلد، الأمر الذي أدى بها حينها إلى تشغيل كل أنظمتها الدفاعية والهجومية والسحرية، من أجل إلغاء تلك الأفكار وصرف النظر تماما عن شيء اسمه الحل الشامل للأزمة اليمنية وتشكيل حكومة وحدة وطنية تُشرف على تسليم السلاح وإخلاء المدن وإعادة الإعمار والتعويضات والإعداد للاستحقاقات المقبلة وفي مقدمتها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ووالخ .
وقد نجحت بالفعل في تغير مسار المشاورات واستبدال الأفكار المعقولة بأفكار مجنونة ،وفُرص السلام بأسباب الحرب ، ومن نتائج تلك الضغوطاطلت علينا برؤية أممية جديدة، رُفِضت طبعا من قِبل ( المؤتمر الشعبي العام – أنصار الله ) الذين اعتبروها ورقة لإعلان الاستسلام وتسليم صنعاء والمحافظات والمناطق الأخرى خلال (45) يوما ، ورغم أن عِلّات كثيرة طبعتها، إلى أنها ومن باب احترام عقول اليمنيين على الأقل ،لم تتطرق بتاتا للتواجد الأجنبي في المحافظات الجنوبية ومأرب وباب المندب ، إضافة للجماعات الإرهابية .
ومن المفيد هنا القول إن ظهور السعودية بتلك الصورة المفضوحة والمشوهة قد أعطى مبررا للآخرين في البحث عن خيارات بديلة كالاتفاق الأخير بين المؤتمر وأنصار الله ، ناهيك عن كونها أعطت مبررات منطقية للناس كي يشككوا فيها ويقولوا أنه لم ينقصها سوى تحديد المناطق التي ستنصب فيها المشانق لخصوم السعودية وأتباعهم في صنعاء وغيرها ، وبمباركة غربية، مستدلين في ذلك بالخطاب والسلوك الغربي المنحاز للسعودية ، الذي كان يُنتظر منه معالجة القرار / الكارثة ( 2216) حول اليمن الذي يؤمن غالبية الناس بأنه فُصّل على مقاسات ( البشت ) السعودي ، ولم يراع أي شروط معقولة ،أو يُدرس بشكل جيد سيما فيما يتعلق بمدى ملاءمته للواقع وإمكانية تطبيقه ، وهل سيكون عاملا مساعدا للحل أم عقبة أمامه ، وهل المستفيد منه الشعب اليمني والسلم الدولي أم عنجهية وغرور الطرف السعودي والخليجي ؟
الغرب وعلى رأسه أميركا وبريطانيا ،وبدلا من أن يستفيدوا من دروس ونتائج القرار ( 2216) ،حاولوا مؤخرا تعزيزه ببيان كاريثي ،ربما كان يُراد به التمهيد لقرارات جديدة أكثر ظُلما للشعب اليمني ومشروع البيان الذي قدمه المندوب البريطاني قبل أيام في مجلس الأمن والذي كان ينص على إدانة طرف ( صالح – الحوثي ) يوحي بذلك ، ولو لا الموقف الروسي الذي عبّر عنه بوضوح مندوب مسكو في مجلس الأمن (فيتالي تشوكين) من خلال اعتراضه الحاد عليه واعتباره بأنه ”غير المسئول” مؤكدا – كما نقلت عنه وسائل إعلامية – أن اتفاقاً مبدئياً كان قد تم في المجلس لإصدار بيان صحفي قبل أن تتدخل إضافات وصفها بـ”الأنانية”من الوفد البريطاني.
المهم يتضح جلياً أن تعاويذ وعصي السعودية السحرية مازالت تعمل بشكل جيد، ومستمرة في إلتهام التقارير الحقوقية والأممية وحتى التصريحات والبلاغات الصادرة عن مسؤولين كبار في الكنجرس ووزارة الخارجية الأميركية، والخارجية ومجلس العموم البريطانيين، الذين أطلقوا أكثر من مرة الاتهامات ضد لـ (التحالف العربي ) في اليمن بارتكابه جرائم حرب وانتهاك لحقوق الإنسان وقتل الأطفال، لكن ذلك كله سرعان ما يذوب ويستسلم لمفعول السحر السعودي، الذي على إثره يصدمونا دائما باستعدادهم التام في الانتصار للجلاد على الضحية والفوضى على السلام والقوة والمال على القيم والأخلاق والديمقراطية .
نستطيع القول إن الموجة السعودية المعنوية الأخيرة التي كانت تتشكل في مجلس الأمن قد كُسِرت ، بفضل الحسابات والمواقف الروسية الإيجابية التي كانت حاضرة هذه المرة وبقوة، لكن يبقى السؤل: إلى متى ، وهل سيستمر الصوت الروسي مرتفعا وصامدا أمام إغراءات مليارات الدولارات لتوقيع على صفقات سلاح وإمتيازات وغيرها؟
سننتظر، والعمل – كما يُقال – بالخواتيم ..
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/08/06