التنمية.. مسطرة المساواة وبوصلة العدالة
عبداللطيف الضويحي ..
هل التنمية هي العدالة؟ أم أن العدالة أحد أهداف التنمية؟ وهل هناك ما يمنع من تحقيق العدالة والتنمية معا؟ وهل يمكن أن تكون العدالة أحد مؤشرات التنمية؟
قد تتحقق العدالة في حدودها الدنيا من خلال التنمية، لكن التغييرات التي طرأت في السنوات الأخيرة على مفهوم التنمية جعل من الضروري إعادة النظر بخطط التنمية وبرامج التنمية والمشروعات التنموية في ضوء العدالة بمفهومها المتجدد هو الآخر. أحد أهداف التنمية إذا لم يكن أهم أهدافها هو مدى رضا المستهدفين بمشروعات التنمية ومدى إحساسهم بالمساواة أمام الفرص والتحديات التي تواجهها مجتمعاتهم من خلال ما تقدمه لهم الدولة لتنمية الإنسان والمجتمعات.
إن أي مشروع تنموي لا يمكن قياس أثره والحكم على نجاحه أو فشله من خلال ما تم صرفه عليه من مبالغ، أو من خلال الوقت الذي تم تخصيصه له أو من خلال عدد الخبراء القائمين عليه، أو من خلال الجهات التي تنفذه، إنما المقياس الحقيقي للمشروع التنموي يكون من خلال نتائج المشروع التي تنص عليها أهداف المشروع بما لا يتعارض مع أهداف تنموية أخرى وبما لا يتجاهل عناصر حيوية ومهمة مثل الصحة والتعليم والبيئة ومراعاة احتياجات ذوي الاحتياجات الخاصة وحقوق الإنسان وحل مشكلة البطالة وتحقيق المسؤولية الاجتماعية ومبدأ الاستدامة للمشروع ومبدأ المشاركة من القطاعين العام والخاص وإتاحة العمل التطوعي والعمل الجماعي والمعرفة، وتوطين التقنية
فالمشروع التنموي يفترض أن تصاغ أهدافه في ضوء هذه العناصر وغيرها ليس هذا فحسب بل وأن يتم قياس تحقق كل ذلك في ضوء تحقق العدالة الاجتماعية لكل المستهدفين بهذا المشروع حسب الكفاءة. وإلا فإننا سوف نكرر الخطأ الذي وقعت به بعض المشروعات ذات الهدف الواحد. التي تصبح خلال وقت قصير مشروعات بلا روح وبلا إنتاجية وبلا هوية، لا تلبث أن تضاف إلى قائمة طويلة من الهيئات والمؤسسات المترهلة بهياكلها الإدارية والموظفين غير المنتجين.
تحقيق العدالة ليس مسألة يختص بها القضاء والمحاكم والجهاز القضائي، فهذه أجهزة مناط بها تحقيق العدالة على مستوى القضايا المنظورة والحالات التي تصل للقضاء، لكن العدالة الأشمل والأوسع هي ألا يكون إنسان أو فئة أو منطقة خارج التنمية، من المنظور الوطني وليس من المنظور القضائي.
كثير من القضايا التي ينظر بها القضاء هي في الحقيقة نتيجة لعدم تحقيق العدالة الشاملة وليست نتيجة لظروفها وحيثياتها المباشرة.
قد تكون هناك حاجة لتشريعات تلزم التنمويين والقائمين على التنمية مراعاة المساواة بين المناطق حسب اقتصادات واحتياجات كل منطقة ومدينة وقرية وفئات السكان وثقافات المناطق والسكان.
توزيع مشروعات التنمية على المناطق بحاجة إلى دراسة وتقييم مستمر ينسجم مع تحقيق العدالة بين كافة المناطق وبين أبناء المناطق حسب الكفاءة وليس مقبولا أن يتم النظر للتنمية ككل أو أحد مشروعاتها من منظور مشروع زراعي تنفذه وزراة الزراعة أو مشروع صحي تنفذه وزارة الصحة أو مشروع استثماري تنفذه إحدى المؤسسات الحكومية بمعزل عن رؤية المؤسسات الحكومية الأخرى. فهناك حلقة مفقودة في توزيع مشروعات التنمية على أساس متساوٍ بين المناطق، قد تكون هذه الحلقة جهة فنية مستقلة عن المؤسسات الحكومية وتعمل بشكل دوري على حصر ودراسة احتياجات المملكة من كافة المشروعات التنموية، في ضوء العديد من الاعتبارات وليس فقط المشروع بهدف واحد.
ليس المقصود هنا التوزيع الكمي العشوائي للمشروعات التنموية على كل المناطق فقط، إنما التوزيع المقصود هنا هو التوزيع الذكي والقائم على مراعاة خريطة اقتصادات المناطق والذي يتطلب تصنيفا لطبيعة اقتصادات كل منطقة تبعا لمواردها البشرية والطبيعية والذي تنبني عليه اقتصاداتها المستقبلية.
يجب أن يشعر المواطن بالعدالة من حيث إتاحة الفرص والخدمات المتساوية التي تكفل لكل مواطن إمكانية الاستفادة حسب كفاءته وتتيح لكل الفئات تنمية ثقافاتهم المحلية من منظور اقتصادي وتنموي، كما يجب تحقيق العدالة من خلال الرسوم والضرائب وكذلك المساعدات والمعونات التي تم العمل بها مؤخرا، لتراعي الفروق التنموية بين المناطق وتراعي الفروق بين فئات المجتمع المنحدرة من خلفيات حديثة عهد بالتنمية وتراعي الفروق في حجم الأسرة، والاختلاف بمستوى المعيشة المتفاوتة على سبيل المثال بين الريف والمدينة.
صحيفة عكاظ
أضيف بتاريخ :2017/02/14