آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
شاهر النهاري
عن الكاتب :
كاتب سعودي في صحيفة مكة

كل الأقلام عجزت عن التعبير


شاهر النهاري ..

صدقوني ما زلت عاجزا عن الكتابة في قضية ذبح الأم على أيدي ابنيها التوأم، بمدينة الرياض، وفي شهر رمضان، والتي كانت قمة العجب، وغاية في البشاعة، وتفردا في الشيطانية والحقد والظلام!
حاولت كثيرا أن أكتب، ولكني وبعد كل سطر، أحتقر ما كتبت، وأحذفه لعدم شفاء غليلي، فكيف بغليل القارئ، الذي يتوقع وصفا وتشخيصا وإقناعا وحلا.

حيرة فكرية ونفسية وعقلية، فأين تسلسل الحروف، وأين تداعي المعاني، وأين غلبة المشاعر المرهفة، التي يمكن أن تعبر عن مأساة بهكذا حجم وبهذا القدر من السوء.

مداركي البشرية لم تستطع تخيل الواقعة، وأظن الشيطان سيعجز هو الآخر، فكيف يمكن لقلمي أن يكتب دون أن ينتحر حسرة، وحتى وإن حاولت التحايل على الصور، ورسمت كل الاحتمالات، واختلقت من الظروف ما يساعد على هضم الواقعة، بأن نعيب في المجتمع، وفي الأسرة، والتربية، والتعليم، وفي عموم المحيط، إلا أن الافتراضات المتهالكة ما تلبث أن تشعر ذاتها بالدوخة، وتسقط من طولها، دون منطق، وتندثر على وجه أرض يعز عليها حتى ذرف قطرات المدامع.

هذا تحد عظيم لكتاب القصص والروايات الخيالية، ومبدعي السيناريوهات المرعبة، وتحد لأي مخرج عبقري، سيعجز عن إقناعنا بمنطقية ما حدث، أو بقربه لأي منطق!

لقد بحثت عن قصص مشابهة، ولن أكون هنا مزورا للتاريخ، فلم تكن عملية قتل الأم منعدمة البتة من قبل، سواء في التاريخ القديم، أو في مجريات أحوال الحياة الحاضرة، فتلك القصص رغم ندرتها موجودة، وهي تحكي عن حالات عقوق واضحة، وحالات أمراض اجتماعية ونفسية وعقلية تصيب القاتل، وحالات تعاط للمخدرات، مع ظروف فقر وإرث، وخلافات مستمرة لا يكون في حلها أي رجاء، قصص تبدأ بالغضب، وتنتهي في الغالب بالندم!

ولكن ما حدث لتوأم الرياض لم يحمل لنا أيا من تلك الأسباب، مما زاد من صعوبة بشاعة الموقف، وصعوبة تقبله في عقول الأسوياء!

القصة كانت تحكي عن أن التوأمين المتشددين كانا يريدان الهجرة إلى مناطق النزاع بسوريا، وأن الأسرة بكاملها كانت تمانع في ذلك.

مما يدل على أن الأم لم تكن عقبة عظمى في طريق رحيلهما، وهربهما للجهاد لو أنهما فكرا بشيء من الحيلة، ولو كان في جوف القاتلين قليل من الوفاء والبر الإنساني، بأن لا تكون الأم مركز حقدهما الأقصى، وأن لا يبقرا بطنها الذي حملهما، وأن لا يكون جز عنقها الحبيب قمة نقمتهما العظمى.

الأمر هنا في منتهى العجب، فحتى ولو فرضنا أن أحدهما كان منفعلا ساعتها، فكيف لم تتوقف مشاعر الآخر بالخوف والتردد وقليل من الرحمة، ولو أثناء دقيقة التنفيذ!

الأزمة هنا أن المتسبب هو الفكر المتشدد، والذي يقصي الآخر بالتكفير، حتى ولو كان رقة البطن الذي حمله، وحنو الحضن الذي رعاه، ونبض القلب الذي ينفطر من أجله، حينما كانت تصيبه ضربة برد عابرة!

يقول المفكر السوري الفرنسي برهان غليون: إن نفي الآخر فكريا هو مقدمة لاغتياله جسديا؛ القتل المادي بعدها لا يحتاج إلى تفكير، بل إلى حالة انفعالية جديدة فقط!

اللهم احم أبناءنا من فكر خبيث يجعل وحوش الغاب أرحم منهم.

صحيفة مكة

أضيف بتاريخ :2016/07/06

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد