آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
وحيد الغامدي
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سعودي

إرهاب جديد.. يتطلب مواجهة جديدة!


وحيد الغامدي ..

كل عام وقراء صحيفة مكة بخير، وكل عام وأوطاننا بسلام وأمن ورخاء.
حين تحصل ثلاثة انفجارات في يوم واحد، ثم لا يتبنى داعش أيا من تلك التفجيرات، فنحن أمام نوع جديد من الإرهاب أكثر خطورة وأكثر شراسة، حيث التجنيد والتجهيز عن بعد، ودون الحاجة للتحرك الذي يمكن رصده، وبالتالي فهذا النوع سيكون صداعا ليس للدولة فحسب، بل لكل سكان البلد، ومرتادي المساجد، وربما المستشفيات، كما حصل في تفجير جدة الذي كان في مواقف المستشفى.

يبدو أن الإستراتيجية الآن التي تمارسها عناصر الإرهاب لم تعد تستهدف الأماكن الحيوية أو الحساسة، بل أصبحت تستهدف الإرهاب من أجل الإرهاب. التفجير من أجل التفجير؛ كل ذلك بهدف إرباك المنظومة الأمنية والاجتماعية لخلق حالة من الصداع والقلق الأمني المستمر.

لكن الخطورة – كل الخطورة – تكمن في هذا النوع الجديد الذي أصبحت فيه العناصر التي تمارس الإرهاب لا تحتاج إلى الانضمام لداعش أو لجماعات العنف، حيث لا يمكن فهم ثلاثة انفجارات تحدث دون أن يبادر تنظيم داعش بتبني المسؤولية إلا في حالتين: إما أن تكون هذه العناصر قد تلقت التجهيز والتهيئة عن بعد، ثم بادرت (اجتهادا) من عندها بإحداث تلك الضربات، أو أن تنظيما جديدا سيبدأ ظهوره لاحقا بدأ يطل برأسه من الداخل، ويعمل وفق إستراتيجية مستقلة تماما عن التنظيمات الجهادية التقليدية، ولم يعلن عنه بعد!

من المهم أن نحاول فهم ذهنية الإرهاب كيف تفكر؟ وكيف تعمل؟ كما يجب أن نتخلص من تلك الأوصاف (المريحة) التي نصف بها الإرهاب ودرجت اللغة التقليدية في وصفه، ولكنها لا تنفذ مباشرة إلى عمقه، ومن ثم اكتشاف المادة الجاذبة التي تجذب العناصر التي تتقاطر على هذا المشروع. فقد درج الحكي العام لدينا على وصف هؤلاء بالخوارج مثلا، وفي تصوري أن هذا الوصف مريح جدا، كونه يحمل المشكلة وتبعاتها وكل تعقيداتها على فرقة قديمة جدا انتهت أيديولوجيا تماما ولم يعد لها اليوم وجود حقيقي، كما إن المادة الفكرية التي يحملها الإرهاب تختلف جذريا وجوهريا عن المادة الفكرية نفسها التي كان يحملها الخوارج الأوائل. وببحث بسيط بين أيديولوجية الخوارج الأوائل وبين هؤلاء سنجد التباين الشديد بين السياقين، حتى وإن تشابه السياقان في مسألة سفك الدماء أو التمرد على المنظومتين الاجتماعية والسياسية. هناك ما هو أهم من هذا التشابه يختلف فيه جوهريا الخوارج الأوائل مع سياق التيارات الجهادية اليوم، ولكن هناك راحة متحققة في أن ينسب الإرهاب إلى فرقة كانت توصف بالابتداع وقد قامت مذاهب متعددة جراء نشوء تلك الفرقة وغيرها كردة فعل أيديولوجية بحتة شكلت معظم الآراء والاجتهادات التي أصبحت تشكل عبئا كبيرا على واقعية الإسلام اليوم وفضاء التدين في قلوب أتباعه.

من هنا يجب أن نتخلى عن تلك الراحة قليلا، ونمارس مواجهة تراثنا، ففي بعض هذا التراث الذي بين أيدينا، والذي ننادي بتصحيحه وتجديد مفاهيمه، فيه ما يشير إلى بدعة وجود القبر الشريف داخل المسجد النبوي. وهنا كيف لنا أن نمنع من إيصال فكرة (إنكار المنكر) إلى شاب متحمس يتلقى التوجيه من الانترنت؟ إلا بحركة تصحيح ضخمة تعمل على خلق مفاهيم فقهية وعقائدية تتقبل الاختلاف وتبني جيلا محاطا بسياج الوعي المبني على تقبل الاختلاف والتسامح. ببساطة: خلق واقع ديني ووعظي وتربوي أكثر تصالحا مع الذات ومع الحياة ومع الأفكار ومع الآخرين. وإلا فإن ذلك الصداع سيبقى مزمنا ومتناسلا من بعضه إلى أمد غير معلوم!

صحيفة مكة

أضيف بتاريخ :2016/07/08