آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
علي محمد فخرو
عن الكاتب :
مفكر بحريني

ومتى سيصدر تقرير تشيلكوت العرب؟


علي محمد فخرو ..

في بريطانيا، حيث تعمل الديمقراطية من خلال مؤسسات مدنية فاعلة، صدر تقرير تشيلكوت بشأن الدور الذي لعبته مؤسسة الحكم البريطانية في حرب الاجتياح والاحتلال والتدمير للقطر العراقي في العام 2003.

لسنا معنيين بتفاصيل التقرير وأحكامه، خصوصاً فيما يتعلق بتهم الكذب والانتهازية التي طبعت تصرفات رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، طوني بلير، ولا بالعلاقات الحميمة المشبوهة في السياسة فيما بين هذا المسئول البريطاني ورديفه في الكذب والحماقة واحتقار القوانين والأعراف الدولية الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش. فمجتمعات البلدين ستحاكمهما، وستحاسبهما وتعاقبهما، وستعلقهما على أعمدة عار التاريخ كمثالين لغياب الضمير السياسي والخلقي وبالتالي غياب الحس الإنساني تجاه الآخرين. لكننا يجب أن نكون معنيين بطرح السؤال التالي: وماذا عن المؤسسات العربية السياسية والعسكرية وعن المسئولين العرب الذين ساهموا في تسهيل ارتكاب جريمة القرن اللئيمة الشيطانية التي قادت إلى تشويه وإضعاف وإفساد ونهب بلد عربي أساسي شامخ في تاريخ الأمة ومحوري في كل حقول الحياة العربية المعاصرة؟

من حق الشعوب العربية أن تسأل: ما الذي دعا تلك الجهات العربية لتقديم كل أنواع التسهيلات اللوجستية لتدخل جيوش وقوى وأعوان الاستعمار الغربي، الإنجليزي والأميركي على الأخص، عاصمة الرشيد، أحد تيجان الثقافة والعلم والزخم العروبي الصادق في وجه الصلف الصهيوني الاستيطاني؟

هل حقاً أن خبراء تلك الجهات لم يدركوا إمكانية حدوث ما حدث: من حكم أميركي للعراق بهوى صهيوني، من تدخُل إيراني طائفي لتمزيق العراق وجعله جسداً بلا إرادة ولاروح، من صعود للميليشيات والخونة والفاسدين الهادفين لإفقار العراق، ومن تقسيم اثني ومذهبي لكيان دولة العراق، وبالتالي من بناء نظام سياسي فاسد وغير ديمقراطي ومبني على أسس محاصصات طائفية ليحلّ محلّ نظام دكتاتوري مجنون؟

هل حقاً أن مسئولي تلك الجهات أعمتهم الثارات المؤقتة والصراعات الشخصية والمماحكات الإعلامية البليدة مع نظام الحكم العراقي، أعمتهم عن إعطاء وزن وأهمية للمصالح العربية القومية العليا، مُما لم يؤدّ إلى تدمير العراق فقط، وإنما أيضاً إلى فتح أبواب جهنّم لتمتدّ نيران العراق المستباح إلى كل ما حوله عبر طول وعرض وطن العرب.

وإذن، فإذا كانت نتائج ومضاعفات تلك الجريمة النكراء مطروحة للنقاش في أرض مدبّريها من مثل أجهزة استخبارات تلك البلدان وقياداتها السياسية والعسكرية، فلماذا لا يطرح الموضوع في أرض العرب أيضاً بنفس القوة وبأقصى الشفافية حتى يجلّل العار من ارتكب الفحشاء والمنكر، ويعوض شعب العراق، في أرضه المدمرة وفي منافيه، عن ما ألحق به الجنون السياسي من تيه وبؤس وأحزان؟

هل ما ندعو إليه ممكن؟ والجواب أن ذلك ممكن. إذ لا يمكن تصوّر غياب أغنياء عراقيين، وطنيين وشرفاء، وأغنياء عرب آخرين ملتزمين بقضايا أمتهم العربية الكبرى، من أجل تمويل تكوين فريق من الباحثين والدارسين العراقيين والعرب الآخرين للقيام بدراسات موضوعية رصينة بشأن الدور الذي لعبه بعض العرب في إنجاح الهجمة الاستعمارية الإجرامية، عسكرياً وأمنياً وسياسياً، على شعب وأرض العراق.

ليس هدف تلك الدراسة توجيه الاتهامات وإصدار الأحكام، فهذه مهمة مؤسسات القضاء والمجتمع المدني. الهدف هو إنارة فترة مظلمة من تاريخ الأمة الحديث لتعلم الدروس وأخذ العبر، خصوصاً وأن نفس الخفة في التعامل مع المصالح العربية القومية قد مورست ولاتزال تمارس في الكثير من الأقطار العربية الأخرى.

ولعلّ ما يجري في هذه اللحظة في أقطار سورية وليبيا واليمن والسودان والصومال وفي الوطن الفلسطيني يعبر عن فاجعة الغياب التام والهزيمة الكبرى للمصالح العربية القومية المشتركة أمام المصالح القطرية الضيقة وأمام المهاترات العبثية فيما بين أنظمة الحكم العربية.

هناك شعوب تتعلّم الدروس من خلال كشف أخطاء ممارساتها بشجاعة ودون مراوغة، كما أن هناك شعوباً لا تريد أن تكون شريفة مع النفس فتتراكم أخطاؤها وحماقات قادتها عبر القرون وتنتقل من جيل إلى جيل. تاريخ أمتنا يظهر أننا رضينا بأن نكون من الصّنف الثاني فتراكمت الفواجع المأساوية في حياة العرب.

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/07/15

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد