آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
مرزوق بن تنباك
عن الكاتب :
باحث وأكاديمي وأديب سعودي وعضو في هيئة التدريس بقسم اللغة العربية – كلية الآداب – جامعة الملك سعود

لماذا فشل الانقلاب التركي؟


مرزوق بن تنباك ..

الحدث الكبير والمهم في الأسبوع الماضي كان محاولة الجيش التركي أو فصائل منه الانقلاب على السلطة الحاكمة المنتخبة من الشعب، ولم تستمر أكثر من ساعات قليلة تبين خلالها أن الانقلاب قد واجه معارضة كبيرة من الشارع التركي أولا، قبل أنصار الحكومة وبقية فصائل الجيش التي لم تشارك في العملية الانقلابية وقوات الأمن، كان الشارع هو الذي بادر بالرفض وأفشل الانقلاب.

وسيستمر الجدل طويلا حول الفشل الذريع الذي مني به قادة الانقلاب في تركيا يوم الجمعة الماضي، وهو أول فشل من نوعه للعسكرية التركية حامية العلمانية والحارس الأمين لتراث أتاتورك كما يقولون، وستختلف التحليلات حول السبب الذي جعل دعاة الانقلاب لا يصمدون إلا قليلا.
قام الجيش التركي منذ الانقلاب على حكومة عدنان مندريس المدنية عام 1960 بعدد من الانقلابات لم يفشل في أي منها، وأطاح بحكومات منتخبة واستلم السلطة أكثر من مرة، ولم يواجه معارضة شعبية تسقطه وتسقط محاولته في كل تاريخه الحديث، وهو تاريخ مملوء بالمحاولات الناجحة، ولكن الأمر في هذا الانقلاب الأخير أصبح مختلفا، فمنذ اللحظة الأولى تبين أن الريح تجري بغير ما اعتاد الجيش التركي عليه، فهب الشارع وحشد الناس كلهم ضد الانقلاب وضد الانتظار لما سيقول الجيش ويعمل، خرج الشعب كله إلى الميادين والساحات والأسواق معلنين الرفض القاطع لما حدث وانتهت المحاولة خلال ساعات قليلة وكأن شيئا لم يكن.

السؤال المهم كيف حدث هذا الموقف غير المسبوق من الناس بغض النظر عن كل ما يمكن أن يقال من تفسيرات.

الجواب الأول أن تركيا كلها - شعبها وحكومتها - لم تنهض لأجل إردوغان وحزبه ولم تشارك المعارضة في التصدي للمنقلبين من أجل الحزب الخصم، ولكنهم وقفوا جميعا من أجل الديمقراطية والحرية وحقوق الشعب في الأمن والاستقرار ومكاسبه التي حققها خلال السنوات الماضية، ورفضوا اغتصاب السلطة الذي لم يعد الشعب التركي يقبله أو يغض الطرف عنه بعد أن جرب مساحة الحرية التي تمتع بها وأدرك أهمية أن يختار هو من يحكمه بمحض اختياره ورضاه أو رضى الأغلبية، في منافسة شريفة وانتخابات حرة صوت لها الشعب وقبل بنتائجها، وعد من يعتدي على خيار الشعب هو خصمه الحقيقي الذي يقف صفا واحدا ضده.

الثاني الذي جعل الشعب يرفض الانقلاب هو الوضع الاقتصادي الجيد الذي تحقق خلال فترة ليست طويلة، حيث عمل الحزب الحاكم على تنمية اجتماعية وسياسة اقتصادية بعيدة عن الارتجال والتخبط، شعر الإنسان التركي خلالها بالاطمئنان للمستقبل، وأن حكومته معنية بسعادته وتعمل لرفاهيته وتقدم شيئا يدركه الناس ويحسونه عملا وقولا، ولو لم يكن مطمئنا لمستقبل أفضل لدبت الفوضى وحصل الاختلاف والتنازع الذي سيستغله الباحثون عن فرص التغيير فيجدون الطريق إليه سهلا.

الواقع أن الشعب التركي لم ينتصر للحزب الحاكم ولا للمعارضة، انتصر للديمقراطية وشارك بكل مكوناته للصمود ضد الانقلاب، لأنه ذاق فضاء الحرية ودافع عنها وأصر على حقه في أن يعبر عن رأيه فيمن يحكمه، وأثبت أن طريق الديمقراطية طويل ويحتاج إلى تضحيات كبيرة، وهي، أي الديمقراطية، مستقبله الآمن وخياره الاستراتيجي، فقد اختار اليوم حزب العدالة والتنمية، وقد يختار غدا حزبا آخر، المهم أن تعمل آليات الديمقراطية وخياراتها في كل وقت، وهذا ما حصل حين قال الشعب كله لا لاغتصاب السلطة وخرق القانون وجبروت العسكر.

صحيفة مكة

أضيف بتاريخ :2016/07/20

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد