آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
محمد العوفي
عن الكاتب :
كاتب سعودي

الطريق للتعليم الفني والتقني


محمد العوفي ..

إحدى الفرضيات التي بررت عودة أزمة القبول وتوافر المقاعد الدراسية الجامعية في منصات التواصل الاجتماعي ومجالس السعوديين هو تضييق فرص الالتحاق بالتعليم الجامعي، وتوجيه الشباب من الجنسين نحو التعليم التقني والتدريب المهني بما يسهم في سد حاجة البلاد من الفنيين والمهنيين، رغم أنها لم تحضر رسميا في بيانات وتعليقات المتحدث الرسمي لوزارة التعليم مبارك العصيمي خلال الأيام الماضية.

وعدم حضورها في بيانات الوزارة لا يعني أن هذه الفرضية غير ورادة في حسابات وزارة التعليم والمجالس الاقتصادية والتعليمية، فالحديث عن تحويل الشباب نحو التعليم التقني والفني لم يكن وليد اللحظة، فهناك ندوات ومحاضرات منذ عشرات السنين كلها تدفع نحو هذا التوجه، وهو أمر جيد لا أحد ينكر أهميته المستقبلية.

ولكن الطريق إلى ذلك لا يأتي عن طريق خفض أعداد المقاعد الجامعية، وإجبار الطلاب على التوجه إليه، بل يأتي من خلال جعل التعليم التقني والفني خيارا أساسيا للطلبة، وليس بديلا للتعليم الجامعي عندما لا يجد الطالب مقعدا في الجامعة، أو لم يحصل على معدل يؤهله لدخولها.

أحد هذه الأسباب التي ستجعل التعليم التقني والمهني خيارا أوليا في المستقبل، هو وجود قطاع صناعي متطور ومتقدم، قادر على توفير فرص عمل كثيرة لخريجي المعاهد الفنية والكليات التقنية وبرواتب مجزية، تكون أحد أولوياته توظيف السعوديين، وليس استقدام عمالة وافدة رخيصة، وهذا الخيار ممكن في ظل توجه الحكومة لبناء اقتصاد متنوع تكون الصناعات التحويلية والصناعات المتطورة أحد روافده.

السبب الثاني، التركيز على المعاهد المتخصصة في صناعات معينة، ولنا في تجربة المعاهد الفنية المتخصصة في صناعات البترول ومشتقاته تجربة جيدة حيث يتلقى طلاب هذه المعاهد أثناء فترة تدريبهم عروضا للعمل من الشركات العاملة في نفس القطاع، ويمكن أن ننقل منظومة المعاهد المتخصصة بالقطاعات الاقتصادية المختلفة والتي تقوم المؤسسة بتشغيلها بالشراكة مع القطاع الخاص إلى قطاعات أخرى يكون التركيز على التدريب المتخصص الذي يتوافق مع احتياج القطاع وسد احتياج الشركات العاملة في هذا المجال من الأيدي الوطنية المدربة، كالتعدين والصناعات الخفيفة، ومعاهد صناعة السيارات التي لا تزال الفرص فيها واعدة.

يضاف إليهما جودة المنتج والمخرج من الكليات التقنية والمعاهد الفنية، بحيث تتسابق الشركات على التوقيع مع خريجي هذه الكليات والمعاهد، وهم على مقاعد الدراسة، وأعتقد أن ذلك ممكن وليس مستحيلا، لكن الكليات التقنية بينها وبين جودة المنتج مسافة ليست بالقصيرة، فلا يزال تعليم الكليات التقنية متواضعا رغم مساعيها الدائمة للتطوير.

وقياسا على ما سبق، فإننا أمام تحد حقيقي في جعل التعليم التقني والتدريب المهني خيارا أوليا للشباب من الجنسين، تنقصنا فيه الشفافية والوضوح، ويثير كثيرا من الأسئلة التي تتعلق بأعداد الخريجين الذين يحتاجهم سوق العمل خلال السنوات الخمس أو العشر السنوات السابقة، والتخصصات المستهدفة، وإلى أي مدى تستوعب كليات التقنية هذه الأعداد الكبيرة، إذا ما علمنا أن التعليم العام يدفع سنويا بنحو 300 ألف خريج سنوي للتعليم الجامعي، وكيف يمكن توظيفهم في قطاع يتمدد وينكمش وفقا لحجم الإنفاق الحكومي.

على أي حال، التحويل غير المخطط للطلاب من التعليم الجامعي للتعليم المهني والتقني في ظل تواضع القطاع الصناعي، وضعف القطاع الخاص، يعني ترحيل البطالة من خريجي التعليم العالي إلى خريجي الكليات التقنية والمعاهد الفنية الذين لدينا مشكلة أصلا في توظيفهم، والاستشهاد بتجربة دول عدة كألمانيا وكوريا الجنوبية واليابان وغيرها من الدول الصناعية استشهاد في غير محله، لأن هذه الدول لديها قطاعات صناعية متطورة ومنتجة، توفر رواتب مجزية.

زبدة القول، الطريق للتعليم الفني والتقني خيار مستقبلي جيد، لكن التحويل المتدرج والمخطط المبني على مراحل تتابعية، وبناء كل مرحلة على نتيجة سابقتها هو الحل الأمثل لتحويلها إلى خيار أولي للشباب من الجنسين لوفرة وظائفه، ورواتبه المجزية.

صحيفة مكة

أضيف بتاريخ :2016/08/02

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد