آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
مأمون كيوان
عن الكاتب :
باحث سوري في الشؤون الإسرائيلية

ترميم جسور الثقة بين أنقرة وواشنطن

 

مأمون كيوان ..

لقاء رئيس هيئة الأركان الأميركي مع رئيس الوزراء التركي ليس كافياً لترميم جسور الثقة، فأنقرة تحاول ترميم علاقاتها مع موسكو، وواشنطن تعلن خروجها من الشرق الأوسط نحو الشرق الآسيوي

 

تقف العلاقات التركية - الأميركية على مفترق طرق بفعل متغيرات داخلية تركية وخارجية إقليمية ودولية. ولاستشراف مستقبلها المنظور لا بد من تبيان محدداتها وثوابتها ومتغيراتها، وذلك استناداً إلى مراجعة موجزة لمسارها التاريخي الذي شكلت نهاية الحرب العالمية الثانية نقطة بدايتها عندما انطلق الحوار الأميركي التركي وتحول مع بداية الخمسينات إلى تحالف إستراتيجي، نظراً لإدراك واشنطن ضرورة أخذ المصالح التركية بعين الاعتبار في حساباتها الخاصة بتركيا ومنطقة الشرق الأوسط عموما.

 

خلال 70 عاماً المنصرمة تعاقبت 12 إدارة أميركية ديمقراطية وجمهورية اختلفت المبادئ التي اعتمدها الرؤساء لتوجيه السياسة الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط عموما، وعلى نحو خاص تجاه تركيا، وهي على التوالي مبادئ: ترومان (الخطر الشيوعي) وأيزنهاور وكينيدي وجونسون ونيكسون وفورد وكارتر (أمن الخليج) وريجان وبوش الأب وكلينتون وبوش الابن (مشروع الشرق الأوسط الكبير) ومبدأ أوباما.

أما تركيا فشهدت خلال هذه الحقبة التاريخية، إجراء انتخاباتها الحرة الأولى عام 1950. وانضمامها إلى حلف الناتو عام 1952. وحدوث انقلابات عسكرية في الأعوام: 1960 و1971، و1980.

 

واعتبر نيك دانفورث، المحلل السياسي في مركز بايبارتيزان الأميركي للأبحاث، أن انقلاب عام 1960 كان أول انقلاب حقيقي في تاريخ الجمهورية التركية، حيث أطاحت مجموعة من الضباط من رتب متوسطة المستوى، حكومة منتخبة شعبياً، تحولت تدريجاً إلى سلطة مستبدة. ولكن خلافاً لانقلاب 15 يوليو، نجح انقلابيو 1960، ووضعوا الناتو أمام تحد لالتزامه بخطابه المثالي الديموقراطي. وقد بدا أثر ذلك التوتر في مذكرة تحكي ما جرى في أول محادثة تمت بين السفير الأميركي آنذاك في أنقرة، مع جنرال صار رئيساً، في عام 1960. وتوضح تلك الوثيقة كيف كانت واشنطن مستعدة للتعاون مع الحكومة الجديدة. وذكر دانفورث أنه، وقبل انقلاب عام 1960، كان رئيس الوزراء التركي عدنان مندريس، زعيماً مؤيداً جداً لأميركا، ومنذ وصوله إلى السلطة في أول انتخابات ديمقراطية، طبق مندريس إصلاحات السوق المفتوح، وأدخل تركيا في حلف "الناتو".

ويشير دانفورث إلى أنه لم يأت تأييد السفير الأميركي للانقلاب في ذلك العام دون ثمن. فقد اشترط "التحرك بسرعة لإجراء انتخابات نزيهة، وعدم إساءة معاملة رئيس الوزراء المخلوع". ولكن رغم تأكيد الجنرال جمال غورسيل أن مندريس سيلقى معاملة جيدة، فقد تم سجنه وحوكم وصدر حكم بإعدامه. ولطالما وصفه أردوغان بعبارة "الشهيد الديمقراطي".

 

واشنطن دعمت أنقرة عسكريا واقتصاديا من أجل توفير الحماية في مواجهة تهديد الاتحاد السوفيتي. وأقامت 3 قواعد عسكرية كبيرة في تركيا، أبرزها قاعدة "إينجيرليك".

 

وكان الرئيس جورج بوش الابن أول رئيس دولة يعرّف العالم على أردوغان كرئيس للحكومة، حين كان القضاء التركي يناقش ما إذا كان أردوغان علمانيا بما فيه الكفاية أم لا لتولي موقع رئاسة الحكومة. وخلال زيارة جورج بوش إلى أنقرة تصدّر العراق وحزب العمال الكردستاني جدول محادثاته مع رئيس الحكومة (آنذاك) رجب طيب أردوغان. وبدا من المحادثات أن البت بمصير المقاتلين الأكراد ليس أولوية لواشنطن مقارنة مع الوضع الأمني المتفجّر في العراق. لكنها وعدت بزيادة الضغوط على الحزب الكردي وهو ما لم يثر ارتياح أنقرة لأنها رأت في ذلك تسويفاً ومماطلة. كما انتقد أردوغان الولايات المتحدة لفشلها في منع الجهود الكردية للهيمنة على مدينة كركوك الغنية بالنفط في شمال العراق.

وحاول ريتشارد أرميتاج نائب وزير الخارجية الأميركي الأسبق خلال زيارة لأنقرة، ترميم جسور الثقة بين واشنطن وأنقرة. وطمأنت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليسا رايس تركيا من أن واشنطن ملتزمة بعراق موحد في رد على مخاوف أنقرة في ما يتعلق باحتمال انتقال تطلعات الأكراد العراقيين للاستقلال إلى أراضيها.

 

التوتر الأميركي التركي الحالي ليس وليد المحاولة الانقلابية، بل هو حصيلة سنوات من الخلافات بين الطرفين، أبرزها التعامل مع الملف السوري. ففي حين حصرت الولايات المتحدة إستراتيجيتها في سورية بمحاربة "داعش"، على أساس أنه يُمثل التهديد الأبرز لأمن الإقليم والعالم، مع غضّ الطرف عن ممارسات النظام السوري التي لا تقل سوءًا وتهديدًا لأمن الإقليم والعالم، ظلت تركيا تعدّ هذا النظام أصل المشكلة. وترى تركيا أنه بسبب السياسة الأميركية في سورية، عاد الملف الكردي إلى التفجّر بعد فشل عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني، كما غدت مدنها عرضةً لهجمات "داعش"، في حين توترت علاقاتها مع روسيا بعد إسقاطها إحدى مقاتلاتها أواخر السنة الماضية. وزاد من استياء تركيا شعورها بتخلي الولايات المتحدة و"الناتو" عنها، وتزايد مراهنة الولايات المتحدة على القوى الكردية المسلحة في سورية وتقديم الدعم لها. وفضلًا عن ذلك، جاء الموقف الأميركي الملتبس من المحاولة الانقلابية الفاشلة ليجعل التوتر في العلاقة بين الطرفين يبلغ ذروته.

 

ويبدو أن أول لقاء تركي مع الأميركيين بعد الانقلاب ممثلاً في اجتماع رئيس هيئة الأركان الأميركي جوزف دانفورد مع رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم في أنقرة، ليس كافياً لترميم جسور الثقة بين الدولتين، فأنقرة تعطي الأولوية لترميم علاقاتها مع موسكو في حين تعلن واشنطن سراً وعلانية نيتها الخروج من الشرق الوسط نحو الشرق الآسيوي.

 

صحيفة الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2016/08/14

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد