آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
شافي الوسعان
عن الكاتب :
كاتب سعودي (الشرق سابقاً - الوطن حالياً)

المزايدة ليست حلا

 

شافي الوسعان ..

ليس من السهل على الإنسان أن يُعوِّد نفسه على نمط حياة معين، ثم ندخل تعديلا مفاجئا على هذا النمط فيتكيف سريعا معه إلا أن يكون آلة تخلو من المشاعر والأحاسيس والالتزامات

 

لنتفق أولاً على أن هناك أشياء لا يمكن الاختلاف عليها بين السعوديين، وهي أمن الوطن ووحدته وقيادته، وأن الوطن متى ما احتاج إلى تضحيات فإن الجميع سيجودون بأغلى ما يملكون من أجله، كما أن كل قرار تصدره الدولة هو محل احترام بين الجميع سواء اتفقنا معه أو لم نتفق، لكن ذلك لا يمنعنا من مناقشته وقول رأينا فيه، لأن من شروط تحسين صناعة القرار أن يظهر إزاءه من ينتقده ويعترض عليه، وهذا مبدأ سارت عليه الدولة من بداية تأسيسها على يد الموحد عبدالعزيز - طيب الله ثراه - فهو كما يخبرنا عنه حافظ وهبة أنه "لم يكن يحب من مستشاريه أن يؤيدوه في كل ما يقول، بل كان يريد منهم أن يصارحوه الرأي"، ولذلك فإنه لا عزاء للمطبلين الذين يواجهون كل قرار تصدره الدولة بموجة مزايدة على وطنية المختلفين معه، غير مدركين أن الناس لا يختلفون على الوطن إنما يختلفون من أجله، وكلٌ يرى الإصلاح من زاوية رؤيته، فليتهم يكفون عن هذه المزايدات، ويعرفون أن مواعظهم قيمتها صفر في مجال إقناع الناس، فهي لا تطعم طفلاً جائعاً، ولا تنير بيتاً بلا كهرباء، والإنسان مهما كان مثالياً فإنه عندما يُرزأ في قوت عياله فسيخلع عنه رداء المثالية ولسان حاله يقول: "إذا مت ظمآناً فلا نزل القطر".

 

ليعلم الجميع أن كثيراً من الذين يختلفون مع القرار وطنيون جداً، ولا ريب أنهم سيجودون بأرواحهم في سبيل الوطن عند الحاجة، لكنهم لا يعتقدون أن الأوضاع قد وصلت إلى حد من السوء يحتاجون معه إلى تضحية، ويرون أن هنالك حلولاً أخرى كان من الواجب أن تسبق هذا الإجراء في إلغاء بعض البدلات وإيقاف العلاوة السنوية، فعلى الرغم من أن الدولة في حالة حرب، والنفط قد وصل إلى مستويات دنيا هذا العام، إلا أن ميزانية عام 2016 كانت (840 مليار ريال)، وهي لم تختلف كثيراً عن العام الذي يسبقه 2015 والتي كانت ( 860 مليار ريال)، رغم فارق الظروف بين العامين، فمن الأجدر ترشيد الإنفاق الحكومي تحسباً لأي طارئ، فما قبلها من قرارات قد مسَّت حياة الناس بشكل مباشر برفع أسعار الوقود والماء والكهرباء، ولم يعد بإمكانهم تحمل المزيد من الأعباء، فكان المأمول أن يتم البحث عن جهات أخرى يُرشَّد فيها الإنفاق بعيداً عن احتياجات الأسر متوسطة الدخل وما دونها، ومن المعروف أن الطبقة المتوسطة تمثِّل صمام الأمان في كل بلد، وبزوالها يفقد المجتمع توازنه ويزيد فيه معدل الجريمة، لذا يتطلب الإبقاء على هذه الطبقة قدر الإمكان، كذلك كان الأولى أن يبدأ أكبر المستفيدين من الميزانيات التريليونية في الأعوام السابقة ومن كانوا يحصلون على امتيازات أكثر من غيرهم.

 

ليس من السهل على الإنسان أن يُعوِّد نفسه على نمط حياة معين، ثم ندخل تعديلاً مفاجئاً على هذا النمط فيتكيف سريعاً معه إلا أن يكون آلة تخلو من المشاعر والأحاسيس والالتزامات، فهو لأسباب نفسية يحتاج إلى تهيئة وإقناع ووقت طويل ليتكيف مع نمط حياته الجديد، كما أن طريقتنا في محاولة إقناع الناس لم تكن موضوعية ولا منطقية، إذ كانت تعتمد على عاملين، إما الوعظ المباشر القائم على لي أعناق النصوص ومحاولة إنزالها على الواقع بالقوة، وذلك بوعد الصابرين ووعيد الناقمين ومساواتهم أحياناً بغيرهم من المعارضين الذين قد لا يتقاطعون معهم في أي نقطة، وإما بالحديث عن المعنويات والمثل العليا التي تدعو الإنسان إلى أن يسمو بنفسه عن أدران المال والمادة، مع أن هذه الأشياء المطلقة لا وجود لها إلا في عقول المثاليين المتأثرين بتربية أفلاطون المنافقة، وإلا فالواقع أن المال هو من أعظم أسباب السعادة في الدنيا، ونحن نخادع أنفسنا حين نقول إننا لا نحبه وعلى استعداد للتضحية به لأبسط الأسباب، صحيح أن الإنسان ربما يجود بنفسه من أجل الوطن أو أي شيء عزيز آخر، لكن هذه التضحية تكون اختياراً منه لا فرضاً عليه، عندما تكون خياراً حتمياً.

 

إن هذا الوطن عظيم، فعلى الرغم من أنه يخوض حروباً على عدة جبهات، إلا أن حدوده مؤمَّنة تماماً من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، كما أن جبهته الداخلية محصنة وعصية على الاختراق من الأعداء، بفضل الله أولاً ثم بقوة الترابط بين الشعب وقيادته، وعلى الذين يريدون تكميم أفواه الناس وإسكات ألسنتهم بدعوى حساسية المرحلة أن يدركوا أن وطنهم أعظم وأقوى مما يتصورون، ففي أواخر مارس من عام 2011م؛ سئل الملك سلمان قبل توليه الحكم عن رأيه في صحفيين وكتاب يخالفون منهج الدولة - من وجهة نظر السائل -، ثم سأله عن مقترحه لتقويم مسار الإعلام، فأجاب الملك بقوله: "إذا كُتِبَ شيء يخالف المصلحة أو العقيدة فعند طلبة العلم والمفكرين الفرصة للرد عليهم، فإن كان الناقد معه حق في نقده، فأنا آخذ به وأشكره عليه، أما إن جانبه الصواب، فهو قد أعطاني فرصة للرد عليه".

 

صحيفة الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2016/10/02

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد