آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

معركة حلب تقترب من نهايتها.. المبعوث الدولي يتبنى اقتراح الأسد بخروج آمن لمقاتلي النصرة.. ولكن إلى أين؟


 
عبد الباري عطوان ..

عندما يعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية ايغور كوناشينكوف “أن أي غارات على الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية تعتبر تهديدا للعسكريين الروس، ولذلك سيتم التصدي لها”، ويؤكد أنه بعد استهداف القوات السورية في دير الزور يوم 17 أيلول (سبتمبر) الماضي “اتخذنا التدابير اللازمة لمنع حدوث مثل هذه الأخطاء ضد العسكريين الروس″، فإن هذا هو بمثابة تحذير قوي للولايات المتحدة بالتفكير ألف مرة قبل تنفيذ خططها التي جرى تسريبها في الأيام القليلة الماضية، حول نواياها بضرب مطارات وقواعد للجيش السوري.

صواريخ “اس 300″ المتطورة المضادة للطائرات ستتصدى لأي طائرات أمريكية، هذا ما يمكن استخلاصه من تصريحات المتحدث الروسي، خاصة تلك التي قال فيها “يجب على واشنطن الفهم أن الدفاعات الجوية الروسية لن يكون لديها وقت لمعرفة البرنامج المحدد للصواريخ ومن مطلقها”.

هذا الالتزام الروسي، وعلى أعلى المستويات، هو الذي يفسر نبرة الثقة التي يمكن ملاحظتها من خلال متابعة المقابلة التي أدلى بها الرئيس السوري بشار الأسد مع قناة تلفزيونية دانماركية، وبثت اليوم (الخميس)، وتعهد فيها، ليس باسترجاع مدينة حلب، بل جميع الأراضي السورية في غضون فترة قصيرة.
***
استعادة حلب، حسب وجهة نظر الرئيس السوري، يجب أن تتم “من خلال اتفاقات محلية وإصدار عفو يسمح لمقاتلي المعارضة بالمغادرة إلى مناطق أخرى”، ويبدو أن اتفاقا في هذا الخصوص جرى التوصل إليه فعلا، وبات على وشك التنفيذ.

ستيفان دي ميستورا، الموفد العام للأمم المتحدة في سورية، أطلق نداءا مؤثرا لإنقاذ الإحياء الشرقية من المدينة، حذر فيه من أن المدينة (حلب) قد تدمر بالكامل بنهاية العام، وطالب المسلحين الإسلاميين (جبهة فتح الشام ـ النصرة وحلفاؤها) بمغادرتها.

المبعوث الدولي دي ميستورا، ذهب إلى ما هو ابعد من ذلك عندما برر الضربات الجوية الروسية المكثفة للمدينة منذ أسبوعين، بقوله أنها جاءت بسبب وجود “جبهة النصرة”، وقال مخاطبا “الجهاديين” “إذا قررتم الخروج بكرامة ومع أسلحتكم فإنني مستعد شخصيا لمرافقتكم”، واتهم مسلحي جبهة “النصرة” باحتجاز المدنيين اليائسين المحتاجين إلى المساعدات الضرورية لإنقاذ حياتهم “رهائن” لرفضهم الانسحاب من المدينة.

كلام المبعوث الدولي، الذي يبعث على اليأس والتشاؤم، يعني أحد أمرين: الأول أن يغادر المسلحون حلب الشرقية إلى أماكن أخرى، وبما يؤدي إلى حقن الدماء ورفع الحصار، وإيصال المساعدات الإنسانية لحوالي 200 ألف من السكان، أو استمرار القصف الروسي، وتدمير ما تبقى من المدينة فوق رؤوسهم، مثلما يعني أن المجتمع الدولي غسل يديه كليا من أي مسؤولية تجاههم.

سكان مدينة حلب، مثل مناطق سورية أخرى، تعرضوا للتضليل والوعود الكاذبة بالدعم، وإسقاط النظام السوري من قبل قوى عديدة إقليمية ودولية، والآن يقفون وحدهم في مواجهة القصف بعد أن تخلى عنهم الجميع، والمعارضة السورية أيضا،  وأقصى ما يمكن أن يتطلعوا إليه من دعم هو بعض النواح على الفضائيات.

إلى أين سيذهب مقاتلو الجماعات المسلحة الإسلامية الذين قدر عددهم دي ميستورا بحوالي 900 مسلح فقط.. إلى إدلب أم جسر الشغور، أم إلى المنطقة العازلة التي تخطط تركيا حاليا لإقامتها على مساحة خمسة آلاف كيلومتر مربع، أي نصف مساحة لبنان؟

ومن يضمن عدم ملاحقتهم بالغارات الروسية في الجو، وقصف قوات الجيش السوري على الأرض؟ ثم هل ستسمح لهم تركيا بالتمركز في المنطقة العازلة واستخدامها كنقطة انطلاق لعملياتها بعد المصالحة التي تمت بينها وبين روسيا؟ ومن يضمن بقاء هذه المنطقة أساسا، أو أنها لن تستخدم ورقة مساومة في إطار تسويات إقليمية لاحقا، تماما مثلما تخلت تركيا عن حلب، وسحبت كل الفصائل الموالية لها منها للقتال تحت مظلتها في جرابلس والباب ضد الأكراد و”الدولة الإسلامية”؟
***
معركة حلب أوشكت على الانتهاء، والخطة الروسية السورية لاستعادتها بدأت تعطي بعض ثمارها حتى الآن، وإجلاء المسلحين من أحيائها الشرقية بات هو الخيار الأكثر ترجيحا، وهذا لو تم فعلا، فأنه سيكون نكسة كبرى للمعارضة السورية بشقيها المعتدل والمتشدد على حد سواء، وبما يصب في مصلحة الحكومة السورية وحلفائها.

الحليف الروسي ما زال يملك اليد العليا في سورية، وهو الذي يضع قوانين الحرب والسلام، واجتماع مجلس الأمن الدولي المتوقع غدا الجمعة قد يصدر قرارا يصادق على هذه الحقيقة، وإلا فالفيتو الروسي جاهز.

نشعر بالألم على أرواح مئات الآلاف من الضحايا السوريين الذين سقطوا بسبب رهان البعض على الولايات المتحدة، وحلفائها العرب والأتراك، وندعو لهم بالرحمة، وللجرحى بالشفاء العاجل.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/10/07

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد