آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

نهاية “الدولة الإسلامية” ربما تكون وشيكة نظريا ببدء التحالف لمعركة الموصل لتفكيكها..

 

عبد الباري عطوان ..

أعلن السيد حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي بدء عملية استعادت مدينة الموصل العسكرية من أيدي قوات “الدولة الإسلامية” التي سيطرت عليها قبل عامين، وتشير ضخامة أعداد القوات العراقية والكردية المشاركة فيها إلى مدى الجدية التي يوليها التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة لتحقيق “انتصار” لإدارة الرئيس باراك أوباما يختتم به دورتي حكمه، ويسهل فوز مرشحة حزبه الديمقراطي في انتخابات الرئاسة السيدة هيلاري كلينتون.

 

بدايات الحروب دائما معروفة، ولكن نهايتها تظل مجهولة، والانتصار مهما كان سهلا، لا يمكن أن يكون ضمانة للاستقرار والديمومة، وهناك دائما استثناء لهذه القاعدة، وحرب الموصل قد تدخل التاريخ العسكري، مثل معارك أخرى، كحطين، ودابق، والقادسية، وعكا، وستالينغراد، وسايغون، والقائمة تطول.

 

فإذا كانت معركة حلب هي معركة روسيا وحلفاؤها، فأن معركة الموصل هي معركة أمريكا وحلفائها أيضا، ومن المفارقة أن بعضهم حلفاء روسيا أيضا، ويلتقون معها، أي أمريكا، على أرضية العداء لهذه “الدولة” التي غافلت الجميع وفاجأتهم باستيلائها السريع، وبأقل قدر من الخسائر، على هذه المدينة.

 

الذين يتنبأون بنهاية سريعة لهذه المعركة بسبب ضخامة الحشود، والتجهيزات الهائلة للأطراف المشاركة فيها بقيادة دولة أمريكا العظمى، ربما يكونوا متفائلين أكثر من اللازم، لأن الخصم مختلف، واستعداداته الدفاعية من المفترض أنها ضخمة، وخيار مقاتليه، أما الموت أو الموت، ونحن نتحدث هنا عن النواة القوية للتنظيم.

***

طوال العامين الماضيين ومقاتلي “الدولة الإسلامية” يستعدون لهذه المعركة ويتوقعونها، ويحفرون الأنفاق والخنادق، ويدركون حجم الحشود المهيئة لقتالهم، فهم سيقاتلون وظهورهم إلى الحائط، الأمر الذي قد يؤدي إلى ارتفاع حجم الخسائر في صفوف المهاجمين والمدافعين أيضا، إلى جانب الخسائر في صفوف المدنيين.

 

الأرض تقاتل مع أصحابها، والمدافعون في موقف أقوى من المهاجمين، وإذا صحت الأنباء التي تقول بأن “الدولة الإسلامية” تملك أسلحة كيماوية، فإنها لن تتردد في استخدامها، لأنه لن يكون لديها ما يمكن أن تخسره لأن الموصل، وحسب أدبياتها، ليست الفلوجة وتكريت والرمادي، وخسارتها تعني خسارة العراق كله، ومقدمة لخسارة عاصمتها في الرقة.

 

هناك خمسة آلاف جندي أمريكي يتواجدون حاليا في العراق، وسيكون هؤلاء في المقدمة على الأرض، ويديرون المعركة، ويحددون الأهداف للطائرات في الجو، ولكن العبء الأكبر سيلقى على عاتق القوات العراقية التي سيزيد تعدادها عن ستين ألفا، وقوات الحشد الشعبي ذات الغالبية الشيعية، وقوات الحشد الوطني والعشائري السني، إلى جانب قوات البشمرغة.

 

هناك أسئلة عديدة تبحث عن إجابات، أولها كم ستطول هذه الحرب؟ ومن هم ضحاياها؟ وهل سقوط الموصل في أيدي التحالف سيكون نهاية “الدولة الإسلامية”؟ وما هو موقف الدول الإقليمية مثل تركيا والسعودية وإيران مثلا؟ وهل سيؤدي هذا السقوط إلى بدء صفحة جديدة من التعايش الطائفي في العراق، أم إشعال حرب مذهبية؟

 

من الصعب الإجابة على كل هذه الأسئلة ومعركة الموصل ما زالت في يومها الأول، ولكن لم تتوقع الولايات المتحدة التي احتلت العراق بسهولة ودون خسائر أن تنفجر المقاومة لاحتلالها على أرضه، مثلما لم تتوقع أن تملأ الجماعات الإسلامية المتشددة الفراغ الذي تركه انهيار النظام السابق، كما أن التحالف الأمريكي الخليجي التركي الذي دعم المعارضة المسلحة في سورية كان يقول أن أيام الرئيس الأسد معدودة، ولم يخطر في ذهنه أن الحرب ستدخل عامها السادس، وستتدخل روسيا عسكريا فيها.

 

منطقة الشرق الأوسط أكثر مناطق العالم قدرة على المفاجأة، وهي الأصعب على العرافيين الذين يحاولون التنبؤ بتطورات أحداثها، ودائما “اليوم التالي” للمعارك والانتصارات بداية تطورات لم تكن في الحسبان مطلقا.

 

لا نعتقد أن سقوط الموصل واستعادتها سيكون نهاية “الدولة الإسلامية”، تماما مثلما كان سقوط حركة طالبان عام 2001 بداية لانبعاث جديد لها، فخسارة “الدولة الإسلامية” للموصل، وربما الرقة بعدها، قد يعفيها من عبء كبير أي إدارة هذه المناطق في ظل وجود طائرات وقوات لتحالف يضم أكثر من ستين دولة وحصار خانق، وسيجعلها، وهي التي جندت عشرات الآلاف من المقاتلين، أكثر خطورة إذا ما نزلت تحت الأرض، واعتمدت الإرهاب كأداة انتقامية من خصومها، عربا كانوا أو غربيين.

 

الأمريكان وحلفاؤهم الذين دخلوا بغداد بعد سقوطها في أيديهم تحدثوا عن “عراق جديد” حافل بالديمقراطية والحريات والرخاء الإقتصادي، والسيد العبادي تحدث بالاسم عن “عراق مختلف” يتعايش فيه الجميع، ولمح إلى تصحيح أخطاء الماضي التي أدت إلى ظهور ظاهرة “الدولة الإسلامية” والجماعات المتطرفة، وهذا الوعي بالمخاطر المستقبلية على درجة كبيرة من الأهمية، ولكن المهم هو التطبيق العملي، والروح الوطنية الجامعة.

***

استعادة الموصل بمشاركة الأكراد وقواتهم، وإصرار الأتراك على حصتهم من الكعكة، ومراقبة روسيا المريبة، وتأهب إيران، كلها مؤشرات على أن المستقبل ربما يشهد صراعات من نوع آخر، فكل الأطراف تشحذ سكاكينها وتريد نصيبها من “الغنيمة”.

 

لا نطرح وجهة النظر هذه لأننا نريد رسم صورة تشاؤمية، وإنما للتحذير من المخاطر، والحث على تجنب الأخطاء، فنحن أبناء هذه المنطقة، وعشنا أحداثها على مدى أربعين عاما، ونعرف مكامن الخطر، ونرفض أن نكون طرفا منحازا ونمارس التضليل، فللتضليل أهله وإمبراطورياته الإعلامية الضخمة وأذرعتها الضاربة.

 

قليلون هم الذين سيتأسفون على هزيمة “الدولة الإسلامية” بالمقارنة بحجم المعسكر الذي يريد زوالها، ويعتبرها ظاهرة إرهابية دموية تشوه الإسلام، وهذا لا يعني التقليل من خطر هؤلاء ووجهة نظرهم، ونجد لزاما علينا التذكير بأنهم كانوا الحاضنة لها في العراق وسورية، التي احتاج الأمر إلى ستين دولة من بينها قوتان عظميان، وعشرات الدول الإقليمية والأوروبية نصف العظمى لمحاربتها وهزيمتها.

 

التحالف الستيني وحلفاؤه يملكون دائما الخطة A، ولكنهم يفتقرون دائما للخطة B، أي ما بعد الحرب، فهل يكررون الخطأ نفسه في الموصل؟

نترك الإجابة للأسابيع والأشهر، وربما السنوات المقبلة.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/10/18

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد