آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

لماذا يكرر كتاب مصر عبارة “لن نركع″ بكثرة هذه الأيام في إشارة إلى السعودية؟

 

عبد الباري عطوان ..

عندما تسأل بعض الزملاء الصحافيين في مصر عن أسباب غضبتهم على المملكة العربية السعودية، وتكرار استخدامهم تعبير “لن نركع لغير الله” في الكثير من مقالاتهم، وعن هوية الجهات، أو الدول، التي تريد “تركيعهم”، لا يترددون في القول إنها السعودية التي تريدنا أن نكون أتباعاً، وتتعامل معنا كمصريين بعقلية “الكفيل”، وليس كدولة تملك أرثاً حضاريا يمتد لأكثر من 8000 عام.

 

المصريون يملكون كمًا هائلاً من الاعتداد بالنفس، تصل إلى وصفها من البعض بالشوفينية، وحساسية هائلة تجاه الأشقاء الخليجيين، وما زالوا، أو نسبة كبيرة منهم، تنظر إلى دول الخليج على أنها أقل تطورا بالمقارنة بمصر، رغم أن واقع الحال عكس ذلك تماما.

 

الرئيس عبد الفتاح السيسي حاول في لقائه مع رؤوساء تحرير الصحف المصرية الرئيسية أن ينفي وجود أي خلاف بين بلاده والمملكة، واتهم الإعلام وبعض وسائط التواصل الاجتماعي بتعكير الأجواء بين البلدين، وفعلا هدأت الحملات الإعلامية من الجانب المصري على الأقل، ولكن النار ما زالت تحت الرماد، وأكد لي أحد هؤلاء الزملاء في اتصال هاتفي “غير مسبوق” من القاهرة أن التوتر في العلاقات ما زال مستمرا، والأيام المقبلة ستشهد تصعيدا وخطوات مصرية قد تفاجيء الكثيرين.

 

***

الصحافي المخضرم مكرم محمد أحمد الذي يعتبر من الأكثر قربا من الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وتولى مهمة كتابة مسودات خطاباته، وتوصف علاقته بالرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي بأنها قوية جدا، بدأ جولة جديدة من انتقاد السعودية أمس عندما ظهر في برنامج تلفزيوني، وفجر قنبلة تؤكد أن “إسرائيل ستتسلم المهام الأمنية في جزيرتي تيران وصنافير”، وكشف أن السعودية رفضت ثلاث مرات إيصال الغاز لمصر في بضعة أشهر، وأنها أصرت على تنازلها، أي مصر، عن الجزيرتين قبل هبوط طائرة الملك سلمان في مطار القاهرة أثناء زيارته الأخيرة.

 

مصادر مصرية أكدت، أن ما لم يقله السيد مكرم أن الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي هو الذي تقدم بهذا الطلب في رسالة “قاسية” و”جافة” بعث بها إلى الرئيس السيسي، وجرى التكتم عليها لانجاح زيارة العاهل السعودي الرسمية للقاهرة، ولحاجة الخزينة المصرية إلى الودائع والاستثمارات السعودية التي أكد أنه ليس من بينها أي منح، وأنها قروض وبنسب فوائد محددة، وفق المعايير المتبعة في الأسواق المالية العالمية وتتراوح بين 2 و3 بالمئة، وكان من الصعب بالنسبة إلينا، التأكد من مضمون الرسالة التي أغضبت المصريين حكومة وإعلاما.

 

السعوديون يقدمون هذه الودائع المالية التي اقتربت من 30 مليار دولار حتى الآن، ويتوقعون من مصر أن تقف في خندقهم السياسي وحروبهم الإقليمية في اليمن وسورية، وضد إيران على وجه الخصوص، التي تقف في الخندق المقابل مثلما تفعل دول عديدة أخرى، ولهذا استاءوا من موقف مصر في سورية الداعم للنظام، وتصويتها لصالح مشروع قرار روسي في مجلس الأمن، مثلما استاءوا أيضا من “الغزل” المصري المتزايد لإيران، واللقاء بين وزير الخارجية سامح شكري ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، الأمر المؤكد أن الغضب السعودي وصل ذروته عندما طلبت إيران حضور ممثل مصر لاجتماع لوزان حول سورية الأسبوع الماضي كشرط لحضورها.

 

احتجاج السلطات السعودية على هذا التقارب المصري مع كل من إيران وروسيا، وجرت ترجمته عمليا بوقف شحنات النفط التي تقدر بحوالي 700 ألف طن شهريا لخمس سنوات، رش الكثير من الملح على جرح العلاقات الملتهب، وتساءل الزميل الصحافي نفسه بالقول: “لماذا تحتج السعودية على تقاربنا مع إيران وأي محاولة لإقامة علاقات دبلوماسية معها، ولا تعامل تركيا حليفتها وصديقتها بالمثل، وهي التي تقيم علاقات قوية جدا مع طهران، وزارها الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس وزرائه بن علي يلدريم قبل بضعة أشهر، وتم الاتفاق على زيادة التبادل التجاري بين البلدين إلى أكثر من ثلاثين مليار دولار.. فلماذا حلال على تركيا وحرام على مصر؟، وواصل قائلا بغضب “إنهم يريدونا أن نكون أتباعا”.

 

الزيارة التي قام بها اللواء علي المملوك رئيس جهاز الأمن الوطني السوري على رأس وفد كبير إلى القاهرة ولقاؤه مع نظيره المصري اللواء خالد فوزي، وبعد وقف شحنات النفط السعودي، وتصويت مصر لصالح القرار الروسي في مجلس الأمن ستوسع الشرخ حتما في العلاقات المصرية السعودية، ورغم أن الإعلان عن هذه الزيارة (ليست الأولى على أي حال)، جاء من الجانب السوري، وأن اللواء المملوك زار جدة قبل ذلك، إلا أنه سيكون من الصعب على القيادة السعودية “بلعها”.

 

***

اللافت أن الغضب السعودي على مصر وقيادتها الحالية بدأ يمتد إلى الحلفاء الخليجيين، وخاصة دولة الأمارات العربية المتحدة التي دعمت وبقوة ومنذ اليوم الأول الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي، فالزيارات “العلنية” المتبادلة بين المسؤولين في القاهرة وأبو ظبي باتت شحيحة في الأشهر القليلة الماضية، لأن القيادة الإماراتية عندما تجد نفسها مخيرة بين الرياض والقاهرة، فأنها قطعا ستختار الأولى، وهذا ما يفسر إلقاء الأمارات بكل ثقلها خلف السعودية في حرب اليمن، وتقاربها الحالي مع تركيا الداعم الرئيسي لحركة الإخوان المسلمين المصرية، وهو التقارب الذي تمثل في زيارة الشيخ عبد الله بن زايد، وزير الخارجية الإماراتي، إلى أنقرة والاستقبال الحار الذي حظي به في القصر الرئاسي من قبل الرئيس أردوغان، (استقبل كرئيس دولة).

 

صحيح أن السعودية أرسلت ملياري دولار إلى الخزينة المصرية كوديعة لتسهيل اتفاق الـ13 مليار مع البنك الدولي، ولكن وقف إمدادات الغاز والنفط السعودي (يقال أن الجنرال الليبي خليفة حفتر سارع بسد احتياجات مصر العاجلة منهما)، يؤكد أن الأزمة ما زالت مستمرة ومتفاقمة، والمدفعية الإعلامية المصرية الثقيلة تستعد لاستئناف القصف.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/10/20

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد