آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

تابعنا المناظرة الأخيرة بين ترامب وهيلاري كلينتون.. العراق وسورية والهجرة هي القضايا الأكثر حسما

 

عبد الباري عطوان ..

تابعت، مثل الملايين غيري، المناظرة الثالثة والأخيرة بين المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، وخصمها الجمهوري دونالد ترامب، ورغم أن معظم استطلاعات الرأي، والمحللين والكتاب في الصحافتين الأمريكية والبريطانية (الانجلوساكسون) ترجح فوز الأولى، أي السيدة كلينتون، إلا أن السباق لم يحسم بعد والمفاجآت ما زالت ممكنة.

 

صحيح أن السيدة كلينتون تصرفت بطريقة منضبطة تنطوي على الكثير من الخبرة والثقة، اكتسبتهما من تجربتها كوزيرة الخارجية، إلا أن المرشح ترامب اظهر أداء جيدا في هذه الجولة، وتفوق على منافسته في معظم القضايا الداخلية والخارجية، وبالتحديد في ملفي الهجرة من ناحية، وسورية والعراق من ناحية أخرى.

 

عندما نركز هنا على الهجرة، فأن العالم الغربي يعاني من الإسلاموفوبيا، ويظهر كراهية معلنة أحيانا، ومدفونة في أحيان أخرى، تجاه المهاجرين، حتى أصحاب البشرة البيضاء، مثلما هو حادث حاليا في بريطانيا التي صوتت للخروج من الاتحاد الأوربي للسيطرة على حدودها، وإغلاق بواباتها في وجه المهاجرين الأوروبيين القادمين من بولندا ورومانيا وبلغاريا.

 

ترامب يدرك جيدا المشاعر العنصرية لدى الناخبين البيض في أمريكا، ولهذا ركز على إقامة حائط على الحدود المكسيكية الأمريكية، وتعهد بإبعاد حوالي ثمانية ملايين مهاجر غير شرعي، اتهمهم بنشر الجريمة والمخدرات في المجتمع الأمريكي، وعزز هذه المشاعر بتأييد حيازة الأمريكيين للأسلحة، والتأكيد على إعادة هيبة أمريكا وعظمتها في الوقت نفسه.

 

النقطة الرئيسية التي استخدمتها وسائل الإعلام الأمريكية والغربية ضده، تلك التي رفض ان يتعهد فيها باحترام نتائج صناديق الاقتراع، وإصراره على احتمالية حدوث عمليات تزوير في عدد الأصوات، وتحديد هوية الفائز مسبقا، وهو موقف تراجع عنه لاحقا.

***

اتهامات ترامب لـ “المؤسسة” الأمريكية الحاكمة من خلف الستار بالتزوير لا يجب أن تكون مستهجنة، فهناك قناعة لدى نسبة كبيرة من الأمريكيين أن جورج دبليو بوش فاز على خصمه الديمقراطي قبل 16 عاما بالتزوير في ميامي، كما أن من يغزو بلدا استنادا على أكاذيب، مثلما هو الحال في العراق، يستطيع أن يفعل أي شيء آخر، ومن يكذب ويزور مرة سيكرر فعلته عدة مرات.

 

الإعلام ضد ترامب، ونسبة لا باس بها من نواب الحزب الجمهوري في مجلسي الشيوخ والنواب لا يدعمون حملته الانتخابية، والشيء نفسه يقال عن اللوبي اليهودي في أمريكا الذي يجاهر بوقوفه خلف كلينتون، ولكن هذا التحشيد من قبل “المؤسسة” ربما يكون ورقته الأقوى للفوز، اللهم إلا إذا حدثت عملية تزوير غيرت النتائج لمصلحة منافسته بطريقة أو بأخرى، وللتزوير أشكال متعددة، تزداد تقدما وذكاء كلما تقدمت الدول وتعصرنت أجهزتها، والعكس صحيح.

 

ترامب كان مصيبا في رأينا عندما قال أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر ذكاء من نظيره أوباما، ومن السيدة كلينتون في ملفي سورية والعراق خاصة، ونحن نضيف إليهما ملف أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، وكان مصيبا أيضا في معارضته لحرب العراق، وتحميله الغزو الأمريكي المسؤولية عن كل التطورات التي وقعت بعده، وأهمها صعود نجم “الدولة الإسلامية”، وتسليم العراق كله للنفوذ الإيراني.

 

نحن لا ندافع هنا عن ترامب، ولكننا نحاول تقديم صورة مختلفة موضوعية عن تلك التي تروج لها مختلف وسائل الإعلام الغربية والعربية معا، التي تناصبه العداء وتنتصر للسيدة كلينتون، حليفة إسرائيل الأبرز، والمتعهدة بدعم سياساتها التوسعية الاستيطانية دون تحفظ، فمن الحكمة في بعض الأحيان “التغريد” خارج السرب، والابتعاد عن القطيع.

 

جميع استطلاعات الرأي تؤكد تقدم السيدة كلينتون على خصمها بست نقاط على الأقل، ولكن هناك نسبة كبيرة من المصوتين لم تحدد موقفها بعد، ومن المفارقة أن استطلاعات الرأي هذه نفسها، أكدت أن الغالبية من البريطانيين تفضل البقاء في الاتحاد الأوروبي، وجاءت نتائج الاستفتاء صادمة ومغايرة لذلك تماما.

 

بينما كنت في طريقي للمشاركة في برنامج لتلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية باللغة الإنكليزية، كنت استمع إلى نقاش في احد المحطات الشعبية الإذاعية، حيث يتم فتح الأثير للمتصلين للتعبير عن آرائهم تجاه المرشحين الرئاسيين الأمريكيين، وفوجئت أن الغالبية الساحقة من النساء البريطانيات المتصلات لا يؤيدن السيدة كلينتون، ولا يثقن بها، ولا يردن فوزها، رغم إلحاح المذيع وتأكيداته على إهانات ترامب للمرأة، وهي ابرز نقاط ضعف حملته في نظر خصومه، حتى أنني اعتقدت أنني استمع إلى محطة تبث من الصحاري العربية، ليس من قلب لندن، واعذروني على التشبيه.

***

لا نفضل استخدام كلمة “أخطر” و”أضخم” في الإشارة إلى هذه الانتخابات، وما يمكن أن يترتب عليها من تطورات، كما أننا لا نريد أن نتنبأ بفوز هذا المرشح أو تلك، ولكن نضرب مثلا بحزب العمال البريطاني، فالغالبية الساحقة من نواب الحزب في البرلمان تحالفوا للإطاحة برئيسه اليساري المناصر للعرب والمناهض لحرب العراق جيرمي كوربين، وهو صديق بالمناسبة، وذهبوا إلى قاعدة الحزب الشعبية مرتين لتحقيق هذا الهدف، ولكنه فاز وبأغلبية كبيرة فيهما لأن القاعدة الشعبية الانتخابية تتمسك به، وتنتصر له، وللمؤسسة البريطانية الحاكمة تكن له العداء، ولا تريد زعامته لحزب المعارضة.

 

لا نعرف ما إذا كانت المقارنة بين ترامب وكوربن دقيقة، ولكن السابقة البريطانية هذه يمكن أن تتكرر في حالة ترامب في أمريكا، لأنه يبدو متمردا والحلقة الأضعف “Underdog”، وأي محاولة تمنع فوزه، بالتزوير، أو بالنزاهة، قد تؤدي إلى حدوث تمرد في أوساط أنصاره، وحدوث شرخ كبير في أمريكا، وهذا ما لا ناسف عليه كعرب ومسلمين عانوا، وما زالوا يعانون، من الدمار الذي ارتكبته هذه القوة العظمى وجيوشها وطائراتها وأسلحتها وأموالها في بلداننا.. وإيصالنا إلى حال الانهيار التي نعيشها.

 

أيا كانت هوية الفائز في هذه الانتخابات سيكون ضدنا كعرب ومسلمين، وسيتبنى سياسات معادية لنا، وخبرنا السيدة كلينتون التي أيدت حرب العراق، والتدخل العسكري الكارثي لحلف “الناتو” في ليبيا، وتتوعد بتدخل مماثل في سورية في حال فوزها، مما يعني المزيد من المجازر وحمامات الدماء، وربما اندلاع حرب عالمية على أرضنا، ولا نعتقد مطلقا أن ترامب سيكون أكثر سوءا منها، وحتى لو كان كذلك فليس لدينا ما نخسره.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/10/21

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد