آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
طراد بن سعيد العمري
عن الكاتب :
باحث وكاتب في العلاقات الدولية؛ الشئون الإستراتيجية؛ الدراسات العسكرية؛ المجتمع الخليجي؛ وشئون العمل والبطالة

الصدمة: الحكومة بين النجاح والإفلاس

 

طراد بن سعيد العمري ..

نجحت الحكومة أخيراً، في كسر حاجز التواصل النفسي بالسماح للوزراء بالظهور على الإعلام ومحاولة شرح بعض القضايا التي تمس حياة المواطن. كما نجح الإعلامي دَاوُدَ الشريان وفريق برنامج الثامنة في تقديم وجبة إعلامية اشتاق لها المجتمع منذ زمن. فشل الوزراء في إرسال الرسالة التطمينية المستهدفة للمواطن، كما فشلوا في إرساء قواعد الثقة المطلوبة في أداء الحكومة. وبحسب استفتاء تويتري شارك فيه أكثر من (28) ألف تم إجراءه عن الحلقة ذكر (60%) بأنهم غير مقتنعين أبداً، بينما صوت (2%) فقط بأن أداء الوزراء في الحلقة كان ناجحاً جداً، أما النسبة المتبقية فتراوحت بين (23%) نجحوا إلى حد ما و (15%) لا أدري. النتيجة التي استشفها المجتمع بعد الحلقة كانت صادمة لعدة أسباب، أهمها: أن السعودية على حافة الإفلاس خلال (3.5) سنوات. بُثت الحلقة مسجلة مما زاد من عزوف البعض، وشكوك البعض الآخر، كما أن إعادة تركيب المقاطع لم تكن متناغمة مع تسلسل مواضيع النقاش. يمكن تصنيف الوزراء الذين شاركوا إلى مدرستين: (1) المدرسة القديمة (الدفاعية): ويمثلها د.إبراهيم العساف، وزير المالية؛ (2) المدرسة الحديثة (الهجومية): ويمثلها أ. خالد العرج، وزير الخدمة المدنية و أ. محمد التويجري، نائب وزير الإقتصاد والتخطيط. نجزم أن صدى الحلقة سيبقى في أذهان المجتمع لأمد طويل، ولا نستغرب إذا ما سمعنا عن تغيير وزاري قريباً، وتغيير منهج الحكومة في عدد من القضايا، وربما التراجع عن بعض السياسات.

 

فكرة الظهور في الإعلام للوزراء لشرح ما غمض من قرارات هي فكرة ناجحة ومطلوبة وضرورية ويجب تكرارها بصرف النظر عن رجع الصدى السلبي لحلقة الأمس، وبقدر تكرار الظهور بقدر انخفاض السلبي وارتفاع الإيجابي. فالتفسيرات لأسباب الصدمة وخيبات الأمل لدى المشاهدين في المجتمع عديدة ومتنوعة لكن من أهمها ارتفاع سقف التوقعات وهو ما نجادل به مراراً وتكراراً. الصدمة الكبرى التي أصابت المجتمع بالذهول هي حديث نائب وزير الإقتصاد والتخطيط أن الحكومة شارفت على الإفلاس خلال (3.5) سنوات لولم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة. يتعجب أستاذنا الكاتب خالد الوابل في تغريدة على حسابه أن يقال هذا التصريح الصادم بوجود “وزير المالية وهو الذي دائماً يردد “إقتصادنا متين” ومع هذا لم يعترض؛ فياترى من نصدق؟” وفي تغريدة ثانية يقول الوابل ” .. فللمواطن الحق أن يقلق ويستنكر لأن هناك أحد يكذب”. أما الأستاذ محمد المهنا أبالخيل فيقول في تغريدة على حسابه: “لا أعرف وزير أو نائب وزير في دولة نامية يصرح بأن الدولة مهددة بالإفلاس يستحق أن يبقى في منصبه”. أما نحن فنظن أن موضوع الإفلاس هو تكتيك من وزارة الإقتصاد والتخطيط لتضخيم المشكلة للتلويح بالإفلاس ليتقبل المواطن الإجراءات التقشفية وما قد يظهر بعدها.

 

يبدو أن تكتيك الحلقة أن يكون أ. محمد التويجري، نائب وزير الإقتصاد والتخطيط، من الفريق الهجومي، رأس الحربة في اللقاء لتمرير عدد من القضايا لتستقر في الوعي الجمعي بدليل أسلوب الحوار وقدرته أما بالتملص من بعض الإجابات بالعودة للأساسيات، أو بالتضخيم وتشكيل صدمة بنقده المباشر لأداء الحكومة في الماضي وأسلوب التخطيط والاستثمار واعتماد المشاريع الغير ضرورية أو الترف التخطيطي، من ناحية أخرى، تضخيم الخطر وتعميق الخوف من المستقبل لتهيئة المتلقي لقبول أي شيء وكل شيء مستقبلاً. حسناً، مجمل اللقاء أعطى المجتمع انطباع لا يحتمل الشك وهو أن أداء الحكومة في السنوات الماضية سيء وفيه هدر للمال العام كاد أن يؤدي إلى الإفلاس. السؤال الجوهري هنا: إذا كانت الحكومة لم تحسن الأداء في الماضي، فمالذي يطمئن المواطن أو يضمن له أن الحكومة سوف لن تنزلق مستقبلاً فيما انزلقت فيه في الماضي؟ هذا هو السؤال الذي سوف يتردد في أذهان المواطنين بقوة بعد شهادة مسئولين كبار في الحكومة. وهو ما يجب على مجلس الوزراء مناقشته بعمق واتخاذ إجراءات جديدة لتفعيل حوكمة من خارج المجلس لإعادة الثقة ورفع المصداقية وطمئنة المواطن والمجتمع.

 

نجح وزير الخدمة المدنية بعض الشيء عندما أكد أن الراتب لن يمس، وأوضح أن البدلات والعلاوات والمكافأت التي طالتها المراجعة بالإيقاف أو التخفيض عددها (25) فقط من أصل (156). لكن وزير الخدمة المدنية أثار الذعر حول مستقبل صندوق معاشات التقاعد بالرغم من التأكيدات على أن الحكومة ستدعم الصندوق. كما أن وزير الخدمة المدنية أدهش الجميع عندما ذكر بأن متوسط إنتاجية الموظف الحكومي ساعة واحدة فقط. حاول وزير الخدمة المدنية أن يوجه أذهان المشاهدين إلى القطاع الخاص بأن فيه المستقبل لكن الإجابات العائمة حول مستحقات المقاولين والمنشأت لدى الحكومة قضت على مساعي وزير الخدمة المدنية لزيادة الثقة بالقطاع الخاص. الأهم من ذلك كله، أن ضعف إنتاجية الموظف إضافة إلى ماذكره وزير الخدمة المدنية من أن كثير من الموظفين يتلقون بدلات وعلاوات لا يستحقونها مثل خارج الدوام والانتداب، طرح بقوة عدم كفاءة الوزراء في زيادة الإنتاجية وإيقاف التسيب ومنع الفساد. فاجأ وزير الخدمة المدنية الجميع بأن كثير من الأخطاء في الدوائر الحكومية لا يتم اكتشافها إلا إذا ذهب الموظف في الإجازة، وهذا التصريح أو المفهوم وحده فقط يعطي دليل واضح على أسباب تردي إنتاجية الموظف، وتسيب الإدارة، وسوء إدارة الوزير.

 

تمكنت حلقة واحدة أن تكشف بوضوح عدد من النقاط الرئيسية: (1) أهمية تكرار هذه اللقاءات بشكل شهري على الأقل ببث مباشر مع وزير أو أكثر وإظهار مزيد من الشفافية مهما كانت النتائج؛ (2) توسيع دائرة الحوار لتشمل عدد من الكتّاب والمختصين من أساتذة الجامعات في فروع مختلفة للمشاركة وطرح الأسئلة؛ (3) أن الأداء الحكومي في الماضي سيء بشكل هز ثقة المواطن في الحكومة؛ (4) أن وزارة الإقتصاد والتخطيط تقود عملية مبالغة وتهويل لتسويق برامج جديدة غير مضمونة النتائج؛ (5) أن الحوكمة من خارج مجلس الوزراء باتت ضرورة تفرضها أهمية زيادة الثقة في الداخل والخارج. المكاشفة والشفافية والمشاركة تؤدي إلى الثقة والمصداقية والنجاح وهذا ما تأمله الحكومة في رؤية 2030 التي يعول عليها ليس في إنقاذ السعودية من الإفلاس فحسب، بل ومسابقة الأمم في تبؤ المكانة المنشودة. لا تحتاج الحكومة أن يشيد بها باراك أوباما حسب ما ذكر وزير المالية، بل يشيد بها المواطن في الداخل، سواء كان ذلك المواطن موظف أو رجل أعمال.

 

أخيراً، لا مناص أمام ولاة الأمر من التفكير جدياً في تغيير منهج الحكومة في إدارة التنمية والمجتمع، ولا حل، من وجهة نظرنا، سوى بالمشاركة الحقيقية. المواطن السعودي لن يتخلى عن بلده وسيقف معها في السراء والضراء، لكن مطلوب من الحكومة أن تعترف بأن هذا المواطن أمسى واعيا، وأصبح راشداً، وأضحى قادراً على تحمل المسئولية. يقول المثل الشعبي: “حكي في البايت نقص في العقل”، ولذلك وجب على الحكومة أن تختط لنفسها بشكل عاجل أسلوباً جديداً يشعر من خلاله المواطن أن الجميع في سفينة واحدة. طرق وأساليب الإدارة والإنفاق السابقة لابد لها من مراجعة جذرية وإعادة التفكير في أفضل السبل لإنفاق المال العام، إشراك المجتمع في الإدارة واتخاذ القرار بات حتمياً ليس بسبب سوء الأداء في الماضي فحسب، بل لزيادة الثقة وتحسين الأداء في المستقبل وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في الداخل، وجذب الاستثمارات الخارجية. أساليب وتكتيكات وزارة الإقتصاد والتخطيط، ومعها “ماكينزي” سيئة الذكر، باتت مكشوفة للمواطن البسيط وآن الأوان لتغييرها. ختاماً، من أطرف ماقيل من سخرية في وصف الحلقة هو: موظف براتب ٩٠ ألف يتحاور مع ثلاثة موظفين رواتبهم (100) ألف، كيف يقنعون موظف براتب أقل من (5) ألاف ريال أن يقبل التقشف. حفظ الله الوطن.

 

 

صحيفة بوابة مصر 11

أضيف بتاريخ :2016/10/21

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد