آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
طراد بن سعيد العمري
عن الكاتب :
باحث وكاتب في العلاقات الدولية؛ الشئون الإستراتيجية؛ الدراسات العسكرية؛ المجتمع الخليجي؛ وشئون العمل والبطالة

هذا التخطيط والتزبيط .. يامحمد

 

طراد بن سعيد العمري ..

انتشر في الأوساط السعودية مقطع تقول كلماته: “هذا التخطيط .. يامحمد، هذا التزبيط .. يامحمد”. تم تداوله وتناوله بشكل واسع مدحاً وقدحاً، لأنه انطلق ضمن مرحلة التصفيق التي صاحبت ظهور الأمير محمد بن سلمان لإعلان رؤيـة 2030. لا بأس، تغيّرت الصورة في مشاعر الثقة المفرطة في الحكومة والتفاؤل الحذر في الرؤية، مابين ظهور أمير الرؤية على قناة العربية الأثنين 25 إبريل 2016، وظهور وزراء الرؤية على قناة MBC الأربعاء 19 أكتوبر 2016. ستة أشهر تقريباً اتضح فيها مدى خذلان وزراء الحكومة للملك، وخذلان وزراء الرؤية للأمير. اهتزت ثقة المواطن بالحكومة في كل ما سوقته في الماضي لكسب المواطن، وتلاشت مصداقية الحكومة في كل ما تسوقه للمستقبل، بعد ما استمع المجتمع السعودي وشاهد مضمون حلقة “الصدمة” التي استضاف فيها الإعلامي دَاوُدَ الشريان عينة مختارة من الوزراء. زعزعة الثقة في الوزراء والحكومة هي أمر خطير يتطلب معالجة حكيمة وعاجلة من ولاة الأمر. فكما تحاول الدولة زرع الثقة في سياستها وإقتصادها في الخارج، يتعيّن على الدولة إبتداءاً رعاية وزيادة الثقة والمصداقية بين الحكومة والمجتمع في الداخل، وهذا منوط بولاة الأمر، نعني الملك وولي العهد وولي ولي العهد، بأن يحفظوا هذه الدولة بكل ما أوتوا من حكمة وبصيرة وقوة، ويتخذوا من الإجراءات ما يعزز الثقة مهما بلغت التضحيات. نقولها بكل صدق وأمانة وندق ناقوس الخطر وسنواصل ذلك، بحول الله، حتى يطمئن المواطن وولاة الأمر على هذا الوطن الغالي.

 

اسمحوا لي أن أكون مباشراً هنا، حتى لو نبذني ورفضني وحاصرني الرقيب الخفي في الإعلام الغبي، لأقول: إذا تجاسر الوزراء لكي ينذرونا بخطر الإفلاس لتبرير إجراءات وتمرير سياسات، فإننا نجادل بأن الدولة في خطر أكبر بسبب انعدام ثقة المواطن في الحكومة ووزرائها. الدولة أهم من الحكومة، لأن الدولة State ثابتة واستنبط اسمها من الثبات Static، أما الحكومة فإنها تتغير ويمكن تبديلها وتعديلها وإصلاحها. نطرح بين يدي ولاة الأمر إستراتيجية ذات أربعة أركان نقترح تنفيذها على عجل وجنباً إلى جنب لمنع الخطر المحيط بالدولة وزيادة ثقة المواطن بالحكومة وهي كالتالي: الركن الأول، تشكيل فريق استماع وتحقيق في أداء الحكومات السابقة ووزرائها ونشر النتائج ومعاقبة المتسببين في الأخطاء الكارثية التي تحدّث في جزء منها الوزراء في حلقة “الصدمة”؛الركن الثاني، إعادة تشكيل مجلس الوزراء في الحكومة الحالية بمعايير اختيار تخضع لمعايير الكفاءة والمساواة ومن كافة مناطق المملكة؛ الركن الثالث، تشكيل مجلس حوكمة مستقل عن الحكومة من الكفاءات الوطنية (رجال ونساء) يتكون من (50) عضو من خمس فئات: مجلس الشورى (10)؛ الغرف التجارية (10)؛ الجامعات والمعاهد والكليات (10)؛ المجالس البلدية في المحافظات والمناطق (10)؛ المستقلين من الشباب (25 -35 ) ومؤسسات المجتمع المدني (10).الركن الرابع، إعادة هيكلة مركز الحوار الوطني وتفعيل الحوار والنقاش والاستشكال بين كافة أطياف وطوائف المجتمع. الخطر على الدولة في السعودية يعني فئتين فقط لاغير: ولاة الأمر؛ والمواطن. ولذا يجدر بالمعنيين فقط التعاون والتكاتف لإزالة الخطر للوصول إلى شط الأمان.

 

الاعتقاد بأن حكومة ووزرائها، من دون جهة محايدة مستقلة للحوكمة والمراقبة والمسائلة، سوف يُحسنون إدارة وعلاقات مجتمع يتكاثر أفراده ساعة بعد ساعة؛ وتتعقد مطالبه يوماً بعد الآخر؛ ويتطور وعيه من شهر إلى شهر، وتتحوّل علاقاته الخارجية من حقبة إلى أخرى، هو ضرب من الخيال والمبالغة وحالة مفرطة من الإنكار. (1) يزداد عدد سكان السعودية فتتكاثر المطالَب في التعليم والعمل والسكن والصحة والرعاية الإجتماعية والبلديات ويزداد حمل الحكومة. (2) ينفتح المجتمع السعودي على الخارج ويقتحم العالم السعودية في الداخل ويزداد مع ذلك حمل الحكومة؛ (3) يتطور العالم نحو التحديث والعصرنة ويتجه المجتمع السعودي نحو محاكاة الآخرين ومعه تتزايد وتتنوع المطالب ويزداد الحمل على الحكومة. (4) يتحول العالم ويضطرب من حول السعودية إقليمياً ودولياً في حقب سياسية وإقتصادية فيتفاقم حمل الحكومة. لكن كل ما تستطيع الحكومة ووزرائها عمله هو الاستمرار واللهث خلف المستجدات، فإن تأخرت أو تعثرت أو أخطأت فسينظر وزرائها بمكر وتضليل إلى الأعلى مشيرين بأصابع المسئولية إلى ولاة الأمر لكي يقولوا للمواطن والشعب، غمزاً ولمزاً، ما معناه دونكم الملك وولي العهد وولي ولي العهد فلوموهم. فلماذا تنتظر الدولة إلى اليوم الذي تضحّي الحكومة بالدولة، ولماذا لا يضحّي ولاة الأمر بالوزراء ويفوضون جزء من صلاحياتهم للمواطنين، ويجعلون من الوزراء كبش الفداء، كما يحدث في سائر الدنيا؟ تفاني الكثرة (المواطنين) في السمع والطاعة لولاة الأمر، أفضل ألف مرة من تفاني القلة (الوزراء) في إرضاء ولاة الأمر. فلماذا تستبدل الدولة الذي أدنى بالذي هو خير؟

 

كشفت حلقة “الصدمة” مع عينة مختارة من الوزراء وعينة منتقاة من المواضيع والأسئلة أمور كثيرة هي أبعد وأعمق وأخطر مما حاول الوزراء قوله أو إثباته أو تفاديه. بعد حديث الوزراء وخطورة مضمونه لا نظن أن من حق وزارة الإعلام أن توقف كاتب أو تمنع مقال بشكل مباشر أو غير مباشر. بعد حديث الوزراء لا مجال لرئيس تحرير صحيفة أن يمرر فقط مقالات تعتمد التلميح لا التصريح، ومداهنة الوزراء لا مداهمة أخطاءهم. بعد حديث الوزراء يتوجب على وزير الثقافة والإعلام أن يتوقف عن الأسلوب والمنهج القديم في التصفيق والتطبيل والتضخيم لما يعتبره منجزات للحكومة. بعد حديث الوزراء يستحسن بالحكومة إلغاء وزارة الإعلام وتوفير نفقاتها كجزء من خطة التقشف بدلاً من الاتجاه لدخل الموظف. ولذا فمن المفيد إلغاء وزارة الإعلام لثلاثة أسباب: (1) عدم ثقة الفاعلين والمسئولين في الحكومة في أي وسيلة إعلامية رسمية بدليل ظهورهم في وسائل الإعلام الغير رسمي، أما أجنبي أو مهاجر؛ (2) فشل المنهج الإعلامي للوزارة في صنع هوية وطنية، أو ثقافة معتدلة في الداخل، أو صورة سعودية حقيقية وجاذبة في الخارج؛ (3) أن معظم دول العالم المتقدم تتجه نحو إلغاء وزارات الإعلام كفكرة نشأت في بيئة سياسية تقليدية عفا عليها الزمن، كما مزقتها ثورة الإتصالات ووسائل التواصل الإجتماعي.

 

اتضح للمجتمع بعد حلقة “الصدمة” أن وزارة الإقتصاد والتخطيط هي خلف كل العبث الحاصل في الحكومة والمجتمع تخطيطاً وتزبيطاً. والعبث نعني به ثلاثة قضايا: سوء المعرفة؛ وسوء الإدارة؛ وسوء التقدير. (1) لم تتعرف الوزارة على حقيقة المجتمع السعودي بشكل صحيح، واكتفت بما تمليه عليها الشركات الإستشارية وفي مقدمتها بالطبع “ماكينزي” سيئة الذكر، التي أخذت نصائح المؤسسات والمراكز الدولية كجوهر لخططها. (2) لم تتمكن الوزارة من إدارة التغيير بشكل يؤدي إلى استيعاب المواطن والمجتمع كعناصر فاعلة ومحفزة للتغيير أو إدارة التوقعات. (3) لم تنجح الوزارة في تقدير العواقب وردة فعل المواطن في معظم ما طرحته من إجراءات أو وسائل تبرير وتمرير وآخر ذلك مضمون ما قيل في حلقة “الصدمة”. أما التزبيط، فإن عدم ظهور وزير الإقتصاد والتخطيط مع زملائه الوزراء والإكتفاء بنائب وزير الإقتصاد والتخطيط، أثار مزيد من الشكوك بالرغم من المحاولات التبريرية لمقدم الحلقة. الدراسة التي يجادل بها وزير الخدمة المدنية حول إنتاجية الموظف المتردية، اتضح أن الإخراج جاء من أدراج وزارة الإقتصاد والتخطيط. كما أن الإنذار بالإفلاس جاء، أيضاً، من دراسة عامة للبنك الدولي قبل أكثر من عام وخرج من جعبة وزارة الإقتصاد والتخطيط. باختصار، يحذر الكثير من الدور الذي تلعبه الوزارة ووزيرها في التخطيط والتزبيط الذي أدى وسيؤدي إلى العبث ونتائج كارثية.

 

نشر عدد من الكتاب مقالات حول حلقة “الصدمة” وتبادل المجتمع الكثير من التغريدات وجميعها تحمل مؤشرات تصب في السخرية والسخط وتؤكد فقدان الثقة. كتب الأستاذ عبدالله المزهر مقال في صحيفة مكة، انتشر بشكل لافت بعنوان “لقد كان الصمت حكمة..!” يقول فيه: “يمكن تلخيص الحوار في فكرة واحدة، وهي أن المواطن هو سبب الهدر المالي الذي عانت منه ميزانية الدولة … المواطن الذي لا يموت مبكراً ويرهق صندوق التقاعد، والموظف الذي يبلغ معدل إنتاجيته ساعة واحدة في اليوم”. أما جميل فارسي فقد كتب تغريدة تقول: “مطلوب أن تحترموا عقولنا: كيف مهددون بالإفلاس ونحن الذين نضبط وتيرة الاقتصاد العالمي، أيهم أصح؟” وأرفق مع التغريدة خبراً لصحيفة سبق يقول “في قمة العشرين الكبار.. السعودية ترسم معالم النظام الاقتصاد العالمي”. عبدالحميد العمري علق على هاشتاق “إفلاس السعودية بعد ٣ سنوات” بأنها أكبر كذبة، بعد أن ذكر أن “ثروة السعودية (نفط، غاز) بأسعار اليوم تصل إلى 41.3 تريليون ريال دون احتساب ثروة المعادن (ذهب، فضة الخ)”. ما ذكره نائب وزير الإقتصاد بأن “.. هناك مشاريع مترفة كالتوسع في الجامعات.” علق عليه د. حمد آل الشيخ في تغريدة “شيء غريب وعجيب أن التوسع في الجامعات مشاريع مترفة!! بينما شراء أوبير قرار غير مترف، وصرف مليارات على ماكينزي وبوسطن قروب؟؟”. أما أستاذنا الكاتب خالد الوابل فقد سخر في تغريدة: “اذا نحن دخلنا مجموعة العشرين وإنتاجية الموظف ساعة فقط فكيف لو كان 8 ساعات كان دخلنا عضو دائم في مجلس الأمن”. وفي تغريدة ثانية يتسائل: عندما تنقل الصحف الغربية تصرفات فردية من بعضنا نقول “تشويه سمعة” فماذا نسمي عندما يعُمم مسؤول ويتهم الجميع!”.

 

ماتفوه به الوزراء في حلقة “الصدمة” كان له أثر سلبي على الدولة والحكومة والمجتمع والمواطن والموظف في القطاع الحكومي والخاص وقطاع الأعمال على السواء. وأثار العديد من الأسئلة: كيف يثق المستثمر الأجنبي أو المحلي في استثمار أمواله في دولة على حافة الإفلاس؟ كيف يطمئن موظف في القطاع الحكومي وهو يسمع أن صندوق التقاعد في مهب الريح؟ كيف يثق القطاع الخاص في توظيف المواطن مع إنتاجية لا تتعدى ساعة واحدة في اليوم؟ كيف يثق مواطن بحكومة أنفقت تريليونات الريالات على مدى عقود في مشاريع يقول عنها الوزراء أنها غير ضرورية أو نتاج فكر الترف؟ كيف يمكن لرؤية 2030 أن تمضي وتنجح إذا لم يثق فيها وفي إدارتها المواطن والمجتمع اللذان يشكلان البيئة الحاضنة؟ ماهي الضمانات التي يمكن تقديمها بأن لا يحدث في المستقبل ما حدث في الماضي؟ نجح وزير الخدمة المدنية في تخفيف الصدمة جزئياً في بداية الحلقة بعد أن شرح أن (25) فقط من البدلات والعلاوات والمكافاءات من أصل (156) تم تناولها، لكنه استفز وأهان الجميع في مواضيع أخرى. لم يتطرق معالي وزير الخدمة المدنية فيما إذا كان لديه دراسات توصي بضرورة دمج وزارتي الخدمة المدنية والعمل في وزارة واحدة تعني بالموارد البشرية ضمن خطة إعادة الهيكلة والتقشف في الحكومة، وفي دولة تعتبر كل من موظف الحكومة والقطاع الخاص من أبنائها ومسئولة عنهم. أليس توفير نفقات وزارته أجدى، من تحميل المواطن عبء التقشف وحده؟

 

أخيراً، ما اقترحناه في الفقرة الثانية أعلاه ليس بديلاً بأي حال من الأحوال عن إجراء إصلاحات سياسية شاملة ضرورية وحتمية، بل هو حل عاجل وسريع لأزمة الثقة التي سببتها حلقة “الصدمة”. إعادة ثقة المواطن في الحكومة، أي حكومة، هو أشبه بمحاولات خبراء المال إعادة الثقة للأسواق المالية والعملة الوطنية بأسرع وقت، بل أهم منها. فتناقص ثقة المواطن التي تم بناءها على مدى عقود هو أمر خطير، ونجادل بأن إعادتها كما كانت أمر عسير، لا يتم إلا بوسائل وسياسات وإجراءات تتخطى قوة تأثيرها وفاعلية إجراءاتها وسياساتها وسرعتها، قوة تأثير الشك والريبة وعدم المصداقية الذي سببته حلقة “الصدمة”. فبلادنا تواجه جملة من التحديات الداخلية والخارجية بعضها ارتفع لدرجة الأزمة، لكننا اقتصرنا على أزمة الثقة وأهمية التعجيل بمعالجتها لأن لها الأولوية القصوى. ختاماً، نقول لولاة أمرنا، وفقهم الله، احذروا الوزراء فقد خذلوكم، ونقول لأمير الرؤية، أعانه الله، إذا أردت التخطيط فعليك بمئات المستشارين من الكفاءات الوطنية فلن يخذلوك أو يخذلوا الوطن، أما إذا أردت التزبيط فعليك بالفقرة الثانية أعلاه ولن تندم أبدا. أما نحن فقد طرحنا رأينا هنا بشكل مباشر وبكل شفافية فإن أصبنا ووافق رضى الله ثم ولاة الأمر فلله الحمد والمنة، وإن جانبنا الصواب فنعتذر ونستغفر الله ونحمده أن هيأ لهذه البلاد قادة يحمونها ويحملونها في عقولهم وقلوبهم، ومواطنين يفدونها بالنفس والنفيس في السراء والضراء. حفظ الله الوطن.

 

 صحيفة بوابة مصر 11

أضيف بتاريخ :2016/10/22

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد