آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
محمد العوفي
عن الكاتب :
كاتب سعودي

الفساد الإداري المكشوف!


محمد العوفي ..

الفساد الإداري كظاهرة لا يخلو منه بلد في العالم إلا فيما ندر، لكن درجة شيوعه تختلف من دولة إلى أخرى، فالفساد في الدول الإسكندنافية لا يكاد يذكر، وإن ذكر فهو حالات نادرة جدا لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، لذلك تتصدر قائمة منظمة الشفافية السنوية لأقل دول العالم فسادا، فيما تتبوأ دول العالم العربي مراتب متوسطة أو متأخرة في مؤشر مدركات الفساد رغم القيم الإسلامية التي نتغنى بها، ولا نلتزم أو نعمل بها، فكان باب الفساد واسعا بحجم اتساع مساحة العالم العربي.

والفساد الإداري من حيث الحجم يمكن تقسيمه إلى قسمين: فساد الدرجات الوظيفية الدنيا، والذي يمارس من صغار الموظفين، وهو أحدي الممارسة، ويتم دون تنسيق مع الآخرين؛ ويعتبر تقاضي الرشاوى من الآخرين أبرز صوره وأكثرها شيوعا، والقسم الآخر فساد في الدرجات الوظيفية العليا والذي يقوم به كبار المسؤولين والموظفين لتحقيق مصالح مادية أو اجتماعية كبيرة، ويشمل التعيين والتوظيف والترقيات والمناقصات والعقود، ويقوم على التنسيق مع بعض الأقسام والإدارات سواء داخل الجهة أو خارجها لتمرير بعض المخالفات أو التجاوز عن بعض الاشتراطات، وكلاهما خطر يهدد الاقتصاد ويقوض أركان الدولة، لكن فساد الدرجات الوظيفية العليا أكثر تكلفة وأكثر خطورة كونه استغلالا للنفوذ والسلطة.

ومن حيث درجة التعقيد، فإن قضايا الفساد الإداري تختلف من دولة إلى أخرى، فهناك قضايا فساد إداري بالغة التعقيد يصعب اكتشافها، وإن اكتشفت، فإن مدة التحقيقات والمحاكمات ستستغرق وقتا طويلا لتعقيداتها وغموضها وتشعبها، وهناك قضايا فساد مكشوفة وسطحية جدا يسهل اكتشافها والوصول لمرتكبيها.

ووفقا للتصنيف السابق، يمكن القول إن قضايا الفساد الإداري في المملكة تصنف وتدرج تحت قضايا الفساد المكشوف وغير المعقد، فهي لا تمارس من قبل مافيا وعصابات فساد إداري محترفة، وطرق ممارسة الفساد بدائية؛ وبالتالي فإن من السهولة بمكان اكتشافها والوصول إلى مرتكبيها بغض النظر عن درجاتهم الوظيفية، لكن ذلك يصطدم بعائق الواسطة والمحسوبية اللتين قتلتا كثيرا في إجراءات محاربة الفساد ومحاكمة المتهمين في مهدها.

على أي حال، الفساد المكشوف يظهر جليا في التوظيف والتعيين، وهو الأكثر شيوعا، ويمارس علانية من كل الدرجات الوظيفية الدنيا والعليا، لكن اليد الطولى فيه للدرجات الوظيفية العليا ذات النفوذ والسلطة، فهي من حولت بعض الأقسام والإدارات والجامعات والوزارات إلى كينونات عائلية، وأبقتها إقطاعيات يتوارثونها كابرا عن كابر.

وهو ما أكدته دراسة قمت بها حول تأثير الواسطة والمحسوبية في التوظيف والترقيات، وتوصلت إلى أن الدرجة الوظيفية (المنصب الوظيفي) للوسيط (Middleman) أو(Waseet) تؤثر بشكل كبير على نتائج الواسطة، بمعنى آخر، كلما كانت الدرجة الوظيفية للوسيط عالية وذات نفوذ، كانت نتائج الواسطة إيجابية بغض النظر عما إذا كانت متطلبات واشتراطات الوظيفة تنطبق على المرشح من عدمه، والفيصل في ذلك قوة ونفوذ الوسيط، وهذا يعني أن الفساد في الدرجات الوظيفية العليا (كبار المسؤولين والموظفين) وممارستهم للواسطة في تعيين أقاربهم وترقيتهم أكثر خطورة وشيوعا، لأنهما يحرمان الكفاءات الوطنية من الوصول إلى الوظائف والمناصب المستحقة (ولنا فيما تتناقله وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي من تسريبات حول توظيف الوزراء والمسؤولين لأقاربهم حديث طويل).

وللتأكيد على فسادنا المكشوف، كل ما عليك فعله هو مقارنة أسماء الموظفين داخل الجهات الحكومية (وزارات، هيئات، جامعات، كليات.. وغيرها) سواء كانت أقساما رجالية أو نسائية، بأسماء المسؤولين في تلك الجهات، لتجد ما لا يخطر على ذي بال، وهو الخيط الأول الذي سيوصلك إلى ما بعده من ممارسات لفساد أصحاب النفوذ في تلك الجهات.

بالطبع هناك كفاءات من عائلة هذا المسؤول أو ذاك يستحقون التعيين، لكن ذلك لا يعني أن كل من يرتبط بنسب أو قرابة (Blood Connection) مع هذا المسؤول أو ذاك كفؤ يجب تعيينه.

زبدة القول، قليل من اليقظة والصحوة في الرقابة والمتابعة، ورفع الحصانة عن كبار المسؤولين، ومعاملتهم كموظفي دولة يتعرضون للمساءلة والعقوبة في ارتكاب أخطاء إدارية أو مالية تفضي إلى فساد إداري أو مالي كفيلة بالقضاء على جزء كبير من فسادنا المكشوف، وإلا سيبقى الحال كما هو، وستتحول الوزارات والجامعات والإدارات إلى شركات عائلية، وتهاجر الكفاءات إلى من يقدر موهبتها ويهتم بها.

صحيفة مكة

أضيف بتاريخ :2016/11/05

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد