آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الله الناصر
عن الكاتب :
كاتب في صحيفة الرياض كتب في عدة صحف ومجلات سعودية

الصدمة

 

عبدالله الناصر ..

دخل الشيخ إبراهيم على الطبيب، وهو يرتعد ويرتعش قليلا وكان وجهه شاحباً ومتجعداً كلحاء شجرة يابسة.. ومع ذلك فهو لايزال صلباً وقوياً.. وبعد أن سجل الطبيب اسمه، وسنه، والإجراءات المتبعة سأله: مم تشتكي..؟ قال: مصدوم "يا دختور"..! -كان كبار السن في البلدة يسمون الطبيب- "دختور"..

 

رد الطبيب متسائلاً وفي وجل: مصدوم..؟

 

قال الشيخ فيما يشبه الاستغراب: نعم مصدوم..!!

 

قال الطبيب: وأين الصدمة..؟

 

رد الشيخ: "أقول مصدوم وتقول: وين الصدمة..؟ الصدمة في رأسي وصدري.. يعني تظنها في "....".

 

ارتبك الطبيب وقال: ولكني أرى رأسك سليماً، ليس فيه دم ولا نزيف..

 

صاح إبراهيم وهو يقول: وهل "الصدمة" تسبب دماً ونزيفاً..؟ أنت ما أنت دختور أنت حمار..!! غضب الله عليك وعلى الذي جاء بك إلى بلدتنا…!

 

صاح الطبيب بالحارس سليمان.. يا سليمان، يا سليمان..

 

أقبل سليمان مهرولاً فقال الطبيب: هذا رجل مجنون أخرجوه من العيادة.. نهض الشيخ إبراهيم ورفع عصاه في وجه سليمان وهو يقول: قف عندك يا كلب.. أنا لست مجنوناً "دختوركم" هذا هو المجنون.. والله إن اقتربت مني لأحطم رأسك.. كلكم مجانين.. لكن الحارس اندفع بقوة نحو الشيخ الذي هو الآخر استدار وواجهه بقوة وأهوى على رأسه بالعصا فأحدث شرخاً في رأسه فمال نحو الحائط وهو يمسح الدم عن وجهه وعينيه، ويصيح قتلني المجنون.. وقف الطبيب مرتبكاً ومذهولاً وهو يحاول خلع سماعته من رقبته، والتخلص من الموقف بالهروب، فظن الشيخ أنه يريد أن يضربه بها، فوثب نحوه وأهوى على كتفه بالعصا.. فهرب من عيادته وهو ينادي مستنجداً بالممرضين والمراجعين الذين اندفعوا نحو غرفة الطبيب… حشر الشيخ إبراهيم نفسه في الزاوية وهو يصيح ويعتزي: "أنا أبوسعد والله يا من قرب مني لأشلخ رأسه"..!!

 

أخرجوا الحارس سليمان، وذهبوا به إلى ناحية أخرى من المستوصف لإسعافه، وقد أغلقوا الغرفة على الجاني.. وعلى الفور اتصل مدير المستوصف بالشرطة، وقال: إن مجنوناً شلخ رأس الحارس وضرب الطبيب، فأسرعوا وعجلوا…

 

جاءت سيارة الشرطة وبها ثلاثة جنود، وألقوا القبض على الشيخ، وأودعوه السجن.. شاعت الحكاية في البلد ذلك المساء، وأخذ الناس يتخرصون حول السبب الحقيقي وراء الحادث فالشيخ إبراهيم معروف بالرزانة وحسن السّمت..

 

في اليوم التالي مَثُل الشيخ والحارس أمام القاضي بحضور الطبيب.. قال القاضي: لا أصدق، أنك تفعل هذا يا شيخ إبراهيم، فأنت من أرجح الناس عقلاً فما الذي حدث..؟! قال: يا فضيلة القاضي كنت "مصدوماً" فذهبت "للدختور" للعلاج فتهكم بي، وسخر مني واتهمني بالجنون، وطلب من الحارس أن يقبض علي وأن يخرجني ويهينني أمام الناس، فيا فضيلة القاضي أليس هذا عملاً مشيناً..؟ ثم هل من يدافع عن نفسه وعن كرامته يعتبر مجنوناً..؟! التفت القاضي إلى الطبيب وقال وهو يبتسم: ماذا تقول..؟ صاح الطبيب وقال: "أنت شايفه زي الحصان، ومافيش صدمة، ما فيش كدمات، مافيش جروح، مافيش دم، وكمان تسألني..؟؟" ضحك القاضي مرة أخرى وهو يضع يده على فمه.. فصاح الطبيب: "يا أنا مجنون، يا أهل البلد ذي كلهم مجانين"، قال القاضي كلهم حتى أنا..؟ خفض رأسه نحو الأرض وصمت قليلاً ثم قال: "حتى أنت سيادتك..!!" ظل القاضي يفحص برجله، ويمسح دموعه بغترته، ولم يعد يستطيع الحديث من شدة الضحك..!!

 

ملاحظة: الصدمة عند كبار السن في البلد هي الزكمة أو"الإنفلونزا".

 

صحيفة الرياض

أضيف بتاريخ :2016/11/11

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد