آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
محمد العوفي
عن الكاتب :
كاتب سعودي

هجرة الكفاءات السعودية

 

محمد العوفي ..

أحد الفروق المميزة بين الدول المتقدمة فكريا وعلميا وصناعيا هو تقدير الكفاءات المتميزة والاحتفاظ بها والعمل على اجتذاب المزيد منها في مختلف التخصصات، وتعتبرها عملة نادرة لا يمكن التفريط بها بل تسعى لزيادة رصيدها من هذه الكوادر، لذلك لا يكاد يخلو مؤتمر أو ملتقى علمي من وجود الباحثين عن الكفاءات المتميزة في مختلف التخصصات نظرية أو علمية لاستقطابها.

وفي المقابل، تجد أن هجرة الأدمغة المتميزة والكفاءات هي السمة الأبرز في الدول التي تعاني من تخلف وخلل تنموي كبير، حيث تخيم البيروقراطية والفساد السياسي والإداري على مختلف جوانب الحياة، منذ منتصف الستينيات الميلادية ونزيف العقول العربية مستمر ولا يزال لأسباب عدة: منها ما يتعلق ببيئة العمل والبحث العلمي، ومنها ما يتعلق بالرواتب والامتيازات المالية، ومنها غياب التقدير والاهتمام بها، ففي مصر وحدها مثلا، نشرت أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا في مصر في شهر يوليو الماضي تقريرا أكد أن أكثر من 450 ألف مصري من حملة المؤهلات العليا قد هاجروا إلى الغرب خلال الخمسين عاما الماضية، برز منهم ستمائة عالم في تخصصات نادرة جدا.

الجديد في هذه الظاهرة أنها كانت في الخمسين سنة الماضية حصرا على دول عربية معينة، لكنها بدأت تتسع في السنوات الأخيرة، ودخلت دول جديدة لم تكن الهجرة أو الإقامة الدائمة خارجها خيارا مفضلا لمواطنيها، ففي الآونة الأخيرة تزايد أعداد السعوديين الذين يرغبون في الهجرة الدائمة أو الإقامة شبه الدائمة في الخارج، خصوصا من المبتعثين المتميزين والباحثين والأطباء، سواء كان ذلك في الدول الغربية أو الدول الخليجية المجاورة، بل إن بعضهم هاجر للعمل أو الدراسة، وقطع طريق العودة، وسيزيد في ظل وجود أعداد كبيرة من المبتعثين في دول تستهدف الكفاءات وتغريها بالمزايا والدعم لمواصلة أبحاثهم وتقديرهم علميا، في مقابل إهمال إنجازاتهم، ونجاحاتهم، وعدم إيجاد الوظائف التي تتلاءم مع تخصصاتهم، وضعف بيئة البحث العلمي، وغياب تقديرهم والدعم لمواصلة نجاحاتهم محليا.

صحيح أن هجرة العقول السعودية لم تبلغ لحد الظاهرة، لكنها مؤشر سلبي - حتى وإن كانت لدول خليجية مجاورة - على وجود خلل ما يجب عدم تجاهله، لا سيما أن الوطن بحاجة إلى سواعد جميع أبنائه في المرحلة القادمة، والحاجة في هذه المرحلة إلى الكفاءات والأدمغة تكون أكثر، والانتظار حتى يصل الأمر إلى حد الظاهرة يزيد تعقيد حلول الظاهرة، ومعالجة أسبابها.

الحقيقة المرة، أنها إحصاءات دقيقة حول أعداد السعوديين المهاجرين أو المقيمين إقامة شبه دائمة في تلك الدول، والإحصائية المتوفرة فقط حول السعوديين المهاجرين في الولايات المتحدة، فوفقا لإحصاءات مؤسسة سياسة الهجرة الأمريكية في واشنطن فإن عدد المهاجرين السعوديين بلغ عام 2013 أكثر من 89 ألفا، وتحتل السعودية المركز الخامس بين دول الشرق الأوسط في أعداد مهاجريها لأمريكا، أرقام تقديرية ذكرها عضو مجلس الشورى الدكتور صدقة فاضل حول أعداد السعوديين المقيمين بصورة دائمة في الخارج، حيث قال إنها تصل نحو مليون سعودي في الخارج، يمثلون 5% من السكان.

سيحتج كثيرون بأن هذا العدد يعد صغيرا، وأن ليس كلهم من الكفاءات المتميزة أو حملة المؤهلات العليا، لكني أؤكد أن كثيرا منهم من المختصين والمخترعين والأطباء، وافتتحوا عياداتهم ومشروعاتهم الخاصة بحسب تخصصهم خارج المملكة، وكثيرا منهم استقطبتهم شركات أجنبية وجامعات أجنبية وخليجية، وهذه الأعداد مرشحة للزيادة في السنوات المقبلة، في ظل وجود أكثر من 100 ألف مبتعث ومبتعثة من ملتحقي وخريجي برنامج الابتعاث الخارجي في أكثر من 30 دولة، يتعرضون إلى حملة استقطاب من جامعات وشركات في البلدان التي درسوا فيها.

أخلص مما سبق إلى أن هجرة الأدمغة السعودية مرحلة بدأت تظهر أشراطها، وهي مؤشر خطير سيتضاعف إذا لم نسارع في توفير حاضنات علمية واقتصادية واجتماعية لأمثالهم.

صحيفة مكة

أضيف بتاريخ :2016/11/15

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد