آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

ليت الرئيس أردوغان لم يخيب آمالنا ويطبع علاقاته مع إسرائيل بشكل متسارع..

 

 عبد الباري عطوان ..

بعد مقاطعة استمرت 13 عاما، قرر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إعطاء مقابلة مدتها 45 دقيقة للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، وجاءت هذه المقابلة بعد أيام قليلة من إصدار الرئيس أردوغان قرارا بتعيين كمال أوكم سفيرا لأنقرة في تل أبيب، ولقاء بين وزير الطاقة التركي بيران البيرق (زوج ابنة الرئيس)، ونظيره الإسرائيلي يوفال شتاينتكس لتوقيع صفقة بناء أنبوب غاز إسرائيلي إلى ميناء جيهان التركي.

 

ما نريد قوله من خلال هذه المقدمة أن عملية التطبيع تسير على قدم وساق بين تركيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي، وتتطور إلى علاقات إستراتيجية، بعد أن وصلت إلى ما دون الصفر بعد المجزرة التي ارتكبتها وحدة كوماندوز إسرائيلية على ظهر السفينة مرمرة عام 2010 كانت في طريقها لكسر الحصار عن قطاع غزة.

 

ومن المفارقة أن هذا التطبيع يتزامن مع تأييد بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي لمشروع قانون يدرسه الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمنع الآذان من مآذن المساجد في القدس المحتلة.

***

الرئيس رجب طيب أردوغان اقتحم عقول وقلوب مئات الملايين من المسلمين، عندما انسحب غاضبا من أحدى جلسات منتدى دافوس الاقتصادي العالمي في سويسرا احتجاجا على كلمة مطولة للرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس، برر فيها المجازر التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في قطاع غزة في حينها، متهما حركة “حماس″ بأنها هي التي تتحمل مسؤوليتها، فرد عليه أردوغان قائلا وبلهجة غاضبة “أتذكر الأطفال الذين قتلوا على الشاطئ، أتذكر كم قتلتم في غزة”، ووجه أردوغان نقدا لاذعا إلى بعض الحضور الذين صفقوا لبيريس قائلا “عار عليكم أن تصفقوا لعدوان أسفر عن سقوط آلاف الأطفال والنساء على يد الجيش الإسرائيلي في غزة”، ثم لملم أوراقه وغادر المنصة، وأكد أنه لن يحضر مؤتمر دافوس مرة أخرى.

 

كرهنا عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية في حينها لأنه لم يغادر المنصة وظل جالسا إلى جانب بيريس بعد مسلسل أكاذيبه، وصفقنا للرئيس أردوغان لأنه انحاز لدماء وأرواح العزل الذين مزقت أجسادهم صواريخ الطائرات الحربية الإسرائيلية ولم يهرع لمساعدتهم والدفاع عنهم أي زعيم عربي.

 

تحول الرئيس أردوغان إلى بطل في عيوننا، ودخل قلوبنا دون استئذان، وعلقنا صوره في سياراتنا، وفي صدر غرف جلوسنا، وعلى شاشات جوّالاتنا، ووصلت هذه البطولة ذروتها عندما أعاد الكرّة مرة أخرى، وأرسل قافلة سفن مرمرة لكسر الحصار الإسرائيلي التجويعي لمليوني عربي ومسلم في القطاع، حيث بلغت عملية التشفي والحقد الإسرائيلي إلى درجة إحصاء عدد السعرات الحرارية التي يحتاجها كل طفل ورجل وامرأة، والسماح بمرور المواد الغذائية الكافية لإبقاء هؤلاء على قيد الحياة فقط.

 

اعتزازنا بالرئيس أردوغان تعمق أيضا من خلال نقله تركيا الإسلامية، من دولة شبه مفلسة غارقة في الديون إلى القوة الاقتصادية رقم 17 على مستوى العالم بأسره من خلال نسبة نمو وصلت إلى حوالي 7 بالمئة سنويا، وتكريس نظام حكم يزاوج بين الإسلام والديمقراطية وعلى أرضية صلبة من الحريات والعدالة الاجتماعية والقضاء المستقل.

 

لا نعتقد أننا تسرعنا في إعجابنا وحبنا لهذا الرجل، ولا نعتقد أننا انخدعنا به أيضا، ودليلنا الإنجازات العملية على الأرض، وأن غيرنا شاركنا الحب والإعجاب نفسيهما، وعلى رأس هؤلاء قادة وزعماء عرب، من المفترض أنهم أعلم منا، وأقدر على الحكم على الأشياء، لأنهم يملكون أجهزة مخابرات وبنوك عقول تحلل وتقدر الرجال والمواقف، من بينهم الرئيس السوري بشار الأسد، والعقيد الليبي معمر القذافي، والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، والقائمة تطول.

 

***

لا نعرف لماذا انتقل الرئيس أردوغان من النقيض إلى النقيض، وبات حريصا على إقامة علاقات إستراتيجية مع عدو يحتل الأراضي الفلسطينية، ويستمر في تشديد الحصار على قطاع غزة، ويمارس الإعدامات الميدانية ضد الشباب الفلسطيني لممارسة حقه في المقاومة السلمية المشروعة، ويمنع الآذان من مساجد القدس المحتلة، وعلى رأسها المسجد الأقصى.

 

فإذا كانت الحرب في سورية، والتوتر في علاقاته مع روسيا، على رأس الأسباب التي أدت إلى هذا الانقلاب في موقفه، وتقربه من دولة الاحتلال، فأنه يتحمل المسؤولية الأكبر في هذا المضمار، لأنه قبل أن يقع في هذه الحرب المصيدة التي أعدها له الغرب بأحكام بعد أن خرج عن نصوصه، وأظهر طموحاته العثمانية، كما أنه هو الذي أعطى الأوامر بإسقاط الطائرة الروسية قرب الحدود الروسية، وباقي القصة معروف لا يحتاج إلى تكراره مجددا.

 

ربما يجادل البعض بأن دولا عربية تطبع مع إسرائيل، وقادتها يلتقون نظرائهم الإسرائيليين، ويتبادلون السفراء مع تل أبيب، ويوقعون صفقات لشراء الغاز الإسرائيلي، وينسقون معها أمنيا، وهذا جدل صحيح، ولكنهم، أي هؤلاء الزعماء، لم يحظوا بواحد على مئة من الإعجاب والاحترام الذي حظي به الرئيس أردوغان عند الأغلبية الساحقة من العرب والمسلمين، ولا يملكون قوة تركيا وأرثها الحضاري العميق، واستمرار إمبراطورتيها الإسلامية العثمانية لأكثر من 500 عام.

 

في الختام نكتفي بالألم، والتعبير عن الأسف، وخيبة الأمل، في زعيم علقنا عليه آمالا عريضة في أن يكون مختلفا عن الزعماء الآخرين، ويكون ندا لدولة الاحتلال، ويتصدى لها وغطرستها، ولو في الحدود الدنيا، ولكن حلمنا لم يطل، والأكثر من ذلك تحول إلى كابوس نأمل أن يكون قصيرا، ونكتفي بهذا القدر.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/11/22

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد