آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

العرب ينقلون خلافاتهم إلى أفريقيا بطريقة مخجلة..

 

عبد الباري عطوان ..

اختتمت قمة “ملابو” العربية الأفريقية أعمالها اليوم الخميس بفضيحة عربية أزكمت أنوف القادة الأفارقة المشاركين فيها، ورسخت قناعة لديهم بأنه لا فائدة من العرب، أو معظمهم، وأي تنسيق أو تعاون معهم، لأنهم متغطرسون متعالون، ومصدر للمتاعب والتخريب، وينظرون لغيرهم، والأفارقة بشكل خاص نظرة فوقية، رغم أن القارة الأفريقية تتقدم وتتكامل في مختلف المجالات، وليس أدل على ذلك أن زعماء غالبية الدول التي انسحبت لم يتزعموا وفود بلادهم في هذه القمة على غرار نظرائهم الأفارقة، وكان مستوى تمثيل دولهم متدنيا جدا، وعلى مستوى الوزراء أو السفراء.

 

ثماني دول عربية، قاطعت هذه القمة، وانسحبت وفودها منها احتجاجا على رفع علم “البوليزاريو”، وتضامنا مع المغرب، بينما فضلت معظم الدول العربية الأفريقية المشاركة إلى جانب دولة الكويت، الدولة الخليجية الوحيدة التي خرجت عن إجماع مجلس التعاون، وكسرت هيمنة السعودية، والتي قادت عملية الانسحاب.

 

لا نناقش في هذا الحيز مشكلة الصحراء الغربية التي ألقت بظلالها على هذا الاجتماع، إنما مدى هشاشة الموقف العربي، والانقسامات الخطيرة التي تسوده، والفشل الدبلوماسي الكبير الذي بات الطابع الغالب على كل الأنشطة السياسية العربية في المحافل الدولية والإقليمية.

 

القارة الأفريقية كانت تشكل دائما العمق العربي، والسند الرئيسي للقضايا العربية في المحافل الدولية، عندما كان العرب عربا، يتمسكون بالثوابت الوطنية، ويعرفون كيف يتصرفون كحليف ينصر جيرانه، ويقدم لهم كل العون والمساندة، ولا يبخل عليهم بالعلم والمال والمستشارين والأطباء والخبراء، ويدعمون ثوراتهم للتخلص من الاستعمار الأوروبي ونيل الاستقلال.

 

الغطرسة العربية القائمة على عنصر المال والثراء، نسفت كل هذه الجسور، وبددت كل هذه الانجازات، ونفرّت الأفارقة من العرب وقضاياهم، ودفعتهم للتحول إلى النقيض، أي التحالف مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وتبادل العلاقات الدبلوماسية وفتح سفارات لها في معظم العواصم الأفريقية، بعد إن كانت هذه الخطوة أثما لا يمكن التفكير فيه، ناهيك عن ارتكابه.

***

شاركت في مطلع هذا العام في ندوة سياسية بدعوة من الاتحاد الأفريقي انعقدت في مدنية واندهوك، عاصمة ناميبيا، وفوجئت مرتين، الأول بارتفاع مستوى الكفاءة والتنظيم والوعي لدى المشاركين الأفارقة، ومعظمهم رؤساء وزراء، ووزراء، وخبراء، وانخفاض مستوى المشاركين العرب علميا وسياسيا، بطريقة مخجلة، وخاصة ممثلي الجامعة العربية، فمعظمهم لا يجيدون لغات أجنبية، وكانوا كشهود الزور، كل ما يهمهم هو “البدلات” المالية، وكانت مشاركتهم محدودة جدا وضحلة وتعكس بؤس حكوماتهم.

 

الدول المتحضرة تحرص وتتسابق فيما بينها هذه الأيام على توثيق العلاقات مع قارة أفريقيا، وإيجاد موقع قدم لها فيها، والاستفادة من أسواقها وثرواتها، وفرص الاستثمارات فيها، ونحن نتحدث هنا عن أمريكا التي أقامت وحدة قيادة خاصة عسكرية وسياسية واقتصادية، والصين، وروسيا، والدول الأوروبية، أما العرب فقد انشغلوا في تصدير حروبهم وانقساماتهم وأمراضهم الطائفية إلى القارة البكر.

 

بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي عندما زار أربع دول أفريقية تمثل المنابع الرئيسية لمياة نهر النيل في الربيع الماضي، على رأسها أثيوبيا، مقر الاتحاد الأفريقي، كان يقود جيشا من الخبراء الاقتصاديين والأمنيين ورجال الأعمال وممثلي الصناعة العسكرية الإسرائيلية، وترأس اجتماعا في كمبالا حج إليه زعماء ووزراء من القادة كلها.

 

إسرائيل هي التي وقفت، وتقف، خلف سد النهضة الإثيوبي الذي يهدد بحرمان أشقائنا في مصر والسودان من حصصهم الأكبر من مياه النيل، قدمت الخبراء والأموال والآن تقدم السلاح، ومارست كل أعمال التحريض لدول منابع النيل، مثل أوغندا وأثيوبيا وبروندي لرفض كل اتفاقات توزيع حصص المياه،  واستبدالها بمعاهدات جديدة تعطي الدول الأفريقية النصيب الأضخم على اعتبار إنها دول المنبع، بينما السودان دولة الممر، ومصر دولة المصب.

 

الحكومات العربية التي خربت الجامعة العربية، والتعاون العربي المشترك، ومؤسسة القمة، وأشعلت الفتن والحروب في المنطقة، تحاول حاليا نقل فيروساتها إلى الاتحاد الأفريقي، والإجهاز على ما تبقى من احترام للعرب والمسلمين في القارة الأفريقية وهذا ليس مفاجئا.

 

أفريقيا ليست بحاجة إلى العرب وأموالهم، بل العرب هم الذين في أمس الحاجة إليها، لدعمهم سياسيا، وفتح الأسواق أمام استثماراتهم في ظل العداء الأمريكي الأوروبي المتصاعد، والقوانين التي تصدر من اجل مطاردتهم بتهم الإرهاب، وبما يؤدي إلى نهب ما تبقى لديهم من أموال.

 

لو كان هناك حكماء عرب، لجرى إيجاد حل مبكر لهذه الأزمة التي أدت إلى الانسحاب، ولكن لا يوجد حكماء، وإنما مجموعة من الحكام تسودهم المزاجية، وتسيطر عليهم خصلة “الحرد” والقرارات المتعجلة غير المدروسة، والاندفاع في اتخاذ القرارات، وكأنهم دول عظمى تملك القنابل النووية والصواريخ العابرة للقارات.

 

المغرب قاطع الاتحاد الأفريقي منذ أربعين عاما، وبسبب اعترافه بجبهة البوليزاريو وجمهوريتها الصحراوية، وها هو العاهل المغربي محمد السادس يطوف العواصم الأفريقية منذ شهرين، دون كلل أو تعب، للتمهيد لاستعادة عضوية بلاده في هذا الاتحاد، وهي خطوة حميدة، تؤكد أن التواجد داخل هذا الاتحاد، وعرض وجهة نظر المغرب تجاه هذا النزاع، أفضل كثيرا وأجدى من المقاطعة، ويجب أن يلقى الدعم والمساندة من كل أشقائه العرب والأفارقة حتى وأن اختلفوا معه.

***

لن أفاجأ شخصيا، إذا ما قرر حكماء أفريقيا، وما أكثرهم، إلغاء مؤتمر القمة العربي الأفريقي، وجعل قمة “ملابو” التي اختتمت أعمالها اليوم هي القمة الأخيرة، وأن لا يتم العودة إلى هذه المنظومة، إلا بعد أن “ينضج” النظام العربي، ويخرج من طور المراهقة السياسية التي نراها في أبشع صورها حاليا.

 

فعندما يشاهد هؤلاء “الحكماء” المشهد العربي المخجل الأخير الذي تجلى في قمة نواكشوط العربية في حزيران “يونيو” الماضي، والتمثيل الهابط فيها، ورفض بعض القادة العرب المشاركة لأن فنادق العاصمة أقل من مستواهم، ويبيت بعض وزرائهم في الجوار المغربي تذرعا بوجود “الجرذان”، وانعدام “الهايجين” أو النظافة الصحية، ونواكشوط عاصمة عربية افريقية بالمنتسبة، فإن أي حماس لديهم، أي الأفارقة، للتعاون مع العرب يفتر ويتبخر.

 

القائد الأفريقي العظيم نيلسون مانديلا الذي كان السند الرئيسي لكل القضايا العربية، وقاد الزعماء الأفارقة لكسر الحصار الجوي والمفروض على ليبيا، وجعل سفارة فلسطين واحدة من الأضخم في عاصمة بلاده، عندما انتقل إلى رحمة الله، لم تشارك الأغلبية الساحقة من الزعماء العرب في جنازته، بما في ذلك الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فهل هذا تصرف حضاري.

 

ختاما، حتى لا يساء فهمنا، نحن نحب المغرب، مثلما نحب الجزائر أيضا، وكل الشعوب العربية بالقدر نفسه، ومثلما نقف في خندق الحل العادل لقضية الصحراء وفق قرارات الأمم المتحدة التي وافقت عليها جميع الأطراف، ونحن هنا لا ننتقد الانسحاب من القمة العربية الأفريقية لأننا نعارض التضامن مع المغرب، وإنما لأننا ننتقد غياب التعقل والأعداد الجيد والمبكر لتجنب هذه الأزمة، وربما يفيد التذكير أننا انتقدنا الدعم الجزائري الرسمي للموقف الأسباني في استخدام القوة لإخراج القوات المغربية من جزيرة ليلى المغربية المحتلة.

 

نتمنى أن نرى المملكة العربية السعودية تقود انسحابا للعرب والأفارقة معا في أول اجتماع تشارك فيه إسرائيل تضامنا مع أهل الرباط في فلسطين والقدس تحديدا.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/11/25

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد