آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

رحل كاسترو الذي تحدى أمريكا في أوج قوتها ورفض الركوع لها..


عبد الباري عطوان ..

رحل فيدل كاسترو آخر الرجال العظماء، والقادة الثوريين، والعدو اللدود للاستعمار الأمريكي الوحشي، ورمز الصمود والتحدي في مواجهة كل عمليات الإذلال من خلال الحصارات التجويعية الظالمة.

هذا الرجل الذي، وعلى مدى خمسين عاما من الحكم، وضع جزيرة كوبا المجهولة في البحر الكاريبي في قلب خريطة العالم، وحولها إلى مصدر الهام للثورات في أمريكا اللاتينية والعالم الثالث بأسره.

تحدى 11 رئيسا أمريكيا، وأفشل أكثر من 638 محاولة اغتيال دبرتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وقضى على الأمية في بلاده، وأسس نظاما صحيا ليس له نظير في العالم كله، وأرسى نظاما تعليميا أنجب الأطباء المهرة الذين ذاع سيطهم، وتفوقوا على نظرائهم خريجي وأساتذة أشهر الجامعات والأكاديميات الطبية في العالم.

كاسترو ابن أحد أكبر العائلات الإقطاعية في كوبا انتصر للفلاحين والعمال الفقراء، وأجتث الإقطاع من جذوره، وحقق الاكتفاء الذاتي في الغذاء من خلال إتباع تنمية إقتصادية مستقلة.
***
انهيار الاتحاد السوفيتي، حليفه الرئيسي عام 1991 كان نكسة كبيرة بالنسبة إليه، سياسيا واقتصاديا وشخصيا، وواجهت بلاده أزمة حادة في ظل حصار أمريكي خانق، ولكنه نجح في تجاوزه، أو التخفيف من أثارها بفضل دولتين حليفتين هما الصين وفنزويلا، ولعب الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو شافيز الدور الأبرز في توفير الأموال والاستثمارات والنفط لإنقاذ أبيه الروحي كاسترو ودولته كوبا من الأزمة.

كان دائما الحليف لداعم الوفي للشعب الفلسطيني وثورته العادلة لاستعادة حقوقه المشروعة، واستوعب آلاف الطلاب الفلسطينيين في الجامعات الكوبية، وقال لي الزعيم الراحل ياسر عرفات أنه عندما كان يشعر بالضيق والإحباط من ظلم ذوي القربى خاصة، كان يذهب إلى كوبا.. إلى كاسترو.. حيث الراحة النفسية، والشحذ الثوري، ورفع المعنويات ليعود بعدها أكثر إيمانا وصلابة.

التواضع، والبدلة العسكرية الخضراء، والسيجار الكوبي الشهير كانت العلاقات الفارقة في حياة هذا الراحل العظيم الذي لم يسمح بتعليق صوره في الشوارع بلاده، ولا إقامة تماثيل ضخمة في ميادينها، ويغادر هذه الحياة دون أن يملك قصورا، ولا يخوت فاخرة، ولا أرصدة بنكية متضخمة بملايين أو مليارات الدولارات، ولكنه ترك أرثا ثوريا عظيما عنوانه الكرامة، وعزة النفس، والرجولة ورفض الركوع للاستعمار الأمريكي، والانحياز للفقراء ملح الأرض وهو ابن الأكرمين.
***
أحببناه لهذا الأرث المشرف، ولكونه الأقرب لمعاناة شعوبنا وهو الذي يبعد عنا آلاف الكيلومترات، أحببناه لأنه كان سيظل قدوة لجيلنا ومصدر الهام ونموذج في الصمود والتحدي ورفع الرؤوس عاليا وعدم الركوع إلا للخالق جل وعلا.

لا نعتقد أن زعماء عرب هذه الأيام سيشاركون في جنازته، تماما مثلما لم يشاركون في جنازات شرفاء آخرين مثل نيلسون مانديلا وهوغو شافيز، لأنه يشكل نقيضا لهم ويذكرهم، أو معظمهم، بتخليهم عن قيم العدالة والنضال ووقوفهم في خندق الظلم الأمريكي.

فيدل كاسترو وداعا من القلب، فنحن الذين أحببناك، ونعرف تاريخك وأرثك الوطني والإنساني المشرف.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/11/27

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد