آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

ما هي الأسباب التي دفعت الرئيس أردوغان على التراجع عن تهديداته بإسقاط “الطاغية” بشار الأسد؟

 

 عبد الباري عطوان ..

من يتابع مواقف وتصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تموز (يوليو) الماضي، يلاحظ أن الرجل يعيش حالة من الارتباك، قد تكون عائدة إلى حالة الحصار التي تعيشها حكومته، وتعثر معظم خياراته السياسية خاصة في دول الجوار وعلى رأسها سورية والعراق، وتعدد الجبهات السياسية والعسكرية التي يقاتل عليها هذه الأيام دفعة واحدة.

 

الرئيس التركي فاجأ حلفاءه، قبل أعدائه، يوم أمس الأربعاء عندما أكد للحضور في مؤتمر تخصص لـ”القدس المحتلة” عقد في مدينة إسطنبول الثلاثاء “أن سبب دخول قواته إلى الأراضي السورية في إطار “درع الفرات” ليس الاستيلاء عليها، بل إعادتها إلى أصحابها الحقيقيين، وهذا يعني أننا هنا من أجل العدالة”.

 

وأضاف، وهنا الأهم، “دخلنا من أجل أن نضع حدا لحكم الطاغية بشار الأسد الذي يرهب السوريين بدولة الإرهاب، ولم يكن دخولنا لأي هدف آخر”.

 

القيادة الروسية سارعت إلى طلب توضيح من الرئيس أردوغان حول هذه التصريحات التي تتعارض مع التفاهمات والاتفاقات بين الجانبين، واتصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره التركي مستهجنا ومستفسرا يوم أمس الأربعاء عن ما جاء على لسانه فيما يتعلق بإسقاط الرئيس السوري.

 

رئيس الشؤون السياسية في الحرس الثوري الإيراني العميد رسول سنائي راد لم يتردد لحظة بدوره في الرد على الرئيس التركي، عندما قال “إنه ليس لديه القدرة الكافية للإطاحة بالرئيس السوري.. ولو كانت لديه لكانت تركيا نجحت في إقامة المنطقة العازلة”.

***

أمام هذه الضغوط الروسية والإيرانية بدأت عملية التراجعات التركية بالتدريج، ففي البداية قالت مصادر في مكتب الرئيس أردوغان بأنه “لا يجب تفسير تصريحاته حرفيا”، وعندما قيل للرئيس أردوغان أن هذا التوضيح من قبل مكتبه غير كاف، انتهز فرصة لقائه مع “مخاتير” قرى تركية في القصر الرئاسي اليوم لكي يتراجع كليا عن هذه التصريحات، عندما قال “إن الهدف من عملية درع الفرات ليست موجهة ضد دولة أو شخصية (الأسد) بل ضد التنظيمات الإرهابية فقط، ولا يجوز أن تكون لدى أحد شكوك بشأن هذا الموضوع تارة بعد أخرى، ولا يجوز أن يعلق أحد على الموضوع بأسلوب أو يحاول تشويهه”.

 

هذا ليس التراجع الأول للرئيس اردوغان، ولن يكون الأخير حتما، فقد أكد قبلها أنه سيشارك في عملية الموصل لمحاربة “الدولة الإسلامية” رغما عن الحكومة العراقية، واستخدم لغة غير دبلوماسية في مخاطبة رئيسها حيدر العبادي عندما قال “من أنت.. أنت لست على مستواي.. إلزم حدودك”، وها هو الشهر الأول من عملية الموصل ينقضي، والقوات التركية لم تطلق رصاصة واحدة فيها.

 

ولعل “الزلة” الأكثر خطورة للرئيس أردوغان جاءت في إدلائه لأول حديث مع قناة تلفزيونية إسرائيلية بعد مقاطعة استمرت 13 عاما، قال فيه “إن القدس يجب أن تكون لكل الأديان”، وجاءت هذه “الزلة” بعد أيام من صدور قرار عن منظمة اليونسكو يؤكد أن المدينة المحتلة مدينة إسلامية لا علاقة لليهود وديانتهم فيها.

 

الرئيس أردوغان مدعوما بمجموعة أصدقاء سورية التي يزيد تعداد أعضائها عن 150 دولة، وإنفاق مليارات الدولارات لتسليح المعارضة السورية من أموال قطر والسعودية، لم ينجح وعلى مدى خمس سنوات في إسقاط الرئيس الأسد وحكومته، وبدأت الوقائع على الأرض، وبفضل التدخل العسكري الروسي تتغير لصالح النظام في دمشق الذي باتت قواته على بعد أيام من السيطرة الكاملة على مدينة حلب.

 

ولا نعتقد أن الرئيس أردوغان لا يعلم ما يجري حوله، سواء في سورية أو العراق أو مقر اليونسكو، اللهم إلا إذا كان مستشاروه يخفون عنه الحقائق، ويقدمون له معلومات مضللة وكاذبة، وهذا جائز.

 

تركيا أصبحت محاطة بالأعداء من الجهات الأربع التي تحيط بها، ومن المفارقة أن هؤلاء الأعداء مثل أوروبا والعراق وإيران وسورية والأكراد كانوا حتى الأمس القريب الأصدقاء الخلص لها، وساهموا في نهوضها الاقتصادي والسياسي واحتلالها المرتبة العالمية المتقدمة التي وصلت إليها، ومن غير الممكن أن يكون جميع هؤلاء على خطأ، والرئيس أردوغان على صواب.

***

القوات التركية لن تنجح في إسقاط النظام السوري، وإلا لكانت فعلت ذلك عندما كان الكثيرون بما فيهم الرئيس باراك أوباما، والإسرائيلي إيهود باراك، وعدد من القادة الخليجيين يعتقدون أن أيام النظام السوري باتت معدودة، وها هو أوباما يرحل، وباراك الإسرائيلي يعتزل السياسة، ويتحول إلى رجل أعمال، والقائمة تطول وستطول.

 

النظام السوري استمر في الحكم حتى الآن لأنه جزء من منظومة، وتحالف قوي، بزعامة روسيا، لا يمكن أن يسمح بإنهياره، ولأن جيشه النظامي صمد ولم يتعرض للانهيار، رغم انخراطه في حرب شرسة على مدى خمس سنوات.

 

السيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي الذي كرر العبارة الأثيرة إلى قلبه “الأسد سيسقط بالسلم أو الحرب”، أكثر من مئة مرة، اختفى من المشهد العربي كليا، ولم نعد نسمع “تغريداته” هذه، ولا نعرف ما إذا كان ما زال في منصبه أم لا.

 

يحتاج الرئيس أردوغان إلى كبح جماح تصريحاته، حتى لا يتراجع عنها بالطريقة التي تابعناها أكثر من مرة، وبطريقة غير لائقة، فالدهاء هو أن لا تقع في حفرة حتى لا تفكر كيف تخرج منها.

 

الرئيس التركي ضحية مصيدة أمريكية غربية وبأدوات عربية.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/12/02

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد