آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

لماذا “تعثر” الاتفاق الروسي الأمريكي حول حلب الشرقية في اللحظة الأخيرة؟

 

 عبد الباري عطوان ..

إذا صحت التسريبات المتعلقة باتفاق روسي أمريكي جرى التوصل إليه أثناء اللقاءات المكثفة بين خبراء الدولتين العظميين في جنيف، ويتحدث عن خروج المسلحين من شرق حلب بأسلحتهم الخفيفة إلى الحدود التركية في غضون 48 ساعة، باستثناء جبهة “أحرار الشام” (النصرة) سابقا، التي ليس أمام مسلحيها إلا وجهة واحدة، وهي منطقة إدلب، فإن مثل هذا الاتفاق سيمنع مجزرة كبرى لرجال المعارضة، وآلاف المدنيين الذين بقوا في الأحياء الخاضعة لهم.

 

نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف نفى التوصل إلى هذا الاتفاق الذي سربته ثلاثة مصادر من المعارضة السورية في إسطنبول لوكالة “رويترز″، وقال إن الجانب الأمريكي يطرح شروطا “غير مقبولة”، دون أن يحددها، ولكن من غير المستبعد التوصل إلى “حلول وسط” في الساعات المقبلة، لأن معظم ركائز هذا الاتفاق المقترح تأتي في إطار التفاهمات الروسية الأمريكية المتفق عليها منذ أكثر من عام، مثل الفصل بين المعارضة المعتدلة، والأخرى المتشددة الموضوعة على لائحة الإرهاب الروسية الأمريكية، وعلى رأسها جبهة “النصرة”، والإصرار على ذهاب الأخيرة إلى منطقة إدلب فقط، أو بالأحرى “محرقة” إدلب، التي ستبدأ حتما بعد الانتهاء من حسم ملف حلب، هو تجسيد لهذه التفاهمات.

***

إذا جرى التوصل إلى تسوية حول الاتفاق، أو حسم القصف الروسي وتقدم الجيش السوري المتواصل على أرض المعركة عسكريا، فإن إستراتيجية الحكومة السورية والحلفاء الروس والإيرانيين و”حزب الله”، في وضع الثقل العسكري كله خلف معركة استعادة حلب مهما بلغت الخسائر، بدأت تسدل الستار على الفصل النهائي من نجاحاتها، فمن يسيطر على مدينة حلب يسيطر على حوالي 80 بالمئة من المناطق الخصبة الآهلة بالسكان، والمراكز الاقتصادية الرئيسية في البلاد.

 

مدينة تدمر الأثرية الصحراوية، التي تتبادل السيطرة عليها حاليا “الدولة الإسلامية” مع الجيش السوري، لا تشكل قيمة اقتصادية أو سياسية كبيرة بالنسبة إلى دمشق، فأشهر معالمها غير الأثرية، قصر أمير قطر السابق، وسجنها الشهير، ولهذا تحتل مكانة متقدمة على سلم الأولويات، وكذلك الحال بالنسبة إلى مدينة الرقة عاصمة “الدولة الإسلامية”، فالجيش السوري غير متعجل لاستعادتها، وتكبد خسائر بشرية وعسكرية كبيرة، وطالما أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر تنظيم “الدولة” هو الأخطر، والقضاء عليه يحتل قمة سلم أولوياتها، فالتتفضل وتتولى هذه المهمة بنفسها وحلفائها، وبعد القضاء على “الدولة الإسلامية” فيها لكل حادث حديث، حسب ما يقول أحد المسؤولين السوريين لوكالة “رويترز″.

 

في الفترة الأخيرة ظهرت في بعض الصحف الغربية والعربية تقارير تتحدث عن احتمالات انطلاق حرب عصابات في سورية بعد سقوط مدينة حلب في يد الجيش السوري، لجر الحكومة السورية إلى حرب استنزاف دموية مكلفة، وهذا الاحتمال وارد جدا، وغير مستبعد في المستقبل المنظور، فاستيلاء المعارضة المسلحة على المدن، وإدارتها، كانت من أكبر أخطائها في نظر بعض المحللين الغربيين، ولكن هناك محللين آخرين، يرون أن الدول الداعمة للمعارضة، والعربية منها على وجه الخصوص، قد توقف دعمها أو تقليصه إلى حدود دنيا، لأن حرب العصابات هذه مهما تضمنت من تفجيرات وعمليات انتحارية، سيكون من الصعب عليها النجاح حيث فشلت الأولى التي استمرت ست سنوات ومئات الآلاف من المقاتلين بإسقاط النظام، وبالتالي قد تلجأ الأجهزة الأمنية السورية، التي تملك خبرة غير عادية في “الإرهاب المضاد” إلى عمليات انتقامية ضد هذه الدول، بالتنسيق مع نظيراتها الروسية والإيرانية.

 

بعد أحداث حماة الدموية عام 1982، أجرت حركة الإخوان المسلمين التي لعبت الدور الأكبر في المواجهة ضد النظام، مراجعات سياسية متعمقة توصلت خلالها إلى قناعة بأن حمل السلاح ضد النظام الذي أثبت قدرة على الصمود ليس مجديا، ويعطي نتائج عكسية أبرزها إعطاء الذرائع له لاستخدام القبضة الحديدية والقمع الدموي، وانخرطت الحركة في مفاوضات سرية مع النظام للمصالحة، وبما يمهد لعودة قيادييها في الخارج، وممارستها للأنشطة الدعوية فقط، ولكن اندلاع الاحتجاجات انطلاقا من درعا في آذار (مارس) عام 2011، صب في مصلحة الجناح المتشدد المطالب بتسليح “الثورة”، تحت شعار حماية المتظاهرين السلميين.

 

استعادة الجيش السوري لمدينة حلب، وإنهاء وجود المقاتلين في الأحياء المتبقية منها، سواء من خلال اتفاق أمريكي روسي، أو تقدم الجيش السوري والسيطرة عليها بالتالي، ستعزز سلطة الرئيس بشار الأسد ومكانته في أوساط داعميه وأنصاره، وقد تجبر معارضيه، والعرب والأتراك منهم خاصة، إلى مراجعة مواقفهم تجاهه، وتخفيف أو إنهاء المقاطعة لحكمه انطلاقا من قاعدة الواقعية السياسية “Real Politics”.

***

الدعوات المتصاعدة في أوساط قطاع عريض من السياسيين في الأردن، وآخرهم الوزير والبرلماني السابق محمد داووية بضرورة توجيه الدعوة رسميا إلى الحكومة السورية للمشاركة في القمة العربية التي ستستضيفها العاصمة عمان في شهر آذار (مارس) المقبل قد تصب في خانة المراجعات التي ذكرناها آنفا، ولا نستبعد أن تكون الدولة الأردنية “العميقة” هي التي تقف خلف هذه الدعوات كنوع من بالونات الاختبار للتمهيد لقرار مفاجيء في هذا الصدد.

 

الأردن فقد الأمل كليا من وصول المساعدات المالية الخليجية التي كان يعول عليها لمواجهة أزماته الاقتصادية المتفاقمة، فالمنحة الخليجية ومقدارها 5 سنوات، وقيمتها مليار دولار كل عام تنتهي بنهاية العام الحالي، ولا توجد أي مؤشرات على إمكانية تجديدها، وربما تفكر “المؤسسة” الأردنية الحاكمة بالبحث عن بدائل أخرى في دول الجوار، وتطبيع العلاقات مع سورية، وربما إيران أيضا، حيث الأسواق والنفط، والسياحة الدينية.

 

حلب ستشكل نهاية مرحلة وبداية أخرى في التاريخ السوري الحديث، وربما المنطقة الشرق أوسطية بأسرها، وهناك الكثير الذي يمكن قوله حول هوية المرحلة الجديدة ومتطلباتها، ولكن سنعبر ذلك الجسر عندما نصل إليه.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/12/12

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد