آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

مسلسل التفجيرات الإرهابية يضرب المنطقة.. ولكن لماذا نعتقد أن تفجيرات إسطنبول أخطرها؟

 

 عبد الباري عطوان ..

كان يوم أمس الأحد يوم التفجيرات الإرهابية في أكثر من عاصمة ومدينة شرق أوسطية، ابتداء من القاهرة، مرورا بعدن، وانتهاء باسطنبول، والهدف هو الانتقام، وزعزعة الاستقرار، وخلق حالة من الفوضى الدموية.

 

من الصعب التوقف عند تفجير واحد، فكلها خطيرة، وأوقعت خسائر مادية وبشرية ضخمة، لكن تفجير إسطنبول الانتحاري المزدوج الذي أوقع أكثر من 44 قتيلا وإصابة ما يقرب من المئتين، معظمهم من شرطة مكافحة الشغب قرب بوابات نادي كرة القدم الأكثر شعبية في العاصمة التاريخية (بشيكتاش)، وبعد ساعة من انتهاء مباراة أقيمت على أرضه، هذا التفجير يختلف عن كل التفجيرات الأخرى، ليس بسبب ضخامة الخسائر، وإنما لما ينطوي عليه من دلالات، ولما يمكن أن يؤشر إليه من نتائج متوقعة لتركيا وأمنها واقتصادها، وربما المنطقة بأسرها.

 

تركيا تشهد حاليا بدايات السيناريو نفسه الذي واجهته سورية قبل ست سنوات، أن لم يكن أكثر كلفة، ومن المفارقة أن هذا التفجير وقع في وقت تقترب فيه معركة حلب من نهايتها، بعد انسحاب فصائل المعارضة السورية المسلحة المدعومة تركيا من معظم الأحياء التي كانوا يسيطرون عليها شرق المدينة، وبدأت أصابع الاتهام بالقصور والخذلان توجه إلى الرئيس رجب طيب أردوغان الذي لم يتحرك مطلقا لإنقاذ حلفائه.

***

الرئيس التركي توعد بالانتقام ومطاردة الإرهابيين في كل مكان والقضاء عليهم، وأجرى حملة اعتقالات شملت أكثر من 235 من أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، بعد إعلان منظمة مجهولة تدعى صقور “حرية كردستان” المسؤولية عن تفجير الأمس.

 

تفجيرات إرهابية عديدة وقعت في الماضي في مدن تركية، وجرى توجيه أصابع الاتهام إلى “الدولة الإسلامية” تارة، والى حزب العمال الكردستاني تارة أخرى، لكن الجديد في هذا التفجير الأخير انه الأول الذي يقع بعد تدخل قوات “درع الفرات” التركية التي توغلت في الأراضي السورية، وأوشكت على الاستيلاء على مدينة الباب بعد أن أحكمت سيطرتها على مدينة جرابلس.

 

الرئيس أردوغان بدأ يتبع العقيدة نفسها التي اتبعها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، أي الذهاب إلى “الإرهابيين” وقتالهم في معاقلهم خارج الأراضي التركية حتى لا يصلوا إلى عمقها، وهذا ما يفسر إقامته قاعدة عسكرية في بعشوقة قرب الموصل، تضم ألفي ضابط وجندي ومعدات عسكرية، وأخرى في جرابلس والباب وثالثة في الصومال، ورابعة في قطر.

 

عملية التفجير الأخيرة في إسطنبول وما سبقها من عمليات مماثلة، تؤكد عدم نجاح هذه العقيدة في منع وصول التفجيرات إلى قلب إسطنبول، وقبلها أنقرة، وضرب صناعة السياحة، وتطفيش الاستثمارات الخارجية، ومنع وصول الجديد منها.

 

الاقتصاد التركي الذي يعتبر ازدهاره من اكبر إنجازات حزب العدالة والتنمية ورئيسه أردوغان على مدى الـ 13 عاما الماضية، بدأ يواجه أزمة مماثلة لازمة النظام المصري، عدوه اللدود، فنسبة النمو التي وصلت إلى حوالي 10 بالمئة عام 2010 بدأت تتراجع إلى اقل من ثلاثة في المئة حاليا، وفقدت الليرة التركية حوالي نصف قيمتها، أن لم يكن أكثر، وزاد الرئيس أردوغان من انخفاضها عندما طالب الأتراك بشراء الذهب كملاذ آمن في مواجهة هذا التدهور، ولكنه أدرك خطأه، وتراجع عن هذا الاقتراح، عندما طالب مواطنيه استبدال الليرة التركية بما لديهم من عملات أجنبية مثل الدولار واليورو، وبادر بهذه الخطوة ليكون قدوة، واتفق مع روسيا ودول أخرى على اعتماد العملات المحلية كوسيلة للتبادل التجاري، وكبديل عن العملات الغربية.

 

الرئيس أردوغان الذي كان يطالب الرئيس السوري بالاستماع إلى مطالب المعارضة في بلاده في بداية الأزمة، ويحمله مسوؤلية الصدامات الدموية بسبب عدم الاستماع إلى نصيحته، واللجوء إلى الحلول الأمنية لمواجهة “الثورة” في بلاده، يكرر “الخطأ نفسه”، بطريقة أو بأخرى مع اعترافنا بالفوارق، ويستخدم القبضة الحديدية ضد المعارضة، حيث يواصل قصف قواعدها بالطائرات والصواريخ، ويعتقل قيادات أحزابها، ويقمع الحريات، ويزج بعشرات الآلاف في السجون، وسيعزز قبضته الحديدية هذه بتعديل الدستور لتكريس النظام الجمهوري، وحصر كل الصلاحيات بيديه، وتكريس هيمنة الحزب الواحد والزعيم الأوحد.

***

عندما يرسل الرئيس التركي قوات للتغلغل في دول الجوار، ويقيم مناطق “آمنة” فيها، ويدعم المعارضة المسلحة، ويقصف قطاعا عريضا من أبنائها (الأكراد)، ويستخدم ورقة اللاجئين الأجانب كورقة ابتزاز لأوروبا، فإن عليه أن يتوقع مقاومة، وأعمال انتقامية، وتفجيرات إرهابية، واحتمال انتقال “فيروس″ التقسيمات العرقية والطائفية إلى العمق التركي عاجلا أم آجلا.

 

جميع التفجيرات الإرهابية التي تستهدف العمق التركي، تحصد أرواح الأبرياء، وتزعزع استقرار البلاد مدانة، دون أي نقاش، وغير المسموح مطلقا تبريرها، ولكن يجب انتقاد السياسات التي توفر لها الذرائع والأسباب دون أي تحفظ، وأبرزها التوغل في دول ذات سيادة، واللجوء للحلول الأمنية وليس الحوار.

 

تركيا تخسر، وبشكل متسارع، أهم أعمدة استقرارها ورخائها الاقتصادي، ووحدتها الترابية، والديمغرافية، مثلما تخسر الكثير من الأصدقاء والحلفاء، وتكسب القليل من الأصدقاء ومن تبقى لها منهم لا يحظون بأي وزن سياسي أو عسكري ويحتاجونها أكثر مما تحتاجهم، وصمتها عن ما جرى، ويجري في حلب من تصفية سياسية وجسدية لفصائل أسستها أو دعمتها، ربما تكون الضربة، وليس الشعرة، التي قصمت ظهر البعير التركي، الذي كان يعتقد الكثيرون انه صلب وغير قابل للكسر.

 

كنا من ابرز المعجبين بالنموذج التركي في صيغته الأولى، أي “صفر مشاكل”، وطالبنا بالاقتداء به، ولكننا اكتشفنا، ونكتشف، كم ينهار هذا النموذج بسرعة قياسية، نقولها وفي الحلق مرارة.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/12/13

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد