آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

هل يصمد اتفاق وقف إطلاق النار في سورية؟

 

عبد الباري عطوان ..

اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلن عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومن المقرر أن يبدأ فجر الجمعة، هو نتاج استعادة مدينة حلب، والتفاهم الثلاثي الروسي التركي الإيراني الذي جرى التوصل إليه في اجتماع موسكو الذي انعقد قبل أيام بحضور وزراء الخارجية.

أمريكا وحلفاؤها العرب كانوا خارج هذا الاتفاق، ولم يستشاروا به، ولم يطلعوا على بنوده إلا في الصحف، مثل مئات الملايين من العرب والمسلمين، مما يعني أن مرحلة قديمة انتهت ليس بنهاية العام الحالي، وإنما انطلاقا من التحول الإستراتيجي الذي شهدته حلب، ومرحلة أخرى جديدة بدأت في الملف الإقليمي برمته، وليس الملف السوري فقط.

الجديد في الاتفاق هو استبعاد الهيئة العليا للمفاوضات ومقرها في الرياض منه، جنبا إلى جنب مع جبهة “فتح الشام، النصرة سابقا، و”الدولة الإسلامية” وتثبيت المعارضة “المعتدلة” في سبع جبهات هي أحرار الشام، وفيلق الشام، وجيش الإسلام، وصقور الشام وجيش المجاهدين، وجيش إدلب، والجبهة الشامية.
***
القواسم المشتركة في هذه الفصائل السبعة أنها تملك قوات على الأرض، وتتمتع بقاعدة قتالية ووجود قوي، وتحظى بدعم القيادة التركية، وقيادات هذه الفصائل قادرة على فرض الالتزام بوقف إطلاق النار على مقاتليها، ومعظمها لم يحظ بأي تمثيل في العملية السياسية التي انطلقت من جنيف وفيينا.

وجود “أحرار الشام” وهي الفصيل الأقوى الذي يشكل جيش الفتح أحد أذرعته العسكرية، (أعلنت عن بعض التحفظات حول الاتفاقية)، يعني انفصالهما عن جبهة “فتح الشام” في الوقت الراهن على الأقل، وقبولها بالجلوس على مائدة المفاوضات إلى جانب الفصائل الستة الأخرى مع الحكومة السورية وبمباركة تركية، وموافقة روسية، وهذا تطور غير مسبوق في مسيرة المعارضة السورية المسلحة.

الانقلاب الذي حدث في الموقف التركي، والتنسيق الكامل بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان يقف خلف هذه المعادلة الجديدة في سورية، ولا نستبعد أن يكون اتفاق وقف إطلاق النار هذا الذي سيشمل معظم الأراضي السورية هو مجرد قمة جبل الثلج، وان هناك مفاجآت كثيرة قادمة.

الرئيس أردوغان قرر أن يدير ظهره إلى حلفائه الأوروبيين والأمريكان، ويذهب مباشرة إلى القوة العظمى الجديدة الصاعدة، أي روسيا، وتصريحاته التي أدلى بها اليوم وأمس تعكس خيبة أمل كبرى تجاه هؤلاء الحلفاء، فقد اخترق كل الخطوط الحمر عندما اتهم أمريكا بدعم “الدولة الإسلامية” وعدم الجدية في محاربة الإرهاب، وقال بمرارة إن حلف الناتو، والذي تعتبر بلاده دولة مؤسسة فيه، خذله، ولم يقف بجانبه، ويقدم له الدعم عند توغل قواته في شمال سورية ضد خصومه الأكراد، ومحاولة السيطرة على مدينة الباب، وإخراج قوات “الدولة الإسلامية” منها.

فرص صمود اتفاق وقف إطلاق النار الجديد تبدو أفضل من سابقاته، لان الضامن الرئيسي له هو روسيا وتركيا، والدولتان تملكان أدوات ضغط قوية على الحكومة السورية (روسيا) وفصائل المعارضة (تركيا)، مضافا إلى ذلك أن الاتفاق نص على خروج القوات الإيرانية، وقوات “حزب الله” من الأراضي السورية، لطمأنة الفصائل المعارضة، ولان وجود هذه القوات وبعد حسم معركة حلب لم يعد ملحا، حسب آراء الكثير من الخبراء العسكريين.

لا نستبعد أن تلجأ الدول التي جرى استبعادها من هذا الاتفاق مثل أمريكا والسعودية وقطر إلى محاولة عرقلته بطريقة أو بأخرى، بعد أن ابتعدت عنها تركيا، وتعززت فرص استقرار السلطات السورية، وما الدعوات التي صدرت بالأمس إلى السوريين، بالتظاهر مجددا إلا أحد أوجه الامتعاض، وربما محاولات عرقلة تطبيق الاتفاق، رغم بيانات الترحيب الروتينية بالاتفاق التي صدرت عنها.
***
ما هي الخطوات المقبلة التي ستتبع تنفيذ هذا الاتفاق، والتزام الأطراف الموقعة عليه ببنوده؟

يمكن تلخيص الإجابة على هذا السؤال في عدة نقاط:

الأولى: تفرغ القوات الروسية والسورية لمعركة تدمر لاستعادة المدينة الأثرية من سيطرة “الدولة الإسلامية”.

الثانية: تكثيف القوات التركية لهجماتها للسيطرة على مدينة “الباب” التي واجهت فيها مقاومة شرسة من “الدولة الإسلامية”، وكبدتها خسائر كبرى في صفوف هذه القوات.

الثالثة: الانخراط في مفاوضات سياسية كبديل عن مفاوضات جنيف وفيينا، وبوجوه جديدة تمثل القوى على الأرض، وأكد السيد المعلم وزير الخارجية السوري على استعداد بلاده للانخراط فيها في اقرب فرصة ممكنة.

الثعلب بوتين استغل الفراغ الرئاسي الأمريكي، وضعف إدارة أوباما، والغضب التركي تجاهها وتجاه الغرب عموما، وحسم معركة حلب لصالح تحالفه، وها هو يعيد ترتيب الملف السوري وفق إستراتيجيته، ويقصي كل اللاعبين الآخرين الذين سيطروا على هذا الملف طوال السنوات الماضية، وضخوا مليارات الدولارات، وعشرات الآلاف من أطنان الأسلحة.

إنه الدهاء الروسي في أكثر صورة وضوحا، اتفق البعض معه أو اختلف، والاختلاف لن يغير من هذه الحقيقة على أي حال.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/12/30

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد