آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

ما هو “الجديد” الذي حمله بيان “الدولة الإسلامية” عن هجوم إسطنبول؟

 

عبد الباري عطوان ..

أثبتت التفجيرات والهجمات الإرهابية “المتعددة” التي أعلنت “الدولة الإسلامية” مسؤوليتها عنها، واستهدفت في الأيام القليلة الماضية أماكن متفرقة في المنطقة العربية وأوروبا، أن هذا التنظيم ما زال قويا رغم الحروب التي تشن في العراق وسورية للقضاء عليه، وأن خلاياه النائمة ما زالت تشكل خطرا لم يتوقعه، وحجمه، الكثيرون مما يطلقون على أنفسهم “الخبراء في شؤون الإرهاب”.

 

تكاثر الهجمات، ونجاح معظمها، أن لم يكن كلها، يثير حالة من الخوف والرعب في مختلف أنحاء العالم، فلا يوجد أي دولة محصنة، مهما امتلكت أسباب القوة الأمنية والعسكرية، لأن زعيم هذه الدولة أعلن بكل وضوح، ودون أي مواربة، أن المدنيين هم الهدف، خاصة في الدول التي تشارك في الحرب ضد “الدولة الإسلامية”، عربية كانت أو أوروبيةـ وهذا من أسهل الأهداف، ولا تحتاج إلى عبقرية في القدرة على التنفيذ.

 

زعيم “الدولة الإسلامية” أبو بكر البغدادي وجه تعليماته، وحسب ما جاء في قناة “السومرية العراقية”، إلى قادته من المهاجرين (خارج حدود الدولة) لإحياء الخلايا النائمة، في الدول العربية والأوروبية، وتنفيذ هجمات نوعية على المدنيين، ردا على هجمات التحالف الدولي على “أرض الخلافة والمسلمين”، وخص بالذكر “المنشآت النفطية والمصالح الأجنبية التابعة للدول المشاركة في التحالف، وإيقاع أكبر عدد ممكن من القتلى والخسائر البشرية”.

***

 

للوهلة الأولى يمكن القول إن تحديد استهداف المنشآت النفطية يعني المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، وربما ليبيا أيضا، التي توجد فيها هذه المنشآت، أما التحريض على ضرب المصالح الغربية، فإنه إشارة إلى تنفيذ هجمات ضد السفارات والشركات الغربية في الدول العربية والإسلامية، جذبا للإعلام، واحتلال عناوين صحفه ومحطاته التلفزيونية إلى جانب وسائط التواصل الاجتماعي.

 

ولعل أخطر ما جاء في تعليمات وتوجيهات زعيم تنظيم “الدولة” إلى أتباعه، وقد تأكد أنهم مثل أذرع الأخطبوط يتواجدون في معظم الأماكن، “مطالبته للمهاجرين المسلمين سواء في العراق وسورية، أو دول أخرى، بالعودة إلى بلدانهم وإعلان قيام “ولايات إسلامية فيها”، على غرار سيناء وسرت وأفغانستان وباكستان وأوروبا، مما يوحي أنه لا يستبعد القضاء على “دولة الخلافة” في نهاية المطاف، وبعد مقاومة شرسة.

 

السيد حيدر العبادي قال في تصريحات سابقة أنه يحتاج إلى شهرين للقضاء على “الدولة” في الموصل، بينما رأى فرانسوا هولاند، الرئيس الفرنسي أثناء زيارته إلى بغداد أمس، أن هذا الإنجاز قد يستغرق أسابيع، وتنبأ بأن عام 2017 “سيكون عام الانتصار على الإرهاب”، ولكن قائد قوات التحالف الدولي في العراق الجنرال ستيفن تاوسند يعتقد أن تحقيق هذا الهدف ربما يحتاج إلى عامين، فأي منهم الأكثر صدقا؟

 

لا نتفق مع معظم هذه التنبؤات، أن لم يكن كلها، ولا نتردد في القول بأن الرئيس الفرنسي مغرق في التفاؤل عندما قال أن العام الجديد سيكون عام الانتصار على الإرهاب، فقد استقبلته “الدولة الإسلامية” بثلاثة تفجيرات متزامنة في بغداد وسامراء، وهجوم على ملهى ليلي في إسطنبول، وآخر في طرطوس قرب حاجز للجيش في شمال سورية، ورابع قبل أيام في برلين، والله وحده يعلم أين سيكون الهجوم المقبل.

 

هزيمة “الدولة الإسلامية” في الموصل ربما لن تكون إسدال الستار على وجودها، ومؤشر على القضاء على “دولة خلافتها”، وإنما نهاية مرحلة “التمكن”، وبدء مرحلة “التمدد إرهابيا”، والأخيرة التي تعني العمل السري تحت الأرض، أقل كلفة وأكثر خطورة في الوقت نفسه.

 

من يتمعن في بيانات “الدولة الإسلامية” الأخيرة التي تتبنى فيها المسؤولية عن الهجمات، يمكن أن يجد الأدلة الدامغة عما نقول، فالأدبيات تغيرت، وكذلك اللهجة، وأسلوب التحريض، فالبيان الذي صدر عن عملية الهجوم على الملهى الليلي في إسطنبول الذي أودي بحياة أربعين شخصا قال “مواصلة للعمليات المباركة التي تخوضها “الدولة الإسلامية” ضد تركيا حامية الصليب دك أحد جنود الخلافة الأبطال أحد أشهر الملاهي الليلية حيث يحتفل مسيحيون بعيدهم الشركي”، وتوعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي تقتل طائراته المسلمين في مدينة الباب بالمزيد من الهجمات الانتقامية.

 

قبل بدء التحالف الدولي غاراته ضد تنظيم “الدولة” في العراق وسورية، وتجفيف منابعها المالية، وتشديد الحصار على المدن التي تسيطر عليها مثل الموصل والرقة، لم تنفذ “الدولة” عمليات إرهابية في الخارج، واكتفت في الدفاع عن أراضيها، ومحاولة التمدد جغرافيا في محيطها، لكن الآن وبعد أن باتت مسألة الحفاظ على “دولة الخلافة” صعبة وشبه مستحيلة، بدأت “الدولة” تنتقل إلى المرحلة “ب” دفعة واحدة، وتعطي الضوء الأخضر لخلاياها النائمة بالتحرك.

 

تركيا قد تكون الأكثر تضررا من هذا التحول، خاصة بعد انخراطها الكامل في الحرب ضد “الدولة الإسلامية” بعد تلكؤ استمر لسنوات، وشكلت قوات “درع الجزيرة” لإخراجها من مدنية الباب بعد جرابلس في شمال سورية.

 

عندما كنت اجري الأبحاث، واللقاءات، تمهيدا لإصدار احدث كتبي الصادر بالانكليزية، وترجم لعدة لغات عالمية، قال لي احدهم بالحرف الواحد “تركيا لن تجرؤ على محاربتنا، فهناك اتفاق غير مكتوب بيننا، إذا هاجمتمونا سننقل الحرب إلى عمقكم الجغرافي، وسندمر صناعة السياحة التي تدر عليكم 36 مليار دولار سنويا”.

***

 

التفجيرات التي وقعت في إسطنبول وأنقرة والمنتجعات التركية الجاذبة للسياح، ربما كانت تنفيذا لهذه التهديدات، ووجود 24 أجنبيا بين قتلى الملهى الليلي في إسطنبول، ونسبة العرب من بينهم هي الأكبر، يؤكد جدية ما نقول، والرسالة واضحة تقول أن تركيا لم تعد آمنة لأهلها أو زوارها، ونعتقد إنها وصلت.

 

الأعوام المقبلة، وليس العام الحالي 2017 فقط، ربما تكون أعوام “الدولة الإسلامية”، أو داعش، مثلما يصر البعض على تسميتها، فهذا التنظيم اخطر مما يتوقعه الكثيرون لأن حواضنه ما زالت موجودة، وأسباب صعوده لم تختف، وقنوات الدعم ما زالت مستمرة، وأن خفت حدتها في الفترة الأخيرة.

 

لا نريد أن نرسم صورة حالكة السواد ممزوجة بالتشاؤم، في وقت الاحتفال بالعام الجديد، ولكن هذه هي الحقيقة، وهذه هي بضاعتكم ردت إليكم، نقولها بكل مرارة، واللبيب بالإشارة يفهم.

 

رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/01/03

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد