آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

وصول يلدريم إلى بغداد هل يمهد للانضمام إلى المحور السوري الإيراني؟

 

عبد الباري عطوان ..

وصل إلى بغداد اليوم (السبت) السيد بن علي يلدريم، رئيس الوزراء التركي على رأس وفد وزاري كبير، يضم وزيري الدفاع والطاقة، في محاولة لترميم العلاقات بين البلدين، وكسر حالة العزلة لبلاده مع دول الجوار، بعد تراجع سياساتها في الملف السوري وتوثيق علاقاتها مع موسكو.

 

اختيار بغداد القريبة جدا من المحور الإيراني السوري، وفي هذا التوقيت الذي تشن فيه قوات مكافحة الإرهاب العراقية المرحلة الثانية من حربها لاستعادة مدينة الموصل من سيطرة “الدولة الإسلامية”، يعني أن الرئيس رجب طيب أردوغان قرر الانخراط في هذا المحور بشكل أكثر جدية، خاصة انه يخوض حربا صعبة في مدينة الباب في مواجهة تنظيم “الدولة”، وتتكبد قواته خسائر ضخمة بدأت تطرح تساؤلات متنامية في أوساط الرأي العام التركي حول مدى صوابية هذه الحرب وجدواها، وموافقته على سحب جميع قواته من قاعدة بعشيقة شمال العراق، التي كانت موضع توتر مع بغداد، هو أحد الأدلة في هذا الصدد.

***

هناك ثلاثة تطورات رئيسية، داخلية وخارجية، يمكن من خلالها استقراء الموقف التركي المتأزم، وما ترتب عليه من انعكاسات حتمت تغييرات في الكثير من الملفات الرئيسية في الإقليم:

 

الأول: توتر العلاقات التركية الأمريكية إلى درجات غير مسبوقة، فبعد اتهام الرئيس أردوغان علنيا لأمريكا بدعم الأرهاب، وتنظيم “الدولة الإسلامية” خاصة، وتخلي حلف الناتو عن تركيا في حربها ضد هذا التنظيم وغيره من التنظيمات الكردية، ها هي الحكومة التركية تصعد حملتها، وتهدد بإغلاق قاعدة أنجرليك الجوية في وجه الطائرات الأمريكية والغربية الأخرى التي تنطلق منها لضرب قواعد “الدولة الإسلامية” في العراق وسورية، وقال السيد فكري اشيق، وزير الدفاع التركي، أمس “يجب أن يدرك الجميع أن القاعدة ليست تابعة لحلف الناتو واستخدامها وغيرها يتم بموافقة أنقرة”.

 

الثاني: التصريحات المفاجئة و”الصادمة” التي أدلى بها السيد نعمان قورتولموش نائب رئيس الوزراء، والمتحدث باسم الحكومة واعترف فيها بخطأ السياسات التركية في سورية منذ البداية، و”أن بلاده أرادت بناء مرحلة ديمقراطية في سورية ولكنها لم تتمكن من ضمان تطوير الوسائل السياسية وتنفيذها، فإمكانياتنا لم تكن كافية، والمجتمع الدولي لم يقدم دعما جادا في هذا الشأن”.

 

الثالث: وهو داخلي ويتمكن من استمرار حملة الطرد لآلاف الموظفين الأتراك من مناصبهم لوجود شبهات بانتمائهم إلى حركة الداعية فتح الله غولن، وآخرهم ستة آلاف موظف، وتمديد حالة الطوارىء لثلاثة أشهر، ووصول عدد المعتقلين إلى حوالي 40 ألفا، نسبة كبيرة منهم من العسكريين والقضاة والأكاديميين.

 

التطورات الثلاثة مترابطة ببعضها البعض، ويجب النظر إليها من منظور جمعي لمعرفة مسارات السياسات التركية المقبلة، فمن الواضح أن الرئيس أردوغان بالتهديد بإغلاق قاعدة أنجرليك يواصل من خلاله إيصال رسائل أخيرة لواشنطن التي أدارت له ظهرها بالكامل، ولكن من المستبعد أن تستجيب واشنطن إليه، فقد بدأت الحرب ضد “الدولة الإسلامية” قبل سماح تركيا لها باستخدام هذه القاعدة (أنجرليك)، كما أنها غزت العراق عام 2003 واحتلته، دون الاستعانة بها بعد رفض البرلمان التركي طلبا باستخدامها في هذا الغزو، والسبب بسيط وهو أنها تملك قواعد جوية في عدة دول عربية من بينها قاعدة العيديد في قطر.

 

الرئيس أردوغان يخشى من دعم أمريكا للميليشيات الكردية المسلحة وتسليحها على غرار ما فعلت مع المعارضة السورية، مثلما يخشى أن القانون الأمريكي الذي صدر قبل أسبوعين بالسماح للحكومة برفع الحظر عن تزويد جماعات مسلحة بمعدات متطورة وصواريخ مضادة للطائرات والدبابات القصد منه دعم الأكراد في سورية وتركيا نفسها.

 

أما إذا نظرنا إلى استمرار حملة الاعتقالات، وتصاعد طرد الموظفين، فأن هذه السياسة تذكر بنظيرتها التي اتبعها بول بريمير، الحاكم العسكري الأمريكي للعراق بعد الاحتلال، وتمثلت في قانون اجتثاث البعث، وحل الجيش والأجهزة الأمنية العراقية، مما أدى إلى خلق الحاضنة الدافئة لصعود ونمو “الدولة الإسلامية”.

***

المشكلة الأساسية التي يواجهها الرئيس أردوغان ونظام حكمه، أن كثرة التغيير في سياساته والذهاب من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب فيها، وأتباع الشيء ونقيضه في فترات متقاربة قلص من حجم الثقة بهذه المواقف والسياسات من قبل القوى الإقليمية والدولية على حد سواء، والشيء نفسه يقال على صعيد التهديدات وكثرة الرسائل إلى هذه الجهة أو تلك التي تعكس حالة من الارتباك في معظم الأحيان.

 

فاليوم يعترف نائب رئيس وزرائه السيد قورتولموش بأن سياسة بلاده كانت خاطئة منذ البداية في التعاطي مع الملف السوري، وإذا كان الحال كذلك، لماذا الإصرار على التمسك بهذه السياسة الخاطئة طوال السنوات الست الماضية، وهي السياسة التي لم تكن فاشلة في سورية فقط، وباعترافه، وإنما ارتدت أرهابا على تركيا نفسها، وباتت تهددها بالتفكك والحروب الأهلية، الطائفية والعرقية.

 

تركيا استخدمت الورقة الطائفية جنبا إلى جنب مع إيران والسعودية، لبذر بذور الفوضى الدموية في المنطقة بدخولها في تحالفات مع أمريكا وحلف الناتو، التي هي عضو فيه، وتدخلاته العسكرية في ليبيا والعراق وسورية واليمن، وحديث السيد قورتولموش عن وجود أطراف تريد تشتيت شعوب المنطقة وكسر أرادتها من خلال إذكاء الخلافات العرقية والطائفية بينها صحيح ودقيق، ولكنه نسي أو تناسى أن تركيا كانت وما زالت على رأس هذه الأطراف.

 

في جميع الأحوال أن تأتي هذه الاعترافات والخطوات  متأخرة، أفضل من أن لا تأتي أبدا، والمهم هو الثبات، وتصحيح الخطأ بجدية.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/01/07

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد